بمناسبة بدء العام الدراسى الجديد 2017/2018م، أواصل الكتابة عن أزمة التعليم فى مصر. فقد بدأت الجامعات يوم 16 سبتمبر الجارى وهو بداية الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر وفقًا لما حدده القانون وهو شيء إيجابي، ولكن وفقًا لتقارير الرقابة الإدارية فإن المدن الجامعية لم تكن جاهزة فى معظم الجامعات الحكومية التى تزيد على العشرين. والسؤال هنا ماذا كان يفعل رؤساء الجامعات والنواب والعمداء، وتقديرهم لعنصر الوقت الذى إن لم تقطعه قطعك لأنه كالسيف؟! وهل بدأ العام الدراسى الجديد للجامعات ببرنامج زمنى للعام الدراسى كله، أم اكتفى فقط بضربة البداية وفقًا للقانون، والباقى متروك للظروف؟! ناهيكم عن جاهزية المدرجات والمرافق والصيانة المفقودة والنظافة الغائبة، وذلك فى غالبية الجامعات وفقًا للمعلومات المتوافرة عندي. ولن أتحدث عن مشكلات أخرى كالرواتب والمكافآت المخصصة للرسائل العلمية (الماجستير والدكتوراه) رغم ارتفاع رسوم الطلاب بشكل مفزع يهدد العملية التعليمية والوطن حاضرًا ومستقبلاً!! ولن أتحدث عن واقع جامعى منهار أساسًا، وأصبحت وظيفة التعليم الجامعى منح شهادات فقط!! أما الأخطر فهو مرحلة التعليم قبل الجامعى الذى هو مدخل العملية التعليمية الجامعية. فمن أسف أن كل وزير يأتى ومعه مشروع الثانوية العامة للفت الأنظار إليه، ولنرجع إلى منتصف السبعينيات وحتى الآن. حيث شهدت هذه الفترة تدميرًا للعملية التعليمية، ولعل صورة سطحية وشكلية أولاً تنبئ عن حجم المأساة. فالمدارس منوعة (مصرى - أجنبي)، (مدنى - دينى أزهري)، كذلك المدارس طبقية (مجانية إسمًا - غير مجانية تبدأ من 60 ألفا حتى 600 ألف جنيه سنويًا!!). لكن ما يهمنى هنا هو: كيف يمكن تغيير نظام الثانوية العامة بقرار وزارى دون أن يطرح على الرأى العام والمعنيين وبمشاركة مجتمعية؟! وكيف يتم إلغاء الشهادة الابتدائية دون نقاش وكأن الوزير أصبح هو الحكومة والدولة والقانون؟! إنه بالفعل لأمر عجيب للغاية!! ولذلك فإن ترك الأمور على هذا النحو بيد الوزير فقط ومجموعة من مستشاريه غير المعروفين للرأى العام، أمر خطير ومفزع للغاية. وقد كتبت عشرات المقالات حول التعليم وقد كشفت حقيقة مايحدث للتعليم والتخريب الممنهج وتنفيذ مقررات وتعليمات صندوق النقد والبنك الدولي، وقد كشفت ذلك أيضًا تحت قبة البرلمان عندما كنت نائبًا عن الشعب بالوثائق . وحقيقة المسألة أن أزمة التعليم فى المنهج والهدف. فماذا نريد من العملية التعليمية؟ وما هى منظومة القيم المطلوب غرسها؟ أى ما هو مضمون العملية التعليمية؟ فتغيير منظومة التعليم ليس فى نظام الثانوية العامة، بل فى المقررات الدراسية الواجب تعليم التلاميذ والطلاب مضمونها ومنظومة قيمها وفقًا لما نريده لأبنائنا ويريدونه أيضًا وفقًا لمستحدثات العصر. فاختيار الوزير لنظام الثانوية العامة على سنتين أيام حسين كامل بهاء الدين، قاد إلى انتشار الدروس الخصوصية بشكل مفزع، أليس هذا تدميرًا وفقًا لتقليد نظم أخرى مختلفة. وبالمنطق أليس فى تغيير نظام الثانوية إلى ثلاث سنوات على يد الوزير الحالي، وسيلة لزيادة الدروس الخصوصية التى استفحلت لدرجة أن الحكومة عاجزة عن السيطرة عليها أو حتى غلق مراكز تنظيمها المعروفة ب (السناتر)؟! وما هو الضمان لعدم زيادة الدروس، وعدم هجر التلاميذ لمدارسهم بل وكراهيتها؟! لذلك قاتلت فى مجلس الشعب (2005-2010م) من أجل عودة الثانوية العامة إلى السنة الواحدة، وقدمت مشروعًا متكاملاً، وتمت الموافقة عليه ولكنه لم ينفذ آنذاك. ويقوم هذا النظام على جعل الثانوية العامة سنة واحدة وعلى فصلين دراسيين (يناير، ويونيو)، وتقسيم المقررات الدراسية على جزءين، الأمر الذى يجبر الطالب على الانتظام فى المدرسة، والقضاء التدريجى على الدروس الخصوصية. ومن ثم فإن الأمر يحتاج إلى نقاش واسع دون تسرع من الوزير، بأن العام القادم سيتم التنفيذ، رغم أن الأمر يحتاج إلى تغيير القانون وليس مجرد قرار وزارى أو تعليمات أو أمنيات. ولكن حكومتنا تهتم بالشكل دون المضمون، بأن تهتم بالثانوية (سنة - سنتان - ثلاث) دون توضيح للأساس الفلسفى وتداعياته ومستلزماته وأسسه....... الخ ، أنقذوا التعليم بجد، وليس بمقترحات شكلية لا معنى لها هدفها إشغال الناس وزيادة قلقهم. لمزيد من مقالات د. جمال زهران