«2017» عام المرأة المصرية، اختاره رئيس الدولة تكريما منه للمرأة واعترافا بدورها فى الحفاظ ، ليس فقط على أسرتها الصغيرة، بل على استقرار المجتمع كله، ومع هذا فمازال المجتمع المصرى «ذكوريا» ينظر للمرأة ككائن ضعيف فى المرتبة الثانية ، لا يحق لها أن تتساوى معه، أو تكون لها وجهة نظر مختلفة، فالرجل الشرقى يريد امرأة ضعيفة مقهورة مطيعة، واذا ما كانت عكس ذلك فإنه يصفها ب «العدوانية»، ومن هذا المنطلق تتعرض النساء للقهر والعنف فى البيت والشارع والعمل والمواصلات، أيا كانت أشكال هذا العنف وصوره ومن يمارسه، وإقرارا للواقع فإن العنف ضد المرأة ليس مقصورا على المجتمع المصرى، بل هو موجود فى الكثير من المجتمعات حتى الغربية منها، ولكن تتفاوت حدته من مجتمع لآخر. فما أسباب هذا العنف ونتائجه؟ وما دور مؤسسات المجتمع فى مواجهته والحد من انتشاره؟ قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتعريف العنف ضد المرأة بأنه «اعتداء مبنى على أساس الجنس أو غيره سواء كان اعتداء بدنيا أو نفسيا أو ممارسة ضغط عليها أو حرمانها من ممارسة حقها فى الحياة العامة أو الخاصة مثلا»، وهناك اعلان عالمى لمناهضة كل اشكال العنف ضد النساء صادر عام 1993 . واذا كانت المنظمات الدولية معنية بهذا الموضوع، فإن الحكومات فى معظم دول العالم تقف ضد هذا السلوك العدوانى الموجه ضد المرأة الذى أصبح ظاهرة اجتماعية منتشرة خاصة فى الدول العربية رغم أن الدين الإسلامى يكرم المرأة ويرفض اضطهادها ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أوصى بها خيرا . عنف فى المجتمعات الغربية أظهرت الاحصاءات ان المرأة تمثل 95% من ضحايا العنف فى فرنسا و60 % فى كندا، وتبين أن 8 من كل 10 نساء فى الهند ضحايا لعنف الرجل، و70% من الجرائم فى بيرو عنف ضد النساء، و60% من نساء تركيا فوق سن 15 عاما تعرضن للعنف، وبشكل عام، فإن 35% من نساء العالم وقعن ضحايا عنف . ومن أسباب تفشى هذا السلوك وتحوله إلى ظاهرة هو سكوت المرأة وقبولها للعنف، والاسباب عديدة منها - أحيانا - وجود فروق ثقافية بينها و بين الرجل، ونظام تربية فى مجتمع ذكورى يميز بين الذكر والانثى، ووجود قوانين فى بعض المجتمعات لا تنصف المرأة عندما تتعرض للعنف . ورغم ان المجتمعات طالبت بالمساواة لكن مازالت هناك تفرقة وتمييز وسلوك عدوانى بأشكال مختلفة بين عنف جسدى بالضرب والأذى، وعنف جنسى، وعنف نفسى مثل الحط من شأنها وتعريضها للخوف والقهر والظلم والابتزاز والتهديد والتحرش، وهناك عنف لفظى مثل سماعها ألفاظا خادشة للحياء ومضايقات فى الشارع والعمل والمواصلات والمنزل، وعنف قانونى يميز الرجل عنها مثل قوانين ما بعد الطلاق وحقوق أطفالها، وعنف مادى يتمثل فى سلب أموالها عنوة أو عدم توفير متطلباتها الاساسية من جانب الزوج اذا كانت لاتعمل . وهناك آثار عديدة مترتبة على العنف الموجه ضد المرأة قد تصل للقتل أو الانتحار أو الاضطرابات النفسية والاجتماعية والصحية والاقتصادية، فأسرة