«إيه اللى رماكم على المر؟ قالوا اللى أمر منه» هذا هو حال آلاف الشباب الذين يغامرون ويقامرون باقتحام عالم المجهول ويخوضون التجارب المرة القاسية على أمل الخروج من واقع أكثر مرارة يتمثل فى حالة من الفقر والغلاء وبطالة يعيشون فيها ويعانون منها وفى مواجهة هذه الأزمة .. أزمة الفقر والبطالة والغلاء يسعى عدد غير قليل إلى الخروج من مصر عبر وسائل غير شرعية من أجل السفر ودخول البلدان التى يحلمون بالعمل فيها ! رغم أنهم يتعرضون للأهوال والمهانة والموت عمدا أثناء محاولاتهم الهرب بحثا عن فرصة عمل بل يفضلون رحلة الموت والبقاء فى الخارج على عودتهم للبلاد مصرين على العودة والمخاطرة من جديد بسبب رغبتهم فى تحقيق ذاتهم. فقد بات أمرا مألوفا أن يموت الشباب غرقا فى عرض البحر المتوسط وهم يعلمون أنهم على موعد مع مزالق الموت المحقق وأن الزمن يخبئ لهم الكثير من المفاجآت الصاعقة مع رحلات المراكب القاتلة كما انهم يدركون وحشة البحر وأمواجه المتلاطمة التى تتربص بهم ولعل آخرها كارثة غرق عشرات الشباب من جنسيات مختلفة على متن إحدى السفن التى أقلعت من شواطئ بوغاز رشيد عن طريق مافيا عصابات التهريب للخارج الذين احترفوا تسفير الشباب بطرق غير مشروعة والنصب على ضحاياهم مقابل مبالغ كبيرة، قصص انسانية ومشاهد كارثية مروعة خلفتها تلك المأساة أقل ما توصف به أنها مؤثرة فوراء كل ضحية من ضحايا مركب الموت المتهالك برشيد روايات حزينة وعشرات القصص المؤلمة يتذكرها الآباء والأبناء الذين فقدوا أسرا كاملة بحزن شديد وتأثر بالغ ورض بقضاء الله وقدره بعدما اشتركت أكثر من جهة فى نسج فاجعة كبرى وحولت حياة أهالى الضحايا والمصابين إلى مأساة حقيقية بعدما تعرض ذووهم للموت مرات ومرات مع رحلات وأجواء محفوفة بالمهالك والمخاطر وكأنهم كانوا يسبحون فوق مقبرة جماعية فى ذلك اليوم العصيب الذى فقدوا فيه أغلى ما يملكون وما زالوا يعيشون لحظاته ويتجرعون مرارته . ومن داخل مستشفى رشيد بالبحيرة خيم الأسى والألم على متولى محمد أحمد 29 عاما أحد الناجين الذى أصيب بأزمة نفسية صعبة وبحالة اكتئاب حادة وبدت عليه علامات الانهيار بعد أن ابتلع البحر زوجته الشابة وطفله الصغير اللذين كانا ملء الحياة بالنسبة له وشاهد بأم عينيه عشرات الجثث تطفو فوق عرض البحر وحكايات بتفاصيلها ولحظاتها تحبس الأنفاس وبعد أن هدأنا من روعه حكى قصة نجاته من المركب المنكوب وهو يختزن فى ذاكرته مصيبة غرق أسرته التى جاءت معه من مركز فاقوس بمحافظة الشرقية إلى شواطئ رشيد قائلا أن الرحلة بدأت بطريقة عشوائية دون ترتيب أو تنظيم ولا أى ارشادات للركاب وبعد نحو ساعة ونصف الساعة من استقلالنا مركب الموت رأينا تحركات مريبة من قبل طاقم السفينة وبدأنا نسمع أصوات استغاثة وبدأت أهدئ من روع زوجتى بعد أن راودتنى الحيرة نتيجة تزايد ميل المركب ومع شدة الهواء سمعنا أصوات صراخ واستغاثات بأن السفينة تغرق وظهرت علامات الفزع والرعب بادية علينا وارتفعت من الأمام وغاصت من الخلف فى أعماق البحر والموت يضرب فيها ضربا من جميع الجوانب عندها توقفت نبضات قلبى وبدأ العويل من النساء والأطفال وكأن الموت اقترب منهم وحاول البعض البحث عن أطواق نجاة دون جدوى وكانت القاصمة عندما ابتلع البحر المركب بما فيه حيث كان الأمر مرعبا للغاية زوجتى لا تجيد السباحة والركاب بين دعاء وبكاء واستمر البحر يلتهم واحدا تلو الآخر يستنجدون بقوات الانقاذ دون مجيب بكيت كثيرا وكنت مشدوها من هول الموقف والأمواج تتكسر بعنف بينما الأبرياء يواصلون الصراخ من أجل الحياة واختفى البعض عن الأعين تماما وفقدوا أعمارهم فى عصفة الموج وسط صدمة كبيرة غير مصدق أن مياه البحر قد ابتلعت هذا العدد الهائل من البشر دفعة واحدة خلال هذه الساعات الحزينة ودعوت الله أن ينجينا فلم اجد حلا سوى السقوط فى الماء وكان الأمر مخيفا حاولت انقاذ أسرتى لكنها اختفت مع تقاتل الناس ولم يأت أحد لانقاذنا ولولا تدخل العناية الالهية وبعد 7 ساعات رأينا بعض الصيادين يتدافعون على قوارب نجاة وقد أنزلوها والناس تمسك بهم فمنهم من يسقط ويركب ولا يدرون ماذا يفعلون رأيت جثثا كثيرة تطفو وملابسى تمزقت من الذين تشبثوا بى كنت أبكى ولا أعلم أين سأذهب لم أر شيئا غير الرعب أقاوم الموت بعد أن تهيأت له مرات ومرات أمواج متلاطمة تنزلنى إلى داخل البحر ثم ارتفع لا أجد أحدا ينقذنى وفجأة رأيت قارب نجاة متهالكا اقترب منى لأنجو بأعجوبة .