تنسيق الجامعات 2024.. قائمة الجامعات الخاصة المعتمدة بوزارة التعليم العالى    سعر الدولار اليوم 19-6-2024.. اعرف آخر تحديث من البنوك في إجازة العيد    هذه المهن قد لا تستبدل بالذكاء الاصطناعي.. هل وظيفتك من بينها؟    حدث ليلا.. إنفجار مستودع ذخيرة بتشاد وبوتين يعيد إشعال الحرب الباردة وإعصار يهدد أمريكا    تقرير أممي: الحرب على غزة خلفت 39 مليون طن من الأنقاض    فيضانات تُغرق الصين وأمريكا.. خسائر فادحة بسبب الطقس المتطرف    نتائج وترتيب مجموعات يورو 2024 بعد الجولة الأولي    سويسرا تسعى لعبور إسكتلندا وحجز تذكرة التأهل باليورو    الاتحاد السعودي يرصد التعاقد مع نجم برشلونة    عاجل.. مفاجأة صادمة في تقرير حكم مباراة الزمالك والمصري.. «جوميز في ورطة»    حالة الطرق اليوم، سيولة مرورية بمحاور وميادين القاهرة والجيزة رابع أيام العيد    تفاصيل اعتقال المغني الأمريكي الشهير جاستن تيمبرليك    ولاد رزق 3 يقترب من ال100 مليون جنيه في أسبوعه الأول بدور العرض    الجيش الأمريكى يعلن تدمير 9 ‬طائرات مُسيرة للحوثيين فى آخر 24 ساعة    سعر الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 19 يونيو 2024 للتجار ولجميع الموزعين والشركات    أسعار السمك والجمبري اليوم الأربعاء 19 يونيو 2024    استشهاد 7 فلسطينيين فى قصف إسرائيلى على شمال غربى مخيم النصيرات وغزة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. رابع أيام عيد الأضحى 2024    أثار الذعر في الساحل الشمالي.. ماذا تعرف عن حوت كوفييه ذو المنقار؟    إيطاليا تتعرض لموجة طقس حار اعتبارا من اليوم    اليوم.. مصر للطيران تبدأ جسرها الجوي لعودة الحجاج إلى أرض الوطن    المحافظ والقيادات التنفيذية يؤدون العزاء فى سكرتير عام كفر الشيخ    الأعلى للآثار يكشف عدد زائري المواقع الأثرية والمتاحف خلال العيد    ترامب: بايدن جعل أمريكا أضحوكة العالم    أسعار النفط تصل إلى أعلى مستوياتها في أكثر من شهر    انطلاق احتفالات دير المحرق.. بحضور 10 آلاف زائر يوميا    كريمة الحفناوي: الإخوان يستخدمون أسلوب الشائعات لمحاربة معارضيهم    هل الأموات يسمعون كلام الأحياء؟ دار الإفتاء المصرية تكشف مفاجأة    سورتان للمساعدة على التركيز والمذاكرة لطلاب الثانوية العامة    أجزاء في الخروف تسبب أضرارا صحية خطيرة للإنسان.. احذر الإفراط في تناولها    بعد 17 عامًا من طرحه.. عمرو عبدالعزيز يكشف عن مفاجأت من كواليس «مرجان أحمد مرجان»    «المركزى» يعلن ارتفاع الودائع ل10.6 تريليون جنيه    القبض على السائق المتسبب في مصرع مشجعتي الأهلي أمام استاد برج العرب    «ثورة أخيرة».. مدينة السلام (20)    مؤسسة علمية!    مستشار الشيبي القانوني: قرار كاس هو إيقاف لتنفيذ العقوبة الصادرة بحقه    ملف يلا كورة.. انتصار الأهلي.. جدول مباريات الليجا وبريميرليج.. وفوز تركيا والبرتغال في يورو 2024    الحكومة الجديدة والتزاماتها الدستورية    مصرع مسن واصابة اثنين في انقلاب سيارتين بالغربية    الحاجّ ال12من الفيوم.. وفاة شعبان سيف النصر خلال أداء المناسك الحج    إجراء عاجل من السفارة المصرية بالسعودية للبحث عن الحجاج «المفقودين» وتأمين رحلات العودة (فيديو)    في ثالث ايام عيد الاضحى.. مصرع أب غرقًا في نهر النيل لينقذ ابنته    «بايدن» يستنجد ب«المستنجد»!    لبيك يا رب الحجيج .. شعر: أحمد بيضون    احتفالية العيد ال 11 لتأسيس ايبارشية هولندا    عودة محمد الشيبي.. بيراميدز يحشد القوة الضاربة لمواجهة بلدية المحلة    مكتب الصحة بسويسرا: نهاية إتاحة لقاح كورونا مجانا بدءا من يوليو    المراجعة النهائية لمادة اللغة العربية لطلاب الصف الثالث الثانوي.. نحو pdf    حظك اليوم.. توقعات برج العذراء 19 يونيو 2024    أشرف غريب: عادل إمام طول الوقت وسط الناس    علامتان محتملتان للإصابة بالسرطان في يديك لا تتجاهلهما أبدًا (صور)    تصدُر إسبانيا وألمانيا.. ترتيب مجموعات يورو 2024 بعد انتهاء الجولة الأولى    أسقف نجع حمادي يقدم التهنئة للقيادات التنفيذية بمناسبة عيد الأضحى    بعد وفاة العشرات خلال الحج بسببها.. كيف يمكن أن تكون ضربة الشمس قاتلة؟    