ننتقد نظام التعليم لأنه لم يعد يعلم أطفالنا لغتهم بشكل صحيح، وننتقد المدارس الأجنبية لإنها لا تعلم أطفالنا الذين يدرسون فيها لغتهم الحقيقية؛ ولكن كان يجب النظر فى إتجاه آخر لندرك ان مشكلة اللغة العربية لا تكمن فى المدارس فحسب، ولكن فى القطاع الاساسى الذى يعتبر من أهم القطاعات التى تنقل الثقافة الى الغالبية العظمى من الشعب، وهو قطاع الصحافة والاعلام. قد تبرر المدارس العربية والأجنبية إهمالها لتعليم اللغة العربية لتلاميذها بأنها جزء من منظومة تعليمية غير سوية؛ ولكن ليس هناك أى مبرر لأن تتفاقم مشكلة اللغة العربية الى هذا الحد المخيف فى هذا القطاع الثقافى بشكل خاص؛ ففى الاعلام يقدم الاعلاميون مادتهم فى قناوات مصرية، موجهة الى مشاهد مصرى لغته الأساسية هى العربية، وينتمى الى كل قطاعات وطبقات الشعب، ممن يعلم ومن لا يعلم التحدث بلغات أجنبية؛ ومع ذلك يحرص الإعلامى على استخدام كلمات وتعبيرات انجليزية فى حديثه فى برنامجه؛ ويحرص الصحفى او الأديب على أن تتخلل أحاديثه كلمات انجليزية عندما يكون ضيفا فى لقاءات منظمة. ويتكرر استخدامهم للمفردات الأجنبية فى الحديث الى حد يجعل الوضع كله مثيرا للامتعاض أولا ثم للانتقاد ثانيا، ثم للأسف أخيرا. إن كان هؤلاء يتصورون أنهم بهذا التصرف يبدون أكثر علما وثقافة من غيرهم من المشاهدين، فهم مخطئون؛ لأن الرسالة التى ينقلونها الى مشاهديهم ومستمعيهم هى فى الأساس رسالة عدم احترام. فهم بداية يعكسون من خلال اللجوء الى مفردات أجنية، عدم احترامهم للغتهم الاصلية، اللغة العربية، والاقلال من شأنها بين اللغات الأخري؛ وهم من ناحية أخرى يعكسون عدم احترامهم للمشاهد المصرى الذى لا يفهم تلك الكلمات أو التعبيرات الإنجليزية، مما قد يعطى المشاهد شعورا بالنقص، ويعطى الاعلامى شعورا بالتعالي. ولكن فى حقيقة الأمر فإن الرسالة التى ينقلها الاعلامى والصحفى عندما يستخدم مفردات أجنبية فى أحاديثه عبر القناوات المصرية، هى أن لديه فى داخله شعورا عميقا بعدم الثقة بالنفس وبعدم الاستقرار الداخلي، فيحاول تغطيتها بالتلفظ بكلمات قد تشعر من يشاهده ويستمع اليه بأنه ذات ثقافة أعلي. وفى نفس الوقت، يعكس هذا التذبذب فى اللغة تذبذبا مماثلا وتشويشا فى الذهن والتفكير. فالعقل يعمل بإبداع أكبر عندما يفكر بلغة واحدة تترجم لثقافة واحدة؛ ذلك ليس معناه عدم تعلم لغات أجنبية أخري، ولكن معناه أنه عندما نتحدث، فيجب أن نتحدث بلغة واحدة، ولا نخلط حديثنا بلغات أخري، لأن ذلك يؤثر على درجة الذكاء والابداع. إن لغتنا العربية ليست فقط هى من أقدم اللغات وتم اعتمادها كلغة رسمية سادسة فى الأممالمتحدة عام 1974ويتحدث بها أكثر من 400 مليون نسمة فى مختلف أنحاء العالم، ولكنها من أكثر اللغات ثراء وعمقا وجمالا؛ كما نشر بالعربية ملايين الكتب التى أثرت الفكر العالمى فى جميع المجالات العلمية والأدبية. ويجب علينا أن نفخر ونعتنى بها، لكى تعتنى هى بنا فى المقابل. لمزيد من مقالات ليلى حافظ