صوّت برلمان كردستان العراق الذى اجتمع للمرة الأولى منذ عامين لمصلحة إجراء استفتاء الاستقلال عن العراق، فى تحد واضح للحكومة المركزية فى بغداد، وللرفض الإقليمى والتحفظ الأمريكى حيال الاستفتاء المقرر إجراؤه فى 25 من سبتمبر الحالي. والأمر ليس وليد اليوم، بل هو تعبير عن مشكلات متراكمة موروثة، مما يحتم معرفة الخلفية السياسية والتاريخية لإقليم كردستان العراق، وهو ذلك الجزء الواقع فى حدود دولة العراق الذى تكون بعد الحرب العالمية الأولي، وتسكنه أغلبية كردية، ويعرف باسم كردستان الجنوبية، ومن الناحية الدستورية والقانونية يسمى إقليم كردستان. وتعنى كلمة كردستان حرفيا أرض الأكرد، وعاصمة الإقليم هى أربيل، ورئيس الإقليم الحالى هو مسعود بارزانى الذى انتخب فى بداية عام 2005، ويتمتع الإقليم بحكم ديمقراطى برلمانى مع وجود برلمان إقليمى يتكون من 111 مقعدًا. عرف الإقليم أولى دعاوى الانفصال فى شهر يناير من عام 1918 (أى قبل 100 سنة من الآن)، حيث طلب الشيخ محمود الحفيد من الحكومة الإنجليزية مساندته لإقامة حكومة كردستان الجنوبية، وتم إعلان تشكيلها فى عام 1922. وفى سنة 1929طالب الأكراد باستقلال المناطق الكردية حتى أنشئت جمهورية لهم بمساندة القائد قاضى محمد استمرت الى عام 1946. ثم بعد ذلك تنصلت حكومة عبد الكريم قاسم من وعدها تجاه إقامة دولة للأكراد، وقامت السلطات فى بغداد بمحاولات لإحباط فرص إقامة الدولة الكردية، فكان أن اشتعلت ثورة الكرد فى عام 1961، التى استمرت حتى عام 1970، وتعد أكبر ثورة مسلحة فى كردستان. وكان نتيجتها أن استطاعت الثورة برئاسة مصطفى بارزانى إجبار السلطة العراقية على التوقيع على اتفاقية مارس 1970، وهى المرة الاولى التى يعترف فيها بحق الأكراد فى الحكم الذاتى وإعلان منطقة الحكم الذاتى لكردستان، وقد استمر هذا الوضع حتى عام 1974. وعندما خرق حكام بغداد الاتفاقية وتجاهلوا وعودهم، وسمحوا حدود منطقة الحكم الذاتى بشكل انفرادى بدأت الثورة مرة أخرى. وبدأت الحكومة العراقية سياساتها ضد الأكراد فى فترة الحرب الإيرانية العراقية، مما فرض الحرب الأهلية كأمر واقع. ويد الأكراد إقليمهم يتكون من محافظات أربيل السليمانية وكركوك ودهوك، وجبال همرين هى الحدود الفاصلة بين إقليم كردستان والعراق، بينما ترفض بغداد تبعية كركوك للإقليم رفضا قاطعا. ويعتمد الاقتصاد فى إقليم كردستان على دخل النفط والزراعة والسياحة. وبعد سقوط نظام صدام حسين، وانتشار سلسلة أعمال العنف التى أعقبتها كانت ثلاث محافطات تابعة لسلطة حكومة اقليم كردستان، هى المحافظاتالعراقية الوحيدة التى وصفها الجيش الأمريكى بالآمنة. وبعد عملية تحرير العراق، بدأت فى إقليم كردستان عملية الانفتاح والتوسع الاقتصادى والتجارى والبناء والإعمار إلى جانب إيجاد الثقة لأصحاب رءوس الأموال. إذن فمطالبة الأكراد بالانفصال الآن لها خلفية تاريخية وسياسية يجب وضعها فى الاعتبار عند التأمل فى رغبتهم العارمة فى التوجه نحو الاستقلال والانفصال عن العراق الكبير الذى يواجه اليوم تحديات خطيرة تهدد وحدة شعبه وسلامة أراضيه، يبدو أن استفتاء كردستان إن بدأ لن يكون آخرها.