تعليم الفيوم يحصد 5 مراكز متقدمة على مستوى الجمهورية فى المسابقة الثقافية    «مصادرة الآلة وإلغاء مادة الضبط».. إحالة 12 طالبًا ب«آداب وأعمال الإسكندرية» للتأديب بسبب الغش (صور)    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في أول أيام عمل البنوك    أسعار البيض والفراخ فى الأقصر اليوم الأحد 19 مايو 2024    الاحتلال الإسرائيلي يرتكب 9 مجازر في اليوم ال226 للعدوان على غزة    الدفاعات الجوية الروسية تدمر 61 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليلة الماضية    قبل زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا اليوم    اليوم.. الزمالك يسعى للفوز على نهضة بركان للتتويج بالكونفيدرالية للمرة الثانية في تاريخه    بعد نشرها على «شاومينج».. «التعليم» تكشف حقيقة تداول امتحان اللغة الأجنبية في الإسكندرية    مصرع 6 أشخاص وإصابة 13 آخرين في تصادم أتوبيس على الدائري بشبرا الخيمة    كشف تفاصيل صادمة في جريمة "طفل شبرا الخيمة": تورطه في تكليف سيدة بقتل ابنها وتنفيذ جرائم أخرى    الإثنين المقبل.. إذاعة الحوار الكامل لعادل أمام مع عمرو الليثي بمناسبة عيد ميلاده    دراسة طبية تكشف عن وجود مجموعة فرعية جديدة من متحورات كورونا    ترامب: فنزويلا ستصبح أكثر أمانًا من الولايات المتحدة قريبا    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 19 مايو    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    ماس كهربائي وراء حريق أكشاك الخضار بشبرا الخيمة    الأهلي ينشر صورا من وصول الفريق إلى مطار القاهرة بعد التعادل السلبي أمام الترجي    الفنان سامح يسري يحتفل بزفاف ابنته ليلى | صور    حظك اليوم وتوقعات برجك 19 مايو 2024.. مفاجأة للجوزاء ونصائح مهمة للسرطان    جانتس يطالب نتنياهو بالالتزام برؤية متفق عليها للصراع في غزة    تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    ظاهرة عالمية فنية اسمها ..عادل إمام    بأسعار مخفضة.. طرح سلع غذائية جديدة على البطاقات التموينية    انخفاض أسعار الفائدة في البنوك من %27 إلى 23%.. ما حقيقة الأمر؟    خبير اقتصادي: صفقة رأس الحكمة غيرت مسار الاقتصاد المصري    رامي جمال يتصدر تريند "يوتيوب" لهذا السبب    8 مصادر لتمويل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وفقًا للقانون (تعرف عليهم)    استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة خلال اقتحامها بلدة جنوب جنين    الخارجية الروسية: مستقبل العالم بأسرة تحدده زيارة بوتين للصين    القومي للبحوث يوجه 9 نصائح للحماية من الموجة الحارة.. تجنب التدخين    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    بوجه شاحب وصوت يملأه الانهيار. من كانت تقصد بسمة وهبة في البث المباشر عبر صفحتها الشخصية؟    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    إجراء من «كاف» ضد اثنين من لاعبي الأهلي عقب مباراة الترجي    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    مدافع الترجي: حظوظنا قائمة في التتويج بدوري أبطال أفريقيا أمام الأهلي    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    وزير روسي: التبادلات السياحية مع كوريا الشمالية تكتسب شعبية أكبر    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"عبدالرحيم علي" يكتب: حقيقة "آيات الجهاد" في القرآن
نشر في البوابة يوم 14 - 06 - 2016

شبهات وردود: الأفكار الإسلامية السامية التي عرضنا لها في الحلقات السابقة، قد تجد من يتصدى لها ويرفضها باسم الإسلام والحجة المعلنة أن كثيرًا من الآيات الواردة فيما سبق منسوخة ولا حجة في الاعتماد عليها، ولقد زعموا أن آيات سورة "التوبة" وخاصة آية "السيف"، قد نسخت ما نزل قبلها من آيات تحض على التسامح والتعايش المشترك.
إن القول بالنسخ مرض أصاب بعض المتكلمين في القرآن الكريم، وكان سبب بلاء شديد للأمة الإسلامية، ويمتد الداء إلى العصر الحديث، ويظهر شباب يتسمون بقلة العلم وضيق الصدر، يعلنون نسخ "لا إكراه في الدين" ونسخ "لا محاسنة في الدعوة"، ويؤكدون دون أن يدروا أن الإسلام دين بني على القهر والإجبار! ومن هنا وجب علينا قبل الولوج إلى قسم السنة وحرية الرأي والتعبير أن نبحث قليلًا في دعوى النسخ، وما اشتبه على البعض من آيات نزلت في معاملة خصوم الإسلام بقسوة إلى حد مقاتلتهم أحيانًا، لأسباب لا يختلف المشرعون قديمًا وحديثًا على وجاهتها، وعلى أنها لا تنافي الحرية الدينية في أرقى المجتمعات، "نظرات في القرآن.. محمد الغزالي ص 70".
أولًا: قضية النسخ
لقد احتج أنصار دعوى النسخ في إثبات دعواهم، بآيتين لا توجد ثالثة لهما في القرآن الكريم الأولى قول الله عز وجل: "وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"، "النحل 101"، والثانية قوله جل شأنه: "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ": "البقرة 106".
ففسروا الأولى بالقول: إذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكمًا آخر ربما هو أصلح للناس اتهم المشركون النبي بأنه مفترٍ، أي يختلق تلك الآيات من عنده، ويرد الشيخ محمد الغزالي إمام أهل السُنة في النصف الثاني من القرن العشرين بأن هذه التأويلات جميعها بعيدة عن الآية.
ويجزم بأن مشركي مكة لم يدر بخلدهم شيئًا من هذا الذي جعله بعض المفسرين سببًا لنزول الآية، وإنما هو تنزيل الآيات على آراء الفقهاء والمتكلمين وتحميل القرآن ما لا تتحمله آياته ولا ألفاظه من معانٍ ومذاهب وإنما الشرح الصحيح للآية: أن المشركين لم يقنعوا باعتبار القرآن معجزة تشهد لمحمد بصحة النبوة، وتطلعوا إلى خارق كوني من النوع الذي يصدر عن الأنبياء قديما، فهو في نظرهم الآية التي تخضع لها الأعناق، أما هذا القرآن فهو كلام ربما كان محمد يجيء به من عند نفسه، وربما كان يتعلمه من بعض أهل الكتاب الذين لهم بالتوراة والإنجيل دراية.. وقد رد الله- سبحانه وتعالى- على هذه الطعون بأنه أدرى من المشركين بنوع الإعجاز الذي يصلح للعالم حاضره وغده، وإن هذه الآية أجدى على البشر وأخلد في إنشاء الإيمان وتثبيته من آية أخرى، المصدر نفسه صفحة 72.
أما الآية الثانية فيقول الإمام محمد عبده في تفسيرها: إن المعنى الصحيح الذي يلتئم مع السياق أن الآية هنا هي ما يؤيد الله تعالى به الأنبياء من الدلائل على نبوتهم، أي ما ننسخ من آية نقيمها دليلًا على نبوة نبي من الأنبياء، أي نزيلها ونترك تأييد نبي آخر بها أو ننسها الناس لطول العهد بما جاء بها، فإننا بما لنا من القدرة الكاملة والتصرف في الملك، نأتي بخير منها من قوة الإقناع وإثبات النبوة أو مثلها في ذلك. ومن كان هذا شأنه في قدرته وسعة ملكه، فلا يتقيد بآية مخصوصة يمنحها جميع أنبيائه والآية في أصل اللغة هي: الدليل والحجة والعلامة على صحة الشيء، وسميت جمل القرآن آيات، لأنها بإعجازها حجج على صدق النبي ودلائل على أنه مؤيد فيها بالوحي من الله عز وجل من قبيل تسمية الخاص باسم العام، محمد عبده.. تفسير المنار الجزء الأول صفحة 417 طبعة دار الفكر.
وقد قدم الشيخ محمد الخضري في كتابه الرائع "أصول الفقه" تفسيرًا للآيات العشرين التي أوردها السيوطي في كتابه الاتقان في علوم القرآن على أنها منسوخة وأثبت الخضري بالدليل القاطع أنها غير منسوخة، محمد الخضري "أصول الفقه" صفحات 251 - 255.
آيات القتال
يرصد الدكتور أحمد صبحي منصور، حقيقة مهمة تؤكد أن علماء التراث في العصور الوسطى، قد تقاعسوا عن إعطاء آية الإذن بالقتال حقها من التدبر، لأن التدبر في معناها يعطى حقائق مسكوتًا عنها، فالآية تقول: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" الحج 39، فهي إذن وتصريح لكل من يتعرض للظلم والقتل، بأن يدافع عن نفسه بغض النظر عن عقيدته ودينه.، يكفى أن يكون مظلومًا، وأن يتعرض لاحتمال الإبادة بالقتل، حينئذ يأتيه نصر الله إذا قاتل دفاعًا عن حقه في الحياة، "أحمد صبحي منصور حول العلاقة بالآخر، مجلة الإنسان والتطور العدد رقم 60".