بدائل الثانوية الأزهرية| معهد تمريض مستشفى باب الشعرية - الشروط وتفاصيل التقديم    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 عضو مهن طبية للدراسات العليا بالجامعات    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية الضمير الذى اختفى فجأة
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 08 - 2017

لو فرضنا مثلا أننا جمعنا مليون مصري، خليطا من هؤلاء الذين لا يحترمون القانون، المدمنين على الغش فى الصناعة والتجارة، المهملين فى أعمالهم، الرافضين لآراء الآخرين، السلبيين فى سلوكياتهم، أخذناهم «بربطة المعلم»، و«شحناهم» على اليابان أو الولايات المتحدة أو ألمانيا أو كوريا الجنوبية أو الصين، ليعملوا ويعيشوا داخل هذه المجتمعات، وذهبنا إليهم بعد عام لنتابع أحوالهم وتصرفاتهم..فماذا نجد؟
استميحكم عذرا، وسامحونى على سؤالى الغبي، فلا أصل له من الإعراب، لأن إجابته سهلة ومتاحة كل يوم، فى أمريكا وأوروبا وكل الدول التى هاجر إليها ما يقرب من عشرة ملايين مصري، فهم يلتزمون بالقانون إلا قليلا، ولا يغشون ولا يفكر أى منهم فى الزوغان من عمله، ويحترمون آراء الآخرين وحرياتهم، ولا تعرف السلبية إليهم طريقا..إلخ.
نعم المسألة محيرة فعلا، كيف نتصرف نحن فى بلادنا على نحو يزهقنا من عيشتنا ونتصرف بكل أخلاق وضمير فى المجتمعات التى نهاجر إليها مؤقتا أو دائما؟
هل يملك مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء تفسيرا علميا لهذا التناقض، تفسير يستند إلى حقائق اقتصادية واجتماعية وسياسية وليس إلى انطباعات سطحية؟
وسبب سؤالى هو استطلاع رأى نشره المركز قبل أيام عن ( رأى المصريين فى بعض سلوكيات المجتمع المصري)، رصد فيه إن الغش زاد والفهلوة سادت والشائعات كثرت والشهامة تناقصت واحترام القانون تراجع وإتقان العمل يكاد يختفي.. باختصار «أخلاق الناس باظت والضمير فى أزمة».
وأتصور أن ما رصده مركز معلومات مجلس الوزراء ليس جديدا، هو كلام مكرر ومعاد منذ سنوات، ربما زات نسبة التشوهات، دون أن يتطوع بتفسيرات وتحليلات وأسباب، كما لو أن الناس استيقظت فجأة ليجدوا «أخلاقهم» قد سرقت منهم أو اختفت فى عتمة الليل البهيم.
ويبدو أن هذا الاستطلاع يحاول أن يقول للناس: لا حل أمامكم إلا باسترداد أخلاقكم وضمائركم. وطبعا لم يشرح لهم كيف تسترد الشعوب أخلاقها الضائعة.
هذا الاستطلاع أعادنى إلى حوار قديم مع أصدقاء أغلبهم رجال أعمال ومسئولون كبار كان بعضهم وزراء سابقين قالوا: النجاح (العام) فى مصر صعب جدا، لأننا لم نواجه أنفسنا بالحقيقة المرة، وهى «أزمة الضمير».. فى بلاد برة عندهم ضمير، كل واحد يؤدى شغله لوحده، منظومة «مدنية» علمتهم القيم، اعملوا ألف ثورة، شيلوا مبارك، شيلوا ألف حاكم ولا شيء سوف يتغير..المواطن المرتشى ..من يرمى الزبالة فى الشارع..من يعطل مصالح الناس..المدرس الذى لا يشرح فى الفصل..المهندس الذى يضرب تصاريح بناء مُخالف..الطبيب الذى يهمل مرضاه فى مستشفى الحكومة من أجل عيادته الخاصة..التاجر محتكر السلع..كل هؤلاء مواطنون عاديون.. أسهل حاجة أن نشتم الحكومة، هل فيه دولة فى العالم لا يحترم فيها المواطن القانون والنظام ونجحت؟
«مشكلتنا فى الشعب، اتهام الحكومة الدائم بالتقصير مثل ابن يقول لأبيه: بابا لماذا لا نسكن فى فيلا ولا عندنا عربية فاخرة ولا شاليه فى الساحل الشمالي، فيرد الأب: لا توجد فلوس لشراء ما تريد،، فيسأله الابن: وأين يذهب مرتبك؟!»
هذا الرأى السابق شائع جدا سواء كان صادرا عن مصريين عاديين أو أساتذة حاصلين على درجة الدكتوراة أو مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء، لكنه نابع عن معرفة محدودة بالعالم والتقدم وعمل النظم الحاكمة لنشاط البشر، رأى جاهل بتاريخ الحضارات ونشوئها ولا أسباب انهيارها، ولم يستوعب ما فعلته أوروبا فى عصر النهضة للتخلص من تخلفها ومشكلاتها التى كانت أكبر ألف مرة مما تعانيه مصر الآن، أو كيف صنعت اليابان تقدمها، وما هى تجربة سنغافورة فى القضاء على الفساد والبلطجة والقرصنة لتكون واحدة من أعلى الدول فى متوسط دخل الفرد سنويا.
قطعا لا ننكر أن عندنا أزمة ضمير حادة، ويكاد من يحاسب نفسه ويوجعه ضميره من المستحيلات، لكن أزمة الضمير والأخلاق عوارض مرض وليست أصل المرض، مثل أزمة التعليم والمرور والبيئة والنظافة والتوك توك والمقابر ومائة أزمة غيرها، كلها أعراض لفيروس ضرب النظام العام فأصابه بنوع من السرطان.. والناس لا تعمل فى الفضاء الخارجى ولا فى العالم السفلي، وإنما داخل نظام عام يفترض أنه يحكم ويتحكم فى كل تصرفاتهم العامة أو تصرفاتهم الخاصة التى تتقاطع أحيانا وتمس مواطنا آخر.
وحين ابتكر العالم الحكومة لم يكن بغرض أن تجلس تحت الشمس تنعم بالسلطة وتتسلى بقزقزة اللب وهرش الشعر وسماع حكايات ألف ليلة وليلة، وإنما لإدارة حياة الناس بكفاءة وفق نظام معمول به ومتفق عليه، والنظام هو مجموعة القواعد الحاكمة لنشاط الناس فى كل مناحى الحياة أيا كان هذا النشاط، فى الشارع، فى المدرسة، على البلاج، فى المصنع أو ملعب كرة، فى بناء عقار أو فتح محل جديد أو مقهى أو شركة، فى محطة كهرباء أو جمعية أهلية ، فى الزراعة والرى أو فى السفر والانتقال، فى التقاضى أو فى الحرب..الخ، فإذا التزمت هذه الحكومات بهذه القواعد بكفاءة وصرامة وانضباط وعدالة، يمضى هذا المجتمع فى طريقه الذى رسمه لنفسه من تنظيم حياته بكفاءة وتنمية مستدامة.
ولكن إذا أهملت الحكومات فى أداء واجبها فى تنفيذ القواعد الحاكمة وعلى رأسها القانون الذى يرسم حدود المسموح والممنوع، وأسرفت فى الامتيازات والاستثناءات والمحاباة، فمن المؤكد أن الناس سوف تتصرف كما تشاء وعلى هواها وينفلت عيارها، ويستغل الفرصة كل من يقدر على السير فى الطريق العكسى من أجل مصالحه الخاصة، من أول فوضى الشوارع إلى السطو على أرض الدولة، وليس مجرد الخناقة مع جاره أو عدم احترام الكبير.
إياكم أن تتصوروا أن الناس فى بلاد برة تحترم القانون وتعمل بجدية لأن عندها ضمير فقط، لا وألف لا، هم يدركون أن أى خروج على النظام والقانون له عقاب رادع دون استثناءات و«واسطات» ومحسوبيات.
الإنسان ابن نظامه العام، فإذا كان صالحا ومنضبطا وكفئا، صار كذلك، أو حدث العكس.
والنظام العام ينتج بالضرورة مجموعة القيم التى يلتزم بها الخاضعون له، فالقيم ناتج موضوعى وليست مجرد اختيار فردي، والأخلاق بما فيها الضمير جزء من القيم.
لمزيد من مقالات نبيل عمر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.