آنات خافتة وآلام مفزعة تقبض على القلوب ومشاهد يهتز لها الحجر تحكى قصصا إنسانية لآباء مكلومين وأمهات ثكلى فقدوا فلذات أكبادهم ونساء رملت، وأطفال يتمت بفقد أحد أبويها ووقف لهم الموت بالمرصاد فى ظلمات بحر لجى سحيق تبتلعهم دواماته الغاضبة ليتحول إلى مقبرة جماعية لكل من ظن أن مياهه الساحرة ونسماته العليلة يمكنها أن تطفئ وهج جسده لترحمه من لهيب الشمس الحارقة. فراح المصطافون يلقون بأنفسهم وسط الأمواج العاتية دون أن يعلم أى منهم أنهم على موعد مع مزالق الموت ولم يدر بخلدهم ان وحشة البحر وأمواجه المتلاطمة تتربص لهم بالمرصاد فى رحلتهم الأخيرة إلى العالم الآخر لتنقلب شواطئنا من نعمة إلى نقمة وترسم نهايات حزينة لقاصديها . وكأنهم يفرون من الشر والارهاب وسفك دمائهم فى حوادث الطرق ليلاحقهم شر آخر وهو عزرائيل الشواطئ حتى تحولت إلى المشكلة إلى ظاهرة تستحق العناية بسبب الاهمال وغياب الوعى فى حوادث لا مبرر لها ولم يدرك المسئولون فى مصر أن الشواطئ أصبحت وسيلة قتل وليست وسيلة استجمام وترفيه. وخلال هذا الشهر تزايد دفتر حوادث الغرقى الملىء بالغرائب التى تلوكها الآن ألسنة الناس فهناك بحسب الاحصائيات اكثر من خمسمائة جثة جثمت فوق معظم شواطئنا وسواحلنا فى مشهد ألقى بظلاله على جميع محافظات مصر لتبقى حالة من الصراخ والعويل عالقة فى اذهان الكافة. ويكفى أنه فى أقل من 25 يوما سجل شاطئ النخيل أكثر من 50 غريقا بعد أن تحول إلى مقبرة إمتلأت أعماقه بجثث العديد من شبابنا. وتمتد هذه الحكايات بكل قسوتها إلى قرى الساحل الشمالى لتكتب نهاية العشرات على رأسهما الدكتور كريم كامل وزوجته الدكتورة شرين سراج نزلا إلى مياه البحر وامام عين والدة الفقيد وامام أنظار طفلتيه حبيبة وكارما غرق الابوين ولم يستطع أحد ان ينقذهما من براثن الامواج الغادرة وعادت الطفلتان يتيمتين مع جدتهما الثكلى. وفى البحيرة كشف لنا اللواء محمد خريصة مدير الإدارة العامة لمباحث البحيرة عن حادثة غرق فتاتين وأمهما أمام مصيف رشيد الأسبوع الماضى والأصدقاء الأربعة الذين فارقوا الحياة غرقا بسواحل إدكو .