رأيت أن أنتهز فرصة الافتتاح المرحلى لعمل قومى على أساس برنامج زمنى طموح. لكى أؤكد لواضع هذا البرنامج أن يبنيه على أساس أن البعد المسافى بين العاصمة الإدارية الجديدة و القاهرة التقليدية تضمن توفير استقلالية كل منهما بمبانى العمل الحكومى و الخاص و خدماتهما الأساسية السكنية متلافيا الانتقال اليومى بين العاصمتين، الأمر الذى يحدث اليوم بين القاهرة التقليدية وضواحيها القريبة, إن العمل الجديد هو مرحلة مهمة فى تطور الحضارة المعمارية المصرية ومانورده اليوم هو الدور الحضارى للعاصمة الإدارية وبالذات العمل المعمارى المكتمل، منها وهو فندق الماسة باعتبار أنه قد يثير جدلا متوقعاً من الفنانين والمعماريين المصريين بين حداثيين ومحافظين. وفى البداية أقول إنه تطورطبيعى متوقع فى نسقه التاريخى، وكما قلت إننا قد نختلف فيه بين متطرفين عقلانيين ورومانتيكيين ولكنى أرى انه يجمع بين الاثنين وهو بذلك يمثل مرحلة النضج و التوازن العقلانى الوجدانى. لم يكن هذا الاتجاه مقبولا مهنيا فى خمسينيات القرن الماضى كانت تكنولوجيا المواد والإنشاء المعاصرهي المسيطرة، فأنتجت العمارة الحديثة وهى التى هاجمها معارضوها بأنها أنتجت علب كبريت. طغت عمارة ديكتاتورية معماريى الحداثة و انفرادهم بالقرار مهملين النواحى الإنسانية و العلاقات الاجتماعية و أذواق المستقبلين و عادتهم وثقافتهم فخرجت عمارة دولية من السويد الى موزمبيق لاتفرق بين القرية والمدينة وبين المصنع والجامع والكنيسة و المدرسة و الجامعة.كان هذا اعلانا بموت العمارة. المعاصرة بعد طغيان الغربة الاجتماعية على الألفة الأسرية وما نتج عنه من انتشار موجات إجرامية العالم تحقق أن التكنولوجيا دمرت حياته الاجتماعية و البيولوجية فاهتم بالرجوع إلى الوجدانية وإلى العمارة الشعبية والتى نادى بها عالميا المهندس المصرى المعماري.. حسن فتحى واتجه بها إلى التكنولوجيا المتوافقة مع المكان ومع المفهوم الحاكم ومع الايديولوجيا السياسية والتكنولوجية و الثقافية. التطور المعمارى يمر على مراحل حضارية من انتقالنا فى القرن العشرين من المادية العقلانية الى الرجوع إلى الوجدانية و الجمع بينها وبين التكنولوجيا العقلانية. رجعنا لإحياء الطراز التاريخى المحلى أو الدولى وإلى التطرف فى استعمالها تعبيريا ورمزيا أو اقتباسيا وذلك مراعاة للتوافق مع ماهو سائد فى مدننا التاريخية فأصبحت من الموجهات الجميلة للماضى من زخارف وتكسيات وتناقضات اختفت بعد مرحلة من تكنولوجيا البساطة و التجريد و التكتيل. مصممو العاصمة الإدارية راعوا هذا الاتجاه العالمى في مزج الوجدانية التاريخية مع التكنولوجيا في توازن ودون إفراط مضر بالذوق و النظام العام. رجع المصمم بوجدانية إلى الذوق والشكل العام و الزخارف ليتفق مع النظام العام و الأذواق والزخارف وأحياء منه للدولة الكلاسكية ليتفق مع الطابع العام لمبانى الفنادق العالمية كما انتهجها الخديو إسماعيل فى القاهرة الخديوية عندما استقبل ضيوفه من الأوروبيين في حفل افتتاح قناة السويس. وقد جمعت القاهرة الخديوية بين الكلاسكية والغوطية والإسلامية وتحولت القاهرة الى متحف معمارى عالمى توحد تنويعاته طاقة الإبداع و التفاصيل ورقى التنفيذ. هذه الأهداف أكسبت العاصمة الإدارية وفندق الماسة، بالذات رغم ضيق الوقت و معجزة التنفيذ السريع المتقن ميزةإثارة المناقشة بين مؤيد ومعارض. كما وقد جمع فندق الماسة بين وجدانية الطراز و تكنولوجيا التنفيذ والعمل الفنى الذى توسطه وهو نموذج الماسة وهذا الرمز جمع بين الماسه كمنتج طبيعى وتشكيل هندسى تكنولوجى ، وهى قاعة مطعم تقع وسط حديقة جميلة تحيط بها عمارة ثبت جمالها لقرون عديدة وهى العمارة الكلاسكية الغربية بعد تطويرها و التصرف بها لتناسب التكنولوجيا الحديثة فى الإنشاء و المواد . هذا العمل الذى ابتدأ فى العاصمة الإدارية سيستقبل وفودا من الاستشاريين و المفوضين وأعضاء البعثات السياسية و الثقافية وبعضهم كما حدث بالقاهرة الخديوية فى عهد الخديو إسماعيل سيرضى عنه لتنفيذه بالطراز النيو كلاسيك الذى تعودوا عليه و بعضهم سيفضل أن يقيم فى طراز محلى كطراز قاهرة المعز سعيا منه للتغيير والتجديد فى حياته وفى أجواءإقامته. وبين المراحل الثلاث وماسبقها من قاهرة الفسطاط و القطائع تكمن عبقرية الزمان والمكان وكيف تعبر الايديولوجيا السياسية والتكنولوجية و الثقافية عن نفسها فى تطور التاريخ الذى لايقف إلا إذا وقفت عقارب الساعة الأمر الذى لايحدث إلا إذا وقفت الأرض عن الدوران حول نفسها وحول شمسها ووقفت العمارة عند الكهف والكوخ و منزل الطوب اللبن. أستاذ العمارة-جامعة القاهرة لمزيد من مقالات د.على رأفت