ولتكن هناك بارقة أمل في ضخ دماء جديدة في شرايين الاقتصاد المصري تمكنه من النبض واستعادة الحياة مرة أخري بعد أن كان علي أعتاب موت محقق.. طوق النجاة تتعدد مصادره ما بين أموال هي قيمة أراضي الدولة المستردة من أيدي مغتصبيها أو من التصالح مع رجال أعمال أو مسئولين في عصور سابقة في قضايا كسب غير مشروع أو من تسلم دفعات قروض من صندوق النقد الدولي .. أخبار تطالعنا صباح كل يوم وعلي الفور يثار التساؤل في ذهن المواطن وبالتحديد الفئة الكادحة من محدودي أو «معدومي» الدخل ما هي ترجمة ذلك وانعكاساته بشكل مباشر أوغير مباشر علينا كأصحاب حقيقيين لهذه الأموال؟.. الخبراء يضعون خريطة لأولويات الانفاق حتي لايتم إهدارها دون طائل والمواطن أيضا يعبر عن رؤيته باعتباره شريكا أساسيا في صناعة القرار وتحمل تبعاته. البداية من المواطنين، حيث يطالب عبد الرحيم عبدالقادر، موظف بإحدي الشركات، بضخ النسبة الأكبر منها في بند الأجور ضمن الميزانية للارتقاء بمستوي الدخل الشهري للمواطن كي يستطيع مواجهة موجات الغلاء المستمرة، التي أصبحت تمثل عبئا ضخما علي الأسرة المصرية ويصعب معها الوفاء بالمتطلبات والاحتياجات الأساسية لهامن مأكل وملبس وحتي المواصلات إلي جانب فواتير العلاج والارتفاع الجنوني في مصروفات المدارس والدروس الخصوصية، ولذلك يظل مطلبنا الأول هو إعادة هيكلة نظام الأجور وتعديلها بحيث تتناسب مع حجم المتغيرات المتلاحقة التي تحاصرنا دون هوادة. يحيي كامل، موظف آخر يري ضرورة استثمار هذه الأموال في مشروعات ذات دورة مالية سريعة حتي يتحقق منها عائد سريع نستطيع استغلاله في دعم ميزانية الدولة وخاصة بند الدعم الموجه للمواطنين، لأن المشروعات القومية الكبري تحتاج دورة مالية طويلة الأمد قد تصل إلي عدة سنوات حتي تستطيع أن تحقق العائد منها وقد تحدث خلالها أزمات اقتصادية تنعكس سلبياتها علي المواطنين وهو ما نشعر به الأن بالفعل في مواجهة الغلاء بالرغم من تنفيذ مشروعات قومية عملاقة علي أرض الواقع. وعلي الجانب الآخر، تقول آمال سيد «موظفة باحدي الهيئات» يجب عدم إهدار المليارات التي يتم تحصيلها بإنفاقها في مصارف تعود بالنفع أو الانعاش المجتمعي المؤقت الذي يرضي عنه المواطن ولكنه لا يتصف بالاستدامة.. فالأفضل علي سبيل المثال توجيهها لخدمة قطاع يحتاج إلي الدعم مثل إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة ومجتمعات تنموية متكاملة تمكننا من تحقيق عائد يعود بالنفع علي المجتمع بما في ذلك من تحويل الطاقات العاطلة إلي طاقات إنتاجية وكذلك الاهتمام بإقامة المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر لتوفير فرص عمل تسهم في القضاء علي البطالة إلي جانب زيادة معدلات الإنتاجو الارتقاء بمستوي الجودة للحصول علي منتج محلي قادر علي المنافسة وزيادة الصادرات. يجب أن يأتي التعليم في مقدمتها باعتباره كلمة السر لتقدم أي مجتمع كما يقول جمال مصطفي مدرس رياضيات وذلك بزيادة الأبنية التعليمية لاستيعاب الكثافات غير العادية بمدارسنا الآن وعلي نفس القدر من الأهمية يأتي قطاع الصحة باعتبارهما من أولي الحقوق التي كفلها الدستور للمواطن والتي تصطدم مشروعات الارتقاء بهما بعقبة التمويل وعدم توافر الإمكانات المادية فلا نستطيع أن ننكر ارتفاع فواتير تكلفة هذه القطاعات بحيث أصبحت بالفعل عبئا علي كاهل نحو 40% من المواطنين..لذلك يجب توجيه الاهتمام نحو الرعاية الصحية بكل أشكالها سواء تأمينا صحيا أو علاجا علي نفقة الدولة ودعم الدواء والارتقاءبمستوي الخدمة في المستشفيات وخاصة العامة. آراء الخبراء أ.د رشاد عبده رئيس المنتدي المصري للدراسات الاقتصادية والخبير الاقتصادي الدولي يشير الي أن نقطة الانطلاق الأولي هي الشفافية بحصر مستمر لهذه الإيرادات من مصادرها المتنوعة وأن يتم تشكيل لجنة من مستشارين خبراء في الاقتصاد لوضع خطة لإدارة هذه الأموال.. ونحن نري أن الأولوية لمشروعات التنمية إيجاد فرص عمل وأن تكون هذه الأموال نواة لصندوق سيادي يوجه للاستثمار والشركات التي تعاني مشكلات جسيمة أدت إلي تعثرها خاصة لو أدركنا أن أكثر من 50% من شركات قطاع الأعمال العام خاسرة!! فعلي سبيل المثال الشركة القابضة للغزل والنسيج تضم 33 شركة من بينها 32 شركة خاسرة!! من بينها المحلة الكبري وكفر الدوار ولم تتم عمليات إحلال وتجديد للماكينات بها منذ 50 عاما تقريبا وأن هناك شركة واحدة فقط هي التي تحقق أرباحا لاتتجاوز نصف مليون جنيه نظرا لصغر حجمها..وكذلك الحال بالنسبة لشركة النقل والهندسة التي بلغ اجمالي حجم خسائرها 1412 مليون جنيه، وان خسائر العام الماضي وحده وصلت إلي 242 مليون جنيه !!أما فيما يتعلق بالرأي القائل بتوجيه الأموال لحل مشكلات التعليم فهو يحتاج وحده إلي 100 مليار جنيه في حين أن عجز الموازنة هذا العام يصل إلي 370 مليار جنيه !! أ.د يمن الحماقي، أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس ووكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشوري سابقا، تؤيد الرأي السابق في الاتجاه نحو المشروعات القصيرة الأجل وفتح ملف المشروعات المتعثرة التي لاتلقي الاهتمام الكافي وكذلك ملف قطاع الأعمال العام الذي يكتظ بثروات مهدرة والذي نقترح من وجهة نظرنا ضرورة فتحه للشراكة فيما بين القطاعين العام والخاص وبالتالي يتمكن من زيادة إنتاجه والتسويق وتحقيق المكاسب وخفض الاعتماد علي الواردات بدلا من اللجوء الي الموازنة العامة للدولة للاقتراض منها.. والتي هي بدورها تعاني من الخلل الجسيم الناجم عن الضعف الشديد في حصيلة الضريبة التي تمثل بطبيعتها المصدر الرئيسي للإيرادات في أي دولة وهذا الضعف يرجع الي التهرب الضريبي وارتفاع نسبة القطاع الرسمي عن القطاع غير الرسمي، مما يؤدي إلي انخفاض الإيرادات وإيجاد فجوة بينها وبين النفقات العامة وبالتبعية يحدث العجز في الموازنة ومايترتب عليه من الدين الداخلي.. ويكفي هنا أن نشير إلي أن حجم فائدة الديون الداخلية في موازنة 2017 -2018 فقط يصل الي 380 مليار جنيه وهو رقم ضخم يحمل الدولة أعباء فوق طاقتها وأعلي من إيراداتها. منظومة متكاملة للمشروعات وسوف نظل ندور في هذه الحلقة المفرغة التي تستشعر خطورتها القيادة السياسية وتنحاز الي المواطن وتراهن عليه بدليل حزمة القرارات التي اتخذها الرئيس السيسي قبل عيد الفطر وتقدر فاتورتها ب85 مليار جنيه كما تضيف أ. د يمن الحماقي ولكن طوق النجاة الوحيد يتمثل في زيادة معدلات الإنتاج وتوجيه أي إيرادات نحو دعم المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والكبيرة والمتوسطة في منظومة متكاملة يغذي بعضها البعض، فالإنتاج يقابله زيادة في الأجور وبالتالي يتم حل مشكلة عجز الدخول عن ملاحقة التضخم . أ.د سالي مهدي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة البريطانية، تؤكد أهمية الشفافية الكاملة مع المواطنين في التعرف علي حجم الأموال المستردة وأوجه إنفاقها باعتبارهم شريكا أساسيا في تحمل المسئولية وإلا تحول الأمر لديهم إلي الشعور بالاستفزازحينما يطالعون أخبارا يومية عن مليارات مستردة _حتي وإن كانت لا تمثل أرقاما ضخمة في مجملها بالنسبة لميزانية دولة _فإن المواطن يشعر بقيمتها مقارنة بحالة الاختناق التي تحاصره من جراء ارتفاع الأسعار.. ولاشك أن هذه الشفافية تمنحه إحساسا بأن الدولة تنظر إليه بعين الاعتبار, لذلك فنحن نري ضرورة أن تنعقد لجنة من وزراء المجموعة الاقتصادية ووزيرة التضامن الاجتماعي لوضع خطة عاجلة لأولويات الإنفاق ويتم نشرها ليعلمها المواطنون.