وقد غفل علماء التراث عن عمومية الآية في تشريعها الإلهى لكل مظلوم يفرض الآخرون عليه الحرب، وغفلوا عن معنى آخر أهم، وهو أن الإيذاء الذي أوقعه المشركون بالمؤمنين وصل إلى درجة القتل بل القتال، وحين يقاتل المشركون قومًا مسالمين، لا يردون عن أنفسهم القتل، فإن الإبادة لأولئك المستضعفين حتمية.
أي أن القرآن يشير إلى حقيقة تاريخية أغفلتها عنجهية الرواة في العصر العباسي.
وهي أن المشركين قاموا بغارات على المدينة، وحدث قتل وقتال للمسلمين وسكت المسلمون، لأن الإذن بالقتال لم يكن قد نزل. فلما نزل التشريع أصبح من حقهم الدفاع عن النفس.
كما غفل علماء التراث أيضًا عن التدبر في الآية التالية لتشريع الإذن بالقتال.
فالآية تقول: "الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" الحج 40.
فالآية هنا تعطى سببًا في حيثيات الإذن بالقتال لرد العدوان. السبب الأول أن أولئك المظلومين تعرضوا للقتل والقتال، والسبب الثاني أنهم تعرضوا للطرد من بيوتهم ووطنهم، لمجرد أنهم يقولون ربنا الله وهذا ما أشار إليه علماء التراث، ولكنهم غفلوا بسبب التعصب الدينى في عصر الإمبراطورية العباسية في القرون الوسطي عن التدبر في الفقرة الثانية من الآية، والتي تؤكد أنه لولا حق المظلوم في الدفاع عن نفسه، لتهدمت بيوت العبادة للنصارى واليهود والمسلمين وغيرهم، حيث يذكر العابدون فيها اسم الله كثيرا.
الأهمية القصوى هنا في تأكيد القرآن حصانة بيوت العبادة لليهود والنصارى والمسلمين، حيث ذكر الصوامع والبيع والصلوات، أي كل ما يعتكف فيه الناس للعبادة من أديرة وكنائس وغيرهما، ثم جاء بالمساجد في النهاية. وقال عن الجميع إنهم يذكرون فيها اسم الله كثيرا. ولم يقل طبقا لعقيدة الإسلام في الألوهية يذكر فيها اسم الله وحده حتى يجعل لكل بيوت العبادة الخاصة بكل الملل والنحل حصانة من الاعتداء.
والأهمية القصوى هنا أيضًا أن تشريع الإذن بالقتال، ليس فقط لرد الاعتداء، ولكن أيضا لتقرير حرية العبادة لكل إنسان في بيت العبادة. مهما كانت عقيدته أو الطريقة التي يتعبد بها إلى الله. فلكل إنسان الحق في أن يتعبد لله، ويقيم بيوتًا خاصة بهذه العبادة، ولا بد أن تكون هذه البيوت واحة آمنة تتمتع هي ومن فيها بالأمن والسلام، وتلك هي حقيقة الإسلام التي غفل عنها علماء التراث.
وكان منتظرًا من المؤمنين المسالمين حول النبى، أن يبتهجوا بتشريع الإذن لهم برد الاعتداء والدفاع عن النفس، ولكن حدث العكس، إذ إنهم تعودوا الصبر السلبى، وتحمل الأذي، لذلك كرهوا التشريع الجهادى برد الاعتداء وغفلوا أنه ضرورى لحمايتهم من خطر الإبادة.
لأنه إذا عرف العدو أنهم لن يسكتوا، فسيتوقف عن الاعتداء عليهم وبذلك يتم حقن الدماء.
وفى ذلك يقول تعالى للمؤمنين: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" البقرة 216. لقد كرهوا القتال دفاعًا عن النفس، وهو خير لهم وأحبوا الاستكانة والخضوع لمن يحاربهم وهو شر لهم. والسبب أنهم تعودوا السلام والصبر إلى درجة تمثل خطرًا على وجودهم ودينهم.
إلا أن هذا التوضيح القرآني للمؤمنين المسالمين، لم يكن كافيًا لبعضهم لكي يخرجهم من حالة الخضوع إلى حالة الاستعداد لرد العدوان، ولذلك فإن فريقًا منهم احتج على تشريع القتال، ورفع صوته لله بالدعاء طالبًا تأجيل هذا التشريع، وفى ذلك يقول تعالي: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا" النساء 77.
كانوا في مكة مأمورون بكف اليد عن الدفاع عن النفس، اكتفاء بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فلما فرض عليهم القتال الدفاعى، احتج فريق منهم وطلبوا التأجيل.. وهذا يدل على عمق شعورهم بالمسالمة وكراهية الدماء.
تشريعات الجهاد
من خلال الإطار السابق، نستطيع أن نتفهم تشريعات الجهاد أو القتال في الإسلام.
