مضى أكثر من عشرة أيام على تصويت حكومة مقاطعة كيبيك الكندية على نص القانون الجديد الذى سمى بقانون حظر النقاب،ومازالت عاصفة إصداره مشتعلة فى كندا. مما دفع وزيرة العدل فى مقاطعة كيبيك ستيفانى فاليه إلى الإعلان عن اعتذارها عن اللبس الذى وقع فى فهم القانون عند الإعلان عنه، مؤكدة أن القانون لا يتدخل فى الاختيارات الشخصية للناس فيما يرتدون بقدر ما هدفه توفير الأمن لكل الكنديين. حيث يقضى القانون بضرورة كشف الوجه عند طلب الحصول على الخدمات الحكومية بهدف التحقق من هوية الطالب. وكانت حكومة كيبيك الليبرالية قد صوتت، على القانون الذى وصفته فاليه بالأول من نوعه فى أمريكا الشمالية، حيث يقضى القانون بمنع العاملين فى القطاع العام من تغطية الوجه، كما يلزم المواطنين بكشف الوجه عند تلقى الخدمات العامة من دوائر الدولة وبلدياتها ومجالس المدارس ومرافق الخدمات الصحية العامة وسلطات وسائل النقل. وقد ارجعت وزيرة العدل فى كيبيك الجدل الدائر حول القانون الذى اعتبرته بديهيا إلى ما سمته جدلا حول الهوية والدين فى المقاطعة «كيبيك» ذلك انه سبق ذلك القانون عدة محاولات لإصدار قانون الحيادية الدينية والذى يمنع استخدام أية رموز دينية بارزة فى الجهات والهيئات العامة ولكنها جميعا باءت بالفشل إلى أن نجحت الحكومة الليبرالية فى كيبيك فى استصدار القانون الجديد الذى رأى البعض انه يستهدف النساء المسلمات فقط. وهو ما نفته حكومة كيبيك جملة وتفصيلا وعلقت عليه وزيرة العدل بقولها: ان الأمر لا يقتصر على النساء أو مرتديات النقاب بل يمتد ليشمل أى شخص قد يرتدى نظارات شمسية كبيرة تخفى معالم الوجه أيضا. فى حين اكتفى رئيس وزراء الحكومة الكندية الفيدرالية جاستن ترودو بتعليق مقتضب حول القانون يؤكد فيه إن الحكومة الكندية غير معنية بما تختاره النساء لترتديه.لكن كل هذه الإيضاحات والتأكيدات على أن القانون لا يمس أو يستهدف أى فئة من فئات المجتمع الكندى ربما ليست كافية لإرضاء عدد كبير من المنظمات الإسلامية فى كندا التى صارت تستخدم القانون الجديد كذريعة للهجوم على الحكومة الكندية سواء فى مقاطعة كيبيك أو الحكومة الفيدرالية الكندية ربما فى محاولة للضغط من أجل الحصول على بعض المكاسب والمميزات من جديد كما حدث من قبل فى قبول مذكرة الإسلاموفوبيا التى تمت إجازتها فى البرلمان الكندى قبل فترة. والحقيقة أن هذه المحاولات مستمرة من قبل مجموعات الإسلاميين هنا فى كندا ومنذ سنوات طويلة، فربما تكون مفاجأة للقارئ أن هناك بعض الاسلاميين بذلوا جهداً كبيراً لمحاولة تطبيق الشريعة الإسلامية فى مقاطعة أونتاريو الكندية عام 2005 ، المفاجأة الأكبر أنهم كادوا أن ينجحوا لولا تصدى قطاعات واسعة من نساء مسلمات، وعدد من المنظمات الإسلامية ، ولولا الإنزعاج الشديد من قبل الكثير من المنظمات الحقوقية المعنية بحقوق الإنسان، وهو ما تم ترجمته فى احتجاجات وتظاهرات وصلت الى مكتب رئيس وزراء المقاطعةانذاك دالتون مكجوينتى . وانتهى الأمر إلى إلغاء القانون الذى يتيح للأقليات الدينية كلها تأسيس ما يشبه محاكم خاصة فيما يمكن أن نسميه الأحوال الشخصية. الأمر يعود إلى عام حين اصدر برلمان المقاطعة قانوناً يتيح الرجوع الى لجان دينية اطلقوا عليها «التحكيم القائم على الإيمان» فى المنازعات ذات الطابع العائلى وذلك برضاء اطراف النزاع وإذا ارتضوها فيكون حكمها ملزماً لهم . أى استخدام القيم العامة للأديان لتسوية النزاعات العائلية مثل الطلاق والحضانة والميراث. كان الهدف وقتها هو التخفيف على المحاكم التى تراكم فيها الكثير من القضايا وتعطلت مصالح المواطنين. إذن فهذا القانون قديم ، فما الذى دفع بعض الإسلاميين الى المناداة بتطبيقه فى ذلك الوقت؟ السبب الأول هو زيادة أعداد المسلمين فى مقاطعة اونتاريو ( المقاطعة الأكبر من حيث عدد السكان فى كندا حوالى 13 مليونا تقريباً يشكل المسلمون حوالى 3% تقريبا من إجمالى عدد السكان، اغلبيتهم من السنة ، واغلبهم من باكستان وبنجلاديش مما شجع على السعى إلى تطبيق الشريعة. السبب الثانى هو أن حكومة المقاطعة وقتها كان يترأسها الحزب الليبرالي، وهو الحزب المعروف بتسامحه الشديد مع الأقليات العرقية والدينية فى كندا وتشجيعه لها لكى تحافظ على دينها ولغتها وثقافتها .. إلخ. السبب الثالث هو إصدار المدعى العام الأسبق «ماريون بويد» فى 2004 تقريراً أوصى فيه باستمرار «التحكيم بالإيمان»، وقد عملت به الأقليات الدينية منذ صدور القانون عام 1991 وكانت تجربة ناجحة . لكن المدعى العام حذر فى ذات الوقت من أن يكون التحكيم الدينى للمسلمين بداية عملية لهوية سياسية منفصلة لهم . وأن هذا الخطر فى رأى المدعى العام لا ينطبق على المجموعات الدينية الأخرى التى أسست لجانها الخاصة للتحكيم الديني. والسبب أن باقى الأقليات مثل المسيحيين واليهود لا يعتبرون ان هويتهم الدينية لها علاقة بانتماءاتهم السياسية. أما الإسلام فهو قابل لأن يكون لأصحابه طموح سياسى ومن ثم هوية مختلفة ومتناقضة مع باقى الأديان هنا فى كندا. هنا بالضبط قرر محامى كندى مسلم من اصل باكستانى اسمه ممتاز على المطالبة بتشكيل «لجنة التحكيم بالإيمان» عبر المعهد الإسلامى ( منظمة إسلامية ) للبدء فى تطبيق الشريعة على المسلمين السنة فى المقاطعة مثلما تطبقه باقى الأقليات الدينية طوال 13 عاما. وانتشرت فى وسائل الصحافة والإعلام أن السماح بهذه اللجان الإسلامية، يعنى أولاً السماح للرجل بالزواج من اربع نساء معاً. والتفرقة بين الرجل والمرأة فى الميراث وحضانة الأطفال. وحرمان المرأة من حقها فى الطلاق وقطع يد السارق ورجم الزاني.. الخ. مما أثار الكثير من المخاوف فى المجتمع ونظمت الأحتجاجات والمظاهرات للاحتجاج على أن تأسيس هذه اللجنة يتناقض مع القيم الكندية التى تؤمن بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ، بل وفى القوانين الكندية هناك تفضيل للمرأة على الرجل فيما يتعلق بحضانة الأطفال والأحوال الشخصية . وأمام هذه الحملة العاتية اعلن المحامى ممتاز على ان المرأة ستكون ممثلة فى هذه اللجنة. لكن هذا لم يقلل الهجوم والإحتجاجات. ولم تفلح محاولات شيوخ كثيرين فى وقفها أو التقليل منها بكلام مثل الذى قاله «مبين شيخ» عضو المنظمة الإسلامية الكندية وهو يحاول تبديد ما وصفه بأنه أساطير تروج حول الشريعة، قائلاً «ينبغى ألا يعتقدوا أن سلوك المتطرفين، والتفسيرات الجامدة للشريعة، هى الرأى السائد فى المجتمع الإسلامي”. وكان الرد عليه عنيفاً «ارجع إلى بلدك الذى جئت منه». انتهت المعركة بإلغاء القانون، وبالتالى إلغاء «التحكيم القائم على الإيمان» لكل الأديان وليس الإسلام وحده. وعاد الجميع إلى قانون موحد لكل مواطنى كندا. لم يستسلم الإسلاميون لهذه الهزيمة، فقد قال المحامى حسين الحمدانى إن منع تطبيق الشريعة الإسلامية فى أونتاريو مخالف للميثاق الكندى للحقوق والحريات، ومن ثم فستكون هناك طعون أمام المحكمة الدستورية العليا. لكن لم يذهب أحد منهم إلى المحكمة الدستورية ربما لانهم يعرفون أنها معركة خاسرة، حيث إن تطبيق الشريعة الذى أرادوه يتناقض بالكامل مع الدستور الكندى الذى يتأسس على المساواة المطلقة بين كل المواطنين ، ويتأسس على أنه لا دين للدولة رغم أن الأغلبية مسيحيون ، ورغم أنه يحترم الأقليات ، بل ويميزها أحياناً ، فلن يسمح أبداً أن يطبق قانون يتناقض مع ما يسمونه هنا بفخر « القيم الكندية» .