أبدع الفرنسى زين الدين زيدان مدرب نادى ريال مدريد الإسباني، فى الجولة الثانية من الكلاسيكو أمام برشلونة الأسبوع الفائت، وأمتعنا، بحرفية ومهارة فائقة، بوجبة كروية دسمة أفاض أهل الاختصاص والخبرة فى شرح تفاصيلها، المباراة الممتعة قدمت 3 مفاتيح للنجاح والتفوق الأكيد لفرق كرة القدم وأيضا لمهندسى القفزات الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة. المفاتيح الثلاثة، هى العمل الجماعي، والاستعانة بالشباب والثقة فيهم وبقدرتهم على الانجاز غير المحدود، ثم الغياب التام للعشوائية، فلاعبو ريال مدريد كانوا مثالا رائعا للتلاحم والتكاتف، فغابت عن صفوفهم الانانية والاستهتار والاستعراض الفارغ من المضمون، وظهروا كوحدة مترابطة يقوم كل طرف فيها بمهمته على أفضل وجه، وأمتعونا بهدفين بدت من خلالهما مهاراتهم الفذة، وأنجزوا ما أنجزوه وهم مؤمنون بأفضلية العمل الجماعي، حتى لو كان نجمهم المحبوب رونالدو غائبا، فروح الفريق كانت حاضرة بقوة وغاب الإحساس الطاغى بالفردية. بينما ساد الارتباك والتخبط منافسه برشلونة الذى تاه فى الملعب، لأن لاعبيه ألقوا بثقلهم كله على زميلهم ميسي، فكانوا يبحثون عنه كلما تسلم أحدهم الكرة، فهو فى نظرهم القادر على إنقاذهم ورد اعتبارهم المهدر، عقب هزيمتهم الثقيلة فى المباراة الأولي، من ناحيتى لا أشكك فى قيمة ميسى وكونه علامة فارقة فى تاريخ الساحرة المستديرة، لكنه بمفرده لن يتمكن من ترجيح كفة فريقه مادام أقرانه لا يعملون بمنطق الجماعة، لذلك شاهدناهم مبعثرين غير قادرين على القيام بهجمة متكاملة، وتهديد شباك الريال. كفاءات الفريق الملكى الفردية انصهرت فى بوتقة الجماعة، وعثرت على من ينميها ويصقلها، فالكفاءة هى الحاكمة والمقدمة على ما عداها ولا ريب فى ذلك، فى حين مازلنا نشاهد بيننا اناسا لا هم ولا شاغل لهم سوى إعاقة الكفاءات ومحاربتها. هذه الطائفة الكارهة والحاقدة للكفاءات والمبدعين تكون عبئا على الحاضر والمستقبل، لأنها تخاصم مفهوم العمل الجماعي، وتتفرغ لتعطيل دولاب العمل لأغراض شخصية محضة. اما مفتاح النجاح الثانى والخاص بالشباب، فان زيدان بنى خطته على الدفع ببعض اللاعبين الشباب الذين وثق فيهم وفى امكاناتهم، وأعدهم إعدادا جيدا يليق بتاريخ واسم ناديه، وكانوا عند حسن الظن بهم، رأينا قناعة بالمبدأ الاعتماد على الشباب وتطبيقات عملية له، وهو ما نرنو إليه فى بلادنا، والرئيس عبد الفتاح السيسى لا يفوت فرصة ولا مناسبة الا ويبدى فيها عنايته لأقصى حد باستغلال الطاقات الشبابية، وهو ما نأمل امتداده لكل المستويات فى أجهزة الدولة، نريد أن نثبت للشباب أنه مرحب بهم فى المناصب ،وأن يتم منحهم صلاحيات حقيقية وليست صورية واختبارهم فى موقع المسئولية، فان أجادوا فأهلا وسهلا، والوطن سيكون المستفيد الأكبر، وإن جانبهم التوفيق فلا بأس وسنوجههم لما فيه مصالحهم ومصالح البلاد. الشاهد فى كل هذا أن المجتمع عن بكرة أبيه سيكون منفتحا، ولديه الثقة الكاملة والكافية فى مقدرته على تصحيح ما يعترضه من أخطاء وهفوات، وامتلاكه الأدوات الكفيلة بتحقيق هذه الغاية، إن استيعاب الشباب يعد عاملا محوريا لا غنى عنه فى مسيرات وتجارب الاصلاح والتجديد والبناء، والمقصود منه ليس بأى حال من الاحوال ازاحة الخبرات والكفاءات الثقات من كبار السن والمخضرمين فى مختلف المجالات، فهؤلاء رصيد كبير شريطة توظيفه بالشكل الأمثل وفى المكان الملائم، ما أريد قوله أن تكون نظرتنا للأشخاص معتمدة على ما يمكنهم فعله وإنجازه، وليس صغر سنهم، وأن تزيد لدينا جرعة المغامرة المحسوبة، ووضع الشباب أمام مسئولياتهم، حتى لا يستغل البعض حنقهم وغضبهم على تجاهلهم وعدم تمكينهم من العمل فى شحنهم وإحباطهم، وأن نجتهد لفتح منافذ وسبل غير حكومية يبرز فيها الشباب إبداعاتهم، والاستعانة بنماذج من شبابنا الواعى الذين لم ينتظروا قدوم الفرصة إليهم على طبق من فضة وصنعوا فرصتهم بأيديهم وبعرق جبينهم. الحلقة الثالثة والمكملة للحلقتين السابقتين، هى البعد عن العشوائية والفوضي، فجماهير الريال وبرشلونة شجعوا الفريقين بهدوء وانضباط، ولم تلمح شمروخا فى يد أحدهم، ولم تلق طوبة واحدة، ولم تفلت أعصاب الجهازين الفنى أو الادارى لبرشلونة الجريح واتجهوا لحكم المباراة يكيلون له اللكمات وما تيسر من الصفعات وانتقاء مفردات من قاموس الشتائم النابية مثلما فعل لاعبو الفيصلى الأردنى فى نهائى البطولة العربية فى برج العرب. فهناك احترام وانصياع تلقائى وطوعى للقواعد والقانون، ومن يشذ فلا يلومن إلا نفسه. وكلنا على يقين من أن العشوائية علة رهيبة ملتصقة بالجسد المصرى فى الشارع، والعمل، والرياضة، وأنها تؤخرنا عن دول دخلت معترك التحديث بعدنا بعقود وسبقتنا اليوم على مضماره، فى حين لا نزال محلك سر، ورغم علمنا بذلك لا نحيد عن العشوائية، فلنكف عن التناقض مع أنفسنا، ونقر بعشوائيتنا، فالاعتراف خطوة صحية على طريق علاجنا منها ،ومن توابعها الخطيرة. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي;