لا يخلو تاريخ البشرية في كل وقت ومكان من افتراءات وأكاذيب بعضها قد تزول من هولها الجبال، وبعضها تافهة وساقطة من تلقاء نفسها ، وبعضها مغلف بالمكر والتلبيس فتبدو مقنعة في الوهلة الأولي ، لكن يزول غبارها وينفك سحرها بالنظر والتأمل والتدبر . والجامع والرابط الذي لا مراء فيه بين كل تلك الأكاذيب أنها تنطلق مما وصفه الله عز وجل بقوله : (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلي أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ )(الأنعام : 121) أي تخرج وتنبع من أصل أصيل هو لسان ابليس الرجيم ليجريها علي ألسنة أوليائه الطائعين العابدين المستسلمين له . والله عز وجل قد قيل عنه ما ليس فيه ، زعم اليهود أنه فقير :(لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ) " آل عمران : 181 " وزعموا أن خير الله مُمْسَك وعطاؤه محبوس عن الاتساع عليهم (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ) " المائدة - 64 " كما نسبوا لعظمته الشريك والزوجة والولد : ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالي عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَي يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) " الأنعام - 100 - 101 "وغير ذلك الكثير من افتراءات المشركين والكافرين . وإذا كان الله عز وجل قد طاله ما طاله من هذه الافتراءات وهو قادر علي منعها ،لكنه يصبر ويحلم ويعفو ، فليس بكبير ولا عجيب أن يقال عن الإسلام ما ليس فيه :( انتشر بالسيف - دين إرهاب - يظلم المرأة ) وعن الرسول صلي الله عليه وسلم ما هو منه براء: ( كاهن - شاعر -ساحر - مجنون - مزواج )، وعن القرآن ما يجل عنه ويعلو :( ليس كلام الله - محرف - أساطير الأولين - كلام بحيرا الراهب ) . وعلي هذا الدرب تم تحريف الكثير من المصطلحات ،فالجهاد في سبيل الله والدفاع عن الأرض والعرض والشرف :( إرهاب - انتحار - قلة عقل ) والرجوع لكتاب الله وسنة رسوله :( أصولية مقيتة - تحجر) والتمسك بما عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم :( رجعية ) والرشوة :( إكرامية ) والربا :( فائدة ) والموظف المرتشي: ( يفيد ويستفيد ) والملتزم بدينه :( معقد - من العصر الحجري ) والتبرج والخلاعة: ( موضة عصرية ) والتبجح والتطاول علي العلماء :( حرية شخصية ). وإذا كان كل ذلك كذلك، فليس بعجيب أن يقال عن المنتقبة المحتشمة العفيفة الملتزمه بالزي الذي يرضي رب العباد ما نسمعه ورأيناه من تشويه وافتراء وكذب وتضليل في المسلسلات وخاصة في رمضان الفائت ،وفي برامج التوك شو ، وأن يقال عن المتدين الملتزم بسنة النبي صلي الله عليه وسلم فيما يتعلق باللحية والزي والسمت وحب السنة وأهلها أنه شهواني ويحب الزواج . ولعل هذه الفرية الأخيرة هي أكبر دليل علي شرف صاحبها وعفته وصونه لأعراض النساء كل النساء وانصياعه لأمر ربه بغض البصر ، وأن غيره ممن يعيب عليه هو من يطلق بصره كالذئب الجائع ينهش لحوم النساء كل النساء في الطرقات وأماكن العمل والجيرة والمواصلات وغيرها . ولعل الفرية قديمة منذ أكثر من 800 عام ، ولذا نري الإمام القرطبي (ولد سنة 600هجرية ) صاحب كتاب التفسير المشهور"الجامع لأحكام القرآن"ينبري للدفاع عنها : ( إن كل من كان أتقى فشهوته أشد، لأن الذي لا يكون تقيا فإنما ينفرج بالنظر والمس، ألا ترى ما روى في حديث النبي صلي الله عليه وسلم:(العينان تزنيان وزناهما النظر واليدان تزنيان وزناهما البطش) "رواه مسلم".فإذا كان في النظر والمس نوع من قضاء الشهوة قلَّ الجماع، والمتقي لا ينظر ولا يمس فتكون الشهوة مجتمعة في نفسه فيكون أكثر جماعا.وقال أبو بكر الوراق:كل شهوة تقسي القلب إلا الجماع فإنه يصفي القلب، ولهذا كان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يفعلون ذلك."). [email protected] لمزيد من مقالات عبدالفتاح البطة;