حين أصدرت الحكومة عام 2005 قانون الضريبة العامة على الدخل تبنت منهجا معاكسا لما كان سائدا فى الفترات السابقة فقد لجأت إلى تخفيض الضريبة إلى حدود غير مسبوقة بلغت 20% فى مقابل العمل على توسيع الوعاء الضريبى بإخضاع القطاع غير الرسمى مما يؤدى فى النهاية إلى تحقيق حصيلة ضريبة عالية جداً دون اللجوء لرفع سعر الضريبة . وبالفعل نجح القانون فى تحقيق ذلك بنسبة كبيرة وتم إخضاع الكثير من مؤسسات وشركات الاقتصاد الموازى وضمها للوعاء الضريبي.. وساد الظن - أن نسبة ضئيلة فقط من الاقتصاد هى التى مازالت تصنف كاقتصاد مواز ولكن جاءت شهادات قناة السويس لتكشف الحقيقة الصادمة وهى أن 50% من تمويل هذه الشهادات جاء من خارج الجهاز المصرفى أو باللغة الدارجة “ من تحت البلاطة” وهو ما يعنى أن 50% من الاقتصاد المصرى مازال اقتصادا موازيا أى غير رسمى وغير خاضع لأى قوانين أو لوائح .. ونسبة ال 50% المذكورة هى الحد الأدنى بمعنى أن هناك قطاعات تقفز فيها هذه النسبة لاكثر من ذلك مثل قطاع تجارة التجزئة الذى لا تتجاوز فيه حصة السوق المنظم أكثر من 15% فى أكثر التقديرات تفائلاً. وفى هذا الإطار يصبح من الأهمية وقبل سن تشريعات جديدة أن نبحث عن الوسائل والأدوات التى يمكن من خلالها إخضاع الشركات والمؤسسات والكيانات الصناعية والتجارية والخدمية العاملة خارج الإطار الرسمى للعمل فى ظل القوانين واللوائح بحيث تصبح جزءا من منظومة الاقتصاد الرسمى وبحيث يصبح القانون – أى قانون - محققاً لأهدافه من خلال قدرته على الوصول لكافة المصنعين والمنتجين والموزعين والتجار وضبط أعمالهم فى إطار قانون يحافظ على حقوق المستهلكين فى كافة مراحل العمل وصولاً لتحقيق هدف القانون وغايته تحت مبدأ “سعر عادل وجودة مناسبة”. فتحقيق هذا المبدأ هو جوهر حماية حقوق المستهلك التى يبحث عن تنظيمها مشروع قانون حماية المستهلك الجديد والجارى مناقشته حالياً على أكثر من مستوى ، فأى قانون سواء من القوانين القائمة بالفعل أو القوانين الجارى العمل عليها ودون تنظيم الاقتصاد سيجعلنا أمام حقيقة مُؤلمة لأنه سيُخضع أقلية من المخاطبين بالقانون لتنظيم بعض الحقوق لأقلية من المواطنين وهو ما يتنافى مع القاعدة الفقهية للقوانين وهى أنها قاعدة مجردة تخاطب الكافة... لأن القانون – فى ظل الوضع الحالى – سوف يخاطب الكافة نظرياً لكنه واقعياً سيطبق على 50% من السوق أو أقل ويضمن حقوق المستهلكين المتعاملين مع هذا الجزء دون أى ضمان لحقوق باقى المستهلكين المتعاملين مع ال 50% غير الخاضعة للاقتصاد الرسمى وهو ما يعنى عدم العدالة فى التطبيق الفعلى للقانون.. ومن ناحية أخرى فإن إخضاع القطاع الرسمى لمزيد من القوانين المعوقة فى الوقت الذى يتمتع فيه القطاع الموازى بحرية كاملة فى مخالفة القوانين سيضيع جهود الدولة والحكومة والقطاع الخاص فى ضبط السوق وضمان حقوق المستهلكين سواء من حيث الجودة أو السعر لأنه يُشكل جزءا كبيرا من السوق ويتحكم فى الجانب الأعظم من قوى العرض والطلب على أرض الواقع.. ولذلك فإنى أنصح بأن نتجه وقبل البدء فى إصدار قوانين جديدة إلى العمل على ثلاثة محاور ... المحور الأول هو اتخاذ الإجراءات اللازمة للسيطرة على الاقتصاد الموازى والمحور الثانى مواجهة الأسباب الحقيقية لانفلات الأسعار والتضخم بإجراءات غير تقليدية تأخذ فى حسبانها أن هناك أسبابا فعلية لا يمكن تجاهلها لارتفاع الأسعار مثل تعويم الجنيه وقانون الضريبة على القيمة المضافة وزيادة أسعار الطاقة والمحروقات. أما المحور الثالث فهو إعادة هيكلة آليات الرقابة على الأسواق بحيث يتم اختصار السبع عشرة جهة فى جهة واحدة لها كافة الصلاحيات وتكون مسئولة عن تطبيق كافة القوانين ذات الارتباط سواء الحالية أو المزمع إصدارها على غرار مشروع قانون حماية المستهلك. وبتنفيذ هذه المحاور نستطيع أن نضمن حماية عادلة لحقوق المستهلك دون آثار جانبية معوقة للنشاط الاقتصادى مع شمول الحماية لكافة مراحل الإنتاج والتصنيع والتوزيع والبيع والشراء...