والجهاد في مصطلح القرآن يعنى النضال، ابتغاء مرضاة الله بالنفس والمال، وقد يكون ذلك بالدعوة السلمية بمجرد قراءة القرآن كقوله تعالى عن القرآن: "فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا" الفرقان 52. وقد يكون الجهاد قتالًا، للدفاع عن النفس، وهنا تتولى تشريعات القرآن وضع أحكامه وقواعده وأهدافه أو مقاصده.
وعمومًا فالأحكام في التشريعات القرآنية، هي أوامر تدور في إطار قواعد تشريعية وهذه القواعد التشريعية لها مقاصد أو أهداف أو غايات عامة. فالأمر بالقتال له قاعدة تشريعية، وهو أن يكون القتال للدفاع عن النفس، ورد الاعتداء بمثله أو بتعبير القرآن في سبيل الله، ثم يكون الهدف النهائى للقتال، هو تقرير الحرية الدينية، ومنع الاضطهاد في الدين كى يختار كل إنسان ما يشاء من عقيدة، وهو يعيش في سلام وأمان حتى يكون مسئولًا عن اختياره أمام الله تعالى يوم القيامة.
أمثلة على ما سقناه
يقول تعالي: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" البقرة 190. فالأمر هنا قاتلوا والقاعدة التشريعية هي "وَلَا تَعْتَدُوا ۚ" وتتكرر القاعدة التشريعية في قوله تعالي: "الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" البقرة 194. أما المقصد أو الغاية التشريعية، فهى في قوله تعالي: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ" البقرة 193. أي أن منع الفتنة هو الهدف الأساسي من تشريع القتال. والفتنة في مصطلح القرآن هي الإكراه في الدين والاضطهاد الديني، وهذا ما كان يفعله المشركون في مكة ضد المسلمين.
وبتقرير الحرية الدينية ومنع الفتنة أو الاضطهاد الدينى، يكون الدين كله لله تعالي، يحكم فيه وحده يوم القيامة، دون أن يغتصب أحدهم سلطة الله في محاكم التفتيش واضطهاد المخالفين في الرأي، وذلك معنى قوله تعالي: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" الأنفال 39.
والواضح أن هذه التشريعات عن القتال في الإسلام، تؤكد السلام وتحميه من دعاة العدوان، وتؤكد حرية العقيدة وتفويض الأمر فيها لله تعالى يوم القيامة، وتحميها من دعاة التعصب والتطرف وإكراه الآخرين في عقائدهم واختياراتهم.
ومع وضوح الصلة بين مفهوم الإسلام والإيمان وتشريعات القتال، إلا أن تشريعات القرآن، جاءت بتأكيدات أخرى حتى تقطع الطريق على كل من يتلاعب بتشريعات القرآن ومفاهيمه.
ونعطى لذلك مثالًا ساطعًا في سورة النساء، وهى تتحدث عن حرمة قتل إنسان مسالم مؤمن الجانب تقول الآية: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا" النساء 92. أي لا يمكن أن يقتل مؤمن مسالم مؤمنًا مسالمًا، إلا على سبيل الخطأ أو بمعنى آخر، لا يمكن أن يتعمد المؤمن المسالم قتل مؤمن مسالم آخر. ثم تتحدث الآية عن الدية المفروضة وأحكامها.
وتتحدث الآية: "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"، النساء 93، عن عقوبة قتل المؤمن المسالم فتقول: فالذي يقتل مؤمنًا مسالمًا، جزاؤه الخلود في جهنم مع العذاب العظيم، ولعنة الله وغضبه وهي عقوبات فريدة قلما تجتمع فوق رأس أحد من الناس يوم القيامة.
وتتحدث الآية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" النساء 94. عن ذلك المؤمن المسالم الذي تحرص تشريعات القرآن على حقه في الحياة يقول تعالي: أي في جريمة قتل إنسان مسالم شاء سوء حظه أن يوجد في الميدان ويعطي القرآن مسوغ نجاة لكل إنسان في الجهة المعادية، بمجرد أن يقول السلام عليكم، فإذا قالها حقن دمه وأصبح مؤمنا مسالما حتى في ذلك الوقت العصيب، أي أن المسلم المسالم المؤمن هو من يقول السلام حتى في الساعة الحرب.. وإذا تعرض للقتل فإن قاتله يستحق الخلود في النار والعذاب العظيم ولعنة الله وغضبه.
أما إذا كان محاربًا يقتل المسلمين في الحرب، ثم بدا له أن يراجع نفسه، فما عليه إلا أن يعلن الاستجارة، وحينئذ تؤمن حياته أو يعطى الأمان ويسمعونه القرآن، حتى يكون سماعه للقرآن حجة عليه يوم القيامة، ثم على المسلمين إيصاله إلى بيته في أمن وسلام. وذلك معنى قوله تعالي: "وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ" التوبة 6.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.