يمارس فيها الزوج العنف ضد زوجته وتصبح أسرة مفككة تنبت أطفال غير أسوياء يخرجون للمجتمع وهم يعانون عقدا نفسية . ولذلك انطلقت حملة «التاء المربوطة .. سر قوتك» من جانب المجلس القومى للمرأة لمناهضة العنف ضدها وتمت الاستعانة بشخصيات نسائية ناجحة على مستوى العالم يشغلن مراكز قيادية لإثبات أن تمكين المرأة ليس مجرد شعار بل واقع واستراتيجية وطنية لمواجهة كل اشكال العنف ضد النساء وهى استراتيجية اطلقها المجلس القومى للمرأة 2015 2020 وتتم مراجعتها دوريا للوقوف على ما تم تنفيذه بالمشاركة مع اجهزة الدولة ومؤسساتها. كما خصص المجلس غرفة عمليات تعمل على مدى الساعة لتلقى شكاوى العنف والتحرش ضد المرأة من خلال خط ساخن - قمت بالاتصال به وتم بالفعل الرد - ورقمه ( 15115 ) يقدم استشارات قانونية ودعما قانونيا لها . مراكز لاستقبال المرأة المعنفة وزارة التضامن لها دور فى هذا الأمر يتمثل فى وجود 8 مراكز فى محافظاتالقاهرة والجيزة والفيوم وبنى سويف والمنيا والإسكندرية والدقهلية والقليوبية لاستقبال المرأة وحمايتها من العنف واستضافتها، وعن ذلك تقول منال محمد حنفى، مدير عام الادارة العامة للمرأة بوزارة التضامن،: أى سيدة تتعرض لعنف أيا كان نوعه تلجأ لأحد هذه المراكز وتستقبلها اخصائية نفسية واجتماعية تستمع لها وتتعرف على ظروفها ويكون معها الأوراق الرسمية التى تثبت صحة كلامها ونستضيفها فى البداية 3 أيام سواء فتاة أو سيدة قبل ان نتحدث معها، ولو كان معها أولادها تتم استضافتهم أيضا بشرط ألا يزيد عمر ابنها «الذكر» على 10 سنوات وفقا لشروط اللائحة. وهناك لجنة محلية واخرى مركزية، الاولى بعد مناقشة الحالة اذا ثبت انها بحاجة للاستضافة واعادة التأهيل تتم اعاشتها اعاشة كاملة مجانا ثلاثة اشهر، وبعدها اذا تطلب الامر تجديد الاستضافة ثلاثة اشهر اضافية يكون ذلك بقرار من اللجنة المحلية، لكن لو احتاج الامر لاستضافة اكثر من الأشهر الستة يكون القرار للجنة المركزية . وتضيف منال حنفى: اذا كانت السيدة المعنفة لا تعمل وليس لها دخل أو مكان ايواء تتم استضافتها مجانا، اما اذا كانت تعمل فنحصل على ربع راتبها نظير الاقامة الكاملة والخدمات، وهناك من لا تحتاج لاقامة بل مشورة قانونية فقط. ولا نكتفى بمجرد الايواء والاقامة بل نعمل خلال فترة استضافتها على حل مشكلتها سواء مع اسرتها او زوجها او تمكينها او تعليمها حرفة او مساعدتها فى تسويق أى منتج يوفر لها دخلا، باختصار حل مشكلتها خلال فترة الاقامة، بالاضافة لدور وقاية استباقى لحل المشكلة من جذورها قبل وقوعها من خلال التوعية ، أى اننا نعمل فى خطين متوازيين: «وقائى وعلاجى» . تجيب مدير إدارة المرأة: هناك طرق عديدة للتعرف على هذه الخدمة من خلال اللقاءات الجماهيرية بالمحافظات وأقسام الشرطة والرائدات الريفيات والندوات والعناوين موجودة على شبكة الانترنت، وسوف نتوسع مستقبلا، وهذه المراكز موجودة منذ سنوات ويتم تطويرها الآن وكل مركز به غرفة استقبال وغرف نوم مجهزة والسيدة تختار الغرفة التى تريدها، فهناك من تريد ان تقيم بمفردها أو مع أخريات، وتوجد حمامات ومطبخ وقاعة للتجمع ومشاهدة التليفزيون، اى بيت كبير وكل مركز حسب تجهيزاته ..