لم يكن يتخيل الأب، وهو يغلق أبواب ونوافذ سيارته على أطفاله الثلاثة، ذاهبا لشراء بعض الاحتياجات، أن يعود إليهم ليجدهم قد فارقوا الحياة مختنقين بسبب شدة حرارة الجو داخل السيارة.. هذه الحادثة الكئيبة التى نشرتها الصحف أخيرا لم تكن الحادثة الأولى من نوعها، فكل يوم تطالعنا الصحف عن حوادث غرق أطفال فى حمامات السباحة وعلى شوطئ البحر، وخطف الأطفال.. وتستقبل طوارئ المستشفيات يوميا حوادث للأطفال لا تعد ولا تحصي، حيث تشير الدراسات العلمية إلى أن 90% من حوادث الأطفال سواء داخل المنزل أو خارجه يرجع السبب فيها، الى إهمال ذويهم. السؤال: هل بات حتميا إصدار تشريع بتغليظ عقوبة الاستهتار والإهمال الذى أصبح أخطر من الإرهاب لأنه يهدد أمن وسلامة الأبناء والمجتمع؟ كيف يرى ذلك الخبراء المتخصصون وما هو العلاج والنصائح لمواجهته؟ د. آمنة نصير، أستاذة الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، وعضو مجلس النواب تقول: هل نحن فى حاجة لتشريع يغلظ عقوبة الأب والأم المهملين إذا كان التشريع الإلهى الذى فرضه عليهما ومسئوليتهماعن حماية ورعاية أبنائهم لا تفلح معهما.. هذا ابتلاء أصاب شرائح من المجتمع المصرى فى التعامل مع فلذات أكبادهم الذين يمشون على الأرض.. هل معانى الأبوة والمسئولية اختفت مع تطورات الحياة؟ بالفعل هناك كثير من الأطفال فى الشارع دون رقابة من الأهل، هذا السلوك يشجع المجرمين على سرقة الأطفال، وأدعو الأسرة إلى أن تكون ملمة بالأخطار التى قد تواجه أطفالها حتى تتجنب الحسرة والندم.. وأوجه اللوم أيضا للأم التى تترك ابنها المراهق بالساعات مع الكمبيوتر وهو يغلق باب حجرته حتى ترتاح من مسئولية متابعتها له، فهذا يعد من أخطر أنواع الإهمال فهى لا تدرى أنها تتركه لمخاطر الفضاء المفتوح.. نحن فى حاجة الى دراسة علمية وإلى استبيان لهذه الحالات فى المجتمع حتى نستطيع العلاج والتعامل معها من جانب مؤسسات الدولة.. د نجلاء راتب، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة بنها تقول: الإهمال ليس فقط من الأهل، فهناك إهمال عام يرتكبه أفراد يحتلون مواقع ووظائف عامة ويترتب على إهمالهم ضرر عام على عموم الناس، مثال سائقى النقل وما ينتج عن رعونتهم يوميا من سقوط آلاف القتلى والمصابين وذلك يتطلب إحكام الرقابة من قبل الدولة على مواقع خدمة الجمهور، وتشديد العقوبة الرادعة على المهملين.. أما الإهمال الخاص الذى ينتج عنه ضرر شخصى على مرتكبه فيرجع إلى الخلل فى التنشئة فهو لم يتعود منذ الصغر على تحمل المسئولية، وتقدير المواقف ويشب الرجل أو المرأة على اللامبالاة وعدم الإحساس بالحذر.. فماذا يمكن أن نفعل حيالهم سوى التوعية المستمرة من قبل الإعلام لخلق جيل جديد من الآباء والأمهات واع بأصول وقواعد التربية الصحيحة والإحساس بالمسئولية، وتوعية الأبناء وتدريبهم على التصرف الصحيح فى المواقف الصعبة التى يمكن التعرض لها. وتنصح صفا الفقى أخصائية الصحة النفسية الأسرة بقولها: الأبناء نعمة عظيمة من الله لا تقدر بثمن وواجب علينا عدم الإهمال أو التفريط فيها خاصة فى ظل المخاطر المنتشرة من حوادث الخطف والتحرش والناتجة عن التساهل واللامبالاة من جانب الوالدين، وهناك بعض الإرشادات والنصائح التى تهدف الى نجاة الأبناء من كابوس الإهمال منها: وجوب حرص الوالدين والاهتمام بتوعية أنفسهما بالقراءة ومشاهدة البرامج أو حضور الندوات الخاصة بذلك، والاهتمام بتعلم الإسعافات الأولية لمواجهة المخاطر التى يمكن أن يتعرض لها الطفل داخل المنزل او خارجه كالجرح والكسر والحروق أو الغرق وغيرها، تحمل مسئولية الطفل الرضيع والصغير دون إزاحة المهمة للجليسة، وتدريب الأكبر سنا على الاعتماد على نفسه ومساعدة إخوته الأصغر سنا على أداء متطلباتهم، عدم ترك الأولاد بمفردهم فى الأماكن العامة والمولات وحمامات السباحة أو فى السيارة أو البلكونة أو عند الاستحمام فى المنزل وغيرها دون أخذ إجراءات السلامة من تعليم وتدريب وتوجيه، الاختيار السليم للأشخاص الذين ينتظر معهم الأطفال وقت غياب الأم، الاهتمام بتوعية الطفل للمفاهيم التى تمثل خطورة عليه مثل التحرش الجنسى وسرقة الأطفال وتجارة الأعضاء، وكيفية التصرف تجاه تلك المخاطر بطرق تناسب سن الطفل، وقيام مؤسسات الدولة التعليمية والثقافية والدينية والإعلامية بدورها المهم لتوعية الشباب المقبل على الزواج وتعريفهم بمسئولية الزواج وتكوين أسرة وتربية الأبناء ومسئوليتهم تجاه أطفالهم.