حلم طموح لخديو حالم، كان هو طاقة الإبداع وراء تأسيس منطقة وسط البلد أو باريس الشرق، خططه المعمارى هاوسمان من واقع تجربته فى تخطيط باريس مدينة النور، وترجمه معماريون أوروبيون من شتى المدارس المعمارية الأوروبية فى خليط متجانس اسمه “قاهرة إسماعيل “ يقول د. ممدوح أبو رمضان أستاذ التاريخ الحديث والحضارة: يطلق لقب” القاهرة الخديوية على “ منطقة قلب القاهرة التى أنشئت فى فترة الخديو إسماعيل، لتكون أول مدينة مخططة عمرانياً بمحاكاة النظام الأوروبى فى إفريقيا والمنطقة العربية بأسرها.
وبدأت بافتتاح الخديو إسماعيل فى العام 1872 شارع محمد على بالقلعة بطول 2.5 كيلومتر، بين باب الحديد والقلعة على خط مستقيم وزينه على الجانبين بما يعرف بالبواكي، وفى العام نفسه افتتح كوبرى قصر النيل على نهر النيل بطول 406 أمتار، وكان يعد آنذاك من أجمل قناطر العالم، حيث زُين بتماثيل برونزية لأربعة من الأسود نحتت خصيصًا فى إيطاليا. كما افتتح أيضًا كوبرى أبو العلا على النيل على بعد كيلو متر تقريبًا من الجسر الأول، وصممه المهندس الفرنسى الشهير جوستاف إيفل، صاحب تصميم برج ايفل الشهير بباريس وتمثال الحرية بنيويورك.
بعدها افتتح إسماعيل شارع كلوت بك، كما افتتح دار الأوبرا المصرية عام 1875، ثم أنشأ السكك الحديدية وخطوط الترام لربط أحياء العتبة والعباسية وشبرا، وتم ردم البرك والمستنقعات لتغيير حدود المدينة، وقام بتحويل مجرى النيل حيث كان يمر ببولاق الدكرور وبمحاذاة شارع الدقى حاليًا، وتزامن ذلك مع تنفيذ شبكة المياه والصرف الصحى والإنارة ورصف شوارع القاهرة بالبلاط، وعمل أرصفة وأفاريز للمشاة، وقام بتخطيط الحدائق التى جلبت أشجارها من الصين والهند والسودان وأمريكا.
كما شيد إسماعيل القصور الملكية الفخمة الموقعة بأسماء مصممين معماريين من إيطالياوفرنسا وبلجيكا، مشترطاً عليهم أن يعلم كل خبير هندسى منهم أربعة مصريين فنون العمارة والتشييد، وكان فى مقدمة تلك القصور قصر محمد على باشا بحى شبرا، وقصر الجوهرة فى قلعة صلاح الدين الأيوبى وقصر النيل وقصر القبة.
وقد استعان الخديو إسماعيل فى تصميم عمارة القاهرة الخديوية بالمهندسين الأوروبيين من البلجيكيين والفرنسيين والألمان، فشيد كل منهم عمارته وفق المدرسة التى ينتمى إليها، لذا جاءت القاهرة الخديوية خليطا فريدا من الطراز الكلاسيكى وطراز النهضة المستحدثة وطراز الباروك والروكوكو والطراز القوطى الجديد،كما استخدمت العمارة الخديوية الأساطير اليونانية ووظفتها فى جماليات المبانى من الداخل والخارج، حتى أصبحت مبانى القاهرة الخديوية تحفة معمارية فريدة من نوعها فى مصر والمنطقة بأسرها.
ويقول مجدى شاكر، كبير الآثاريين بوزارة الآثار: كان محمد على باشا الذى تولى حكم البلاد عام 1805، أول من اهتم بالمناطق التاريخية، حيث عكف على تطوير قاهرة المعز وركز على تنمية الحرف والصناعات فى منطقة السبتية ببولاق. ثم أزال البرك والمستنقعات وأكوام القمامة وحولها إلى متنزهات. وأصدر فرمانا بتعمير الخرائب وأسس مجلسا مهمته تجميل القاهرة وتنظيفها وتوسعة الشوارع وترقيمها وإطلاق الأسماء عليها .وشيد عدة قصور ملكية صممها معماريون من إيطالياوفرنسا واشترط على كل معمارى منهم أن يعلم أربعة مصريين فنون العمارة والتشييد. وعندما تولى حفيده إسماعيل الحكم عام 1863، كانت القاهرة تمتد من القلعة لميدان العتبة. بينما كانت البرك والمستنقعات تغطى الأراضى الواقعة بين العتبة والنيل.
فى سنة 1867 زار إسماعيل باريس وانبهر بها، وطلب من المعمارى الفرنسى هاوسمان أن يخطط القاهرة، وأن يحضر معه جميع الفنانين والبستانيين الفرنسيين. وفى خلال ثلاث سنوات استطاع هذا الرجل ومعاونوه تحويل القاهرة لمدينة أطلق عليها آنذاك باريس الشرق، وأصبحت تضاهى أجمل عواصم العالم . ويقول شاكر، فى عام 1872 م افتتح إسماعيل شارع محمد على من باب الحديد للقلعة وزينه بالبواكى. ثم افتتح كوبرى قصر النيل بتماثيله الأربعة البرونزية التى نحتت فى إيطاليا، وكوبرى أبو العلا الذى صممه المعمارى الفرنسى جوستاف إيفل الذى صمم برج إيفل وتمثال الحرية الشهير بنيويورك. وكذلك شارع كلوت بك، ودار الأوبرا التى احترقت سنة 52 فى حريق القاهرة وأعيد ترميمها واحترقت تماما سنة 1971. ويوضح شاكر، بدأ إسماعيل بتجفيف بركة الفيل أولاً التى تحولت إلى منطقة الحلمية الجديدة، وبعد ذلك جاء الخديو عباس حلمى الثانى، الذى أنشأ خلال الفترة من عام 1898 إلى عام 1914 أشهر عمارات شارع عماد الدين التى صممها المهندس الإيطالى أنتويو لاشياك، وتتراوح مساحة الشقة فيها مابين ال 300 متر وال 500 متر . وفى سنة 2009 قامت مصر ممثلة فى وزارة الثقافة مع دولة إسبانيا بإطلاق مشروع لتطوير القاهرة الخديوية للاستفادة من تجربة إسبانيا فى تطوير المبانى التراثية بهدف تحويل منطقة وسط البلد لمنطقة جذب سياحى وعمرانى لعدد 421 مبنى داخل 700 فدان تحوى مبانى من نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين، وتجمع بين طرز معمارية كلاسيكية ونهضة وباروك وروكوكو، حيث أسهم فى تشييدها مهندسون من فرنسا وبلجيكا وألمانيا كل حسب مدرسته المعمارية .