وهناك اقبال كبير والحمد لله على هذه المراكز ويتم حل مشكلة كل من تلجأ لنا، إذا كانت مشكلتها حقيقية . وترى الدكتورة هبة جمال الدين ( مستشارة واستاذة الاتصال الجماهيرى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية) أن المرأة زمان كان ينظر لها باحترام وينادى لها بلقب «هانم» والدليل الافلام القديمة، حيث يعامل الزوج زوجته بما طالبنا به الاسلام ، ونجد الابن يقبل يد أمه، فالمرأة تم تكريمها كزوجة وأم فى العصر الفرعونى والاسلامى وفى الأربعينيات والخمسينيات، لكن مع الانفتاح حدثت خلخلة فى منظومة القيم وفى نظرة المجتمع للمرأة، وأيضا فى الخطاب الدينى المغلوط الذى يتعامل مع المرأة على أنها «كائن ضعيف» أقل مكانة من الرجل، وإذا كانت تريد أن تتساوى معه لا بد أن تتحمل ما تتعرض له من إهانة ، فبعد أن كان الرجل يقوم لها لتجلس فى المواصلات اصبح يضايقها ويجلس ويتركها واقفة، وهناك إهدار قيمى للمرأة تتعرض له من المجتمع بأكمله وكأنه حالة عامة من الاساءة لها فى الدراما والاعلانات والاعلام ، وكل ذلك يظهر صورة سلبية عنها أو يثير قضايا توجد حالة حنق ضدها.. هذا الاعلام والاعلان يشكل صورة ذهنية سلبية لدى الرأى العام ينعكس على تعامله معها. وترى أن إعادة الاحترام للمرأة يبدأ بالتركيز على الخطاب الدينى والاعلام وتصويبهما والتعامل مع الزميلة والزوجة والأم كانسانة مثل الرجل لا تقل عنه مكانة وتفكيرا وفهما واستيعابا وأداء ، نحن بحاجة لاعادة نظر فى قيم المجتمع المصرى وأفكاره وعودة الاحترام للمرأة فى البيت والشارع . وللأسف رغم التطور التكنولوجى لم يتم إنصاف المرأة بل مازالت تتعرض للانتهاك والاضطهاد وقد أجرت باحثة دراسة «عن أثر الفيسبوك على تمكين المرأة» واكتشفت وجود قطاع كبير من السيدات يدخلن وسائل التواصل بأسماء مستعارة خشية التعرض لمضايقات وكلام خارج ومعاكسات وتجاوز أخلاقى، وحتى من تدخل منهن بأسماء حقيقية تخشى من المشاركة والتعليق على ما يتم تداوله لاحتمال الاختلاف فى الرأى فتكون التعليقات والهجوم عليهن من منطلق هذه النظرة الدونية لهن ، ولذلك هن فى كل الأحوال لا يحصلن على حقهن فى مناقشة موضوعية عبر هذه الوسائل. ردة مجتمعية تقول الدكتورة رجاء عبدالودود، أستاذ الاجتماع المتفرغ بكلية الآداب جامعة المنيا،: العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية موجودة فى دول متقدمة وأخرى أقل تقدما، لكن فى الآونة الأخيرة زادت هذه الظاهرة فى المجتمع المصرى رغم أننا مجتمع دينى بطبعه، حيث إن هناك مجموعة عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية أدت الى تدهور أخلاقى فى المجتمع بصفة عامة بعدما كان للمرأة مكانتها، والدين الإسلامى ينصفها لكن حدثت ردة وانتكاسة أيام الإخوان بسبب نظرتهم الدونية لها.