بعد تكرار حوادث قطارات السكة الحديد، صار لدى البعض اعتقاد بأن الموت أصبح فى بلادنا «قضاء وقطار» ويؤسفنا أن تصبح الصورة الذهنية لواحدة من اعرق مرافق النقل فى العام وهى السكة الحديد فى (الحضيض)!. تعتبر هيئة السكة الحديد العمود الفقرى لنقل الركاب فى مصر حيث تنقل الهيئة حوالى 1.4 مليون راكب يومياً بمعدل 500 مليون راكب سنوياً، وفقا للموقع الإلكترونى للهيئة، ومن ثم لا يمكن ان يدارمرفق بهذه الأهمية بالاسلوب الحالى الذى يسفر عن حوادث متكررة وأعداد كبيرة من الضحايا، وأحدثها، اصطدام بين قطار قادم من القاهرة و آخر قادم من بورسعيد على خط القاهرةالإسكندرية يوم 11 اغسطس الجارى ،أسفر عن وفاة 42 وإصابة 133 شخصا. كل المؤشرات تؤكد أن هذا الحادث كان من السهل تلافيه، لأن القطار القادم من بورسعيد للإسكندرية، كان متوقفا بسبب عطل فنى بالقرب من محطة خورشيد، وهذا التوقيت كان موعد خط سير قطار 13 القادم من القاهرة ليصطدم به من الخلف، والمفترض ان هناك اشارات توضح للسائق أنه ثمة عطل يستوجب التوقف، او اتصال من الرقابة أو وسيلة ما تعلم السائق بحالة القطار المتوقف على نفس خط سيره. المؤسف أن هذه الحوادث باتت تتكرر بصورة مفجعة، فقد بلغ عدد حوادث القطارات خلال العام الماضى، وفقا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، 1249 حادثا بمعدل 5.4 حادث يوميا نتج عنها 164 مصابا و62 متوفى، أما جملة حوادث القطارات خلال السنوات الماضية، فلا توجد إحصائيات دقيقة عنها ولكن ما تنشره الصحف ومنها «الوفد» يشير الى أن نحو ستة آلاف مصرى قتلتهم القطارات خلال السنوات العشر الأخيرة كما أصيب أكثر من 21 ألف آخرين. ويبلغ متوسط عدد حوادث القطارات فى مصر حوالى 120 حادثة سنويا. لم تكذب هيئة السكة الحديد ذلك ولم تنشر على موقعها الاكترونى احصائيات عن حوادث القطارات، غير ان الارقام التى تنشر سنويا فى الصحف عن أعداد الضحايا كارثية ومنها على سبيل المثال مأساة قطار الصعيد عام 2002الذى أسفرعن 400 قتيل. فى اغلب الحوادث يتم تحميل المسئولية لعامل التحويلة أو سائق القطار، ولكن فى حادث الأسكندرية توفى السائق ولا توجد تحويلة، فظهر من يتحدث عن مسئولية الإشارات، حيث ان بعض الصنافورات الموجودة على خط سير هذا القطار مسروق وبعضها الآخر ملغى . الملاحظ انه فى معظم الاحوال يتم البحث عن خطأ بشرى لتفسير وربما لتبرير الحادث، وتتشكل لجان فنية ويزور مسئول ما موقع الحادث، ثم تنسى القضية باكملها الى ان يظهر حادث آخر فيتكرر السيناريو ذاته. أما فى الدول المتقدمة فالأمر مختلف فعندما اصطدم قطاران بلندن فى التسعينيات، اسفرعن 60 حالة وفاة، تحدد للوزير المسئول اجتماع برئيس الحكومة ليرفع تقريرا بالحادث والاجراءات فى تمام السادسة صباح اليوم التالي. الصحفيون الملازمون لمقر مجلس الوزراء أعلنوا لقنواتهم أن وزير النقل أبلغ بأن يأتى المقر لوضع استقالته فورا، ثم تأكد أن رئيس الوزراء رفض استقباله بعد اطلاعه على أسباب الحادث من مستشاريه، لتقديم إفادة بمجلس العموم فى الحادية عشرة صباحا يجيب فيها على استجوابات تضع مصير حكومته كلها فى يد البرلمان.. هكذا تكون المسئولية وطبعا لا وجه للمقارنة بين نسبة حوادث القطارات فى بريطانيا ومصر!. بعد أن اصبح الانسان يتحكم فى مسار الأقمار الصناعية خلال رحلاتها بالفضاء إلى الكواكب الاخرى، كيف لا يمكننا فى مصر التى تعد ثانى دولة بالعالم تدخلها السكة الحديد، التحكم فى مسار قطارات تسير فوق الارض؟ وهل يعقل فى عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ان تعلق أرواح نحو مليون ونصف المليون راكب يوميا فى رقبة عامل التحويلة أو سائق القطار؟ وماذا فعلت اللجان التى تشكلت عقب كل حادث سابق واين ذهبت توصياتها ؟. وهل من العدل ان ينحصر جزاء المتسبب فى موت عشرات الارواح وجرح مئات الضحايا فى مجرد وقف ادارى او السجن خمس سنوات (عقوبة القتل الخطأ) هذا اذا وصل الامر الى المسار القضائى اصلا؟. أليس نظام النقل بالسكة الحديد مثل اى نظام مماثل فى العالم يتضمن تشغيلا ومراقبة ومتابعة وإشراف وتواصل بين أطراف العملية وعناصرها بدءا من مكتب الوزير المسئول وحتى مكتب حجز التذاكر، ومرورا بسائق القطار والصيانة والمتابعة والمراقبة ومسئول الإشارة أو التحويلة ضمن شبكة متكاملة؟ . ولماذا لا تطبق التكنولوجيا الحديثة لمنع الأخطاء البشرية؟ واذا كانت تكلفة المشروعات الجديدة فى تطوير خطوط السكك الحديد بلغت 19 مليار جنيه بحسب د. هشام عرفات، وزير النقل، فلماذا لا يخصص جزء منها لتطوير الإشارات والتحويلات التى تتسبب فى غالبية الحوادث؟.. أسئلة مللنا تكرارها ويئسنا فى الحصول على إجابة شافية لها! لمزيد من مقالات د. محمد يونس