هى مصرية مصرية.. رضعت من ثدى النيل.. وتربت فوق تراب مصرى وتنفست هواء مصريا خالصا فيه سحر الحضارة ورونقها وأصالة الإنسان المصرى وعزته وفخره.. بوصفه أول من عرف الله من سكان الدنيا بحالها.. فهو أول من آمن بالله الواحد الأحد.. وأول من سجد وأول من ركع وأول من أقام المعابد وشيد الكنائس وبنى الأديرة فى مكان قصى وعمّر المساجد وجعل كلمة الله هى العليا.. وأذن من فوق المآذن: الله أكبر الله أكبر.. أشهد ألا إله إلا الله.. محمد رسول الله. هى مصرية مصرية.. تربت فى بيت دين وأدب.. لم تسجد لصنم ولم تصل لحجر.. بل كانت قبطية من الرعيل الأول من المسيحيين المخلصين الأوائل تعبد الله.. وتعيش فى بيت طهر ونسك وعبادة وإيمان.. هو بيت عظيم القبط فى مصر.. الذى عرف فى الإسلام باسم المقوقس. هل عرفتم من هي؟ كما كتبت هنا اكثر من مرة: إنها السيدة ماريا القبطية التى أرسلها المقوقس عظيم القبط وصاحب مصر من قبل الامبراطور هرقل ملك الروم.. إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ردا على رسالته إلى المقوقس التى يدعوه فيها لدخول الإسلام.. كما تقول كتب التاريخ والتفاسير العربية مثل عيون الأثر وزاد المعاد والسيرة الحلبية.
نحن الآن نسير فوق تراب مشت من فوقه من قبل زوجة نبى كريم.. نحن الآن ندب بأقدامنا فوق تراب قرية الشيخ عباده على الضفة الشرقية للنيل على بعد ثمانية كيلو مترات من مدينة ملوى فى صعيد المنيا.. والتى يؤكد الباحثون والدارسون فيما كتبوا وفيما أرخوا.. ان ماريا القبطية قد خرجت من هنا.. هنا ولدت وهنا شبت عن الطوق وهنا أينعت وأصبحت ملء السمع والبصر قبل أن يختارها عظيم القبط فى مصر لتكون مع أختها سيرين من بين حاشيته وآل بيته.. ولم يكن لدى المقوقس أعظم منها أدبا ودينا وعلما وخلقا لكى يقدمها لنبى الله ردا على رسالته إليه يدعوه إلى الإسلام.. كان الصباح أخضر نديا تلونه الحقول ويكحل عيونه النهر الواسع السخى بمائه المضئ باللون الفضى تارة فى الظل وباللون الذهبى عندما يستقر شعاع الشمس فوق مياهه المسافرة إلى الشمال.. نركب عباره تحمل السيارات والناس إلى البر الشرقي.. النيل هنا يفيض بالمياه والحياة.. قالوا لنا وهم يشيرون إلى قرية ممتدة بطول الشاطئ هذه هى قرية الشيخ عبادة.. لماذا أطلقوا عليها اسم الشيخ عبادة؟ اسأل يومها السيدة سلوى السروجى الخبيرة الأثرية والسياحية.. هى تقول: إذا نحن قرأنا ما كتبه جيمس بيكى فى كتابه: الآثار المصرية فى وادى النيل الجزء الثانى نجد أنه يصف قرية الشيخ عبادة بقوله: فى مقابلة قرية الروضة 771 ميلا من القاهرة أى نحو052 كيلو مترا تقع على الضفة الشرقية للنيل وبجوار قرية الشيخ عبادة خرائب مدينة انثيوى أو انثيوبوليس وهى المدينةالرومانية التى شيدها الامبراطور الرومانى هادريان عام 031 ميلادية يعنى منذ نحو 7881 سنة! وقد حدثنا كتاب وصف مصر الذى أخرجه علماء الحملة الفرنسية فى أوائل القرن الماضي، عن قوس نصر ومسرح وشوارع مستقيمة وحارات واسعة ترجع إلى العهد الروماني، ويتمثل ذلك الآن فى الأعمدة وتيجانها المتناثرة فى الغيطان. وقد شغلت هذه المدينة مركزا ممتازا فى صدر المسيحية، حيث كانت بها ابرشيه كبيرة كما كانت تقع على أطرافها الغربية قرية قيل إن ماريا القبطية زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولدت وتربت فيها، ثم أهداها المقوقس إليه فتزوجها وانجبت له ولده إبراهيم وقد اهتم الصحابة بهذه القرية وأعفاها الخليفة معاوية من الخراج. وكان لها محصول عظيم من البلح والفواكه. ولما قدم مصر العارف بالله الشيخ عبادة بن الصامت، وهو حفيد عبادة بن الصامت الصحابى المعروف بنى بها مسجدا يعرف الآن باسم مسجد سيدى عبادة ومنه اتخذت القرية اسمها الحالى قرية الشيخ عبادة. وقد قامت بعثتان ايطاليتان بالحفر فى هذه المنطقة خلال سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر من سنة 1965: بعثة جامعة روما التى عملت فى أطلال المدينة وكشفت عن ثلاثة عشر قبرا يعتقد أنها من أول عهد الأسر الفرعونية. أما البعثة الثانية التابعة لمعهد البردى بجامعة فلورنسا، فقد اكتشفت أجزاء من ورق البردى عليه كتابات إغريقية وقبطية، ترجع إلى ما بين القرنين الخامس والسابع الميلادي. كما كشفت عن مجموعة من الحجرات كانت تستعمل كمقاصير للأغراض الجنائزية وقد غطيت جدرانها بطبقة من البلاط الملون باللون الأحمر، كذلك عثرت على بعض الشواهد الجنائزية عليها كتابات قبطية. يرد الأثرى الشاب الذى يرافقنا: ومازالت هذه البعثة الايطالية التابعة لجامعة فلورنسا تعمل فى أطلال مدينة انتينوى هذه منذ أوائل السبعينيات.. ولهم بيت فى قرية الشيخ عبادة يقيمون فيه ومخزن لتخزين ما يعثرون عليه من آثار.. وهم يحضرون إلينا عادة فى شهرى سبتمبر وأكتوبر من كل عام.. ولعلمك يا سيدى هو ينظر إلى ويقول: لقد عثر الايطاليون على غرفة ماريا القبطية فى أطلال مدينة انتينيوبوليس قبل نحو 7 سنوات. أسأله بلهفة: أين هي؟ قال: سنذهب إليها حالا! { { { تفاجئنى السيدة سلوى السروجى ونحن فى طريقنا إلى جامع الشيخ عبادة: بقولها لقد سمحوا لأهل قرية الشيخ عبادة بالتزاوج رجالا ونساء من الرومان واليونان والذين كانوا يمثلون الارستقراطية المصرية فى هذا الوقت. وقد تم العثور هنا على كميات عظيمة من أوراق البردى التى تحكى كيفية تنظيم قوانين الزواج والطلاق والميراث إذا كانت الزوجة مصرية أو الزوج مصريا من اليونانيين والرومانيين. وأيضا فى هذه المدينة العظيمة سمحوا للمصريين أن يتعلموا فى المدارس بحرية.. وكانوا يدرسون فنون الأدب الأغريقي.. وكتابات التلاميذ التى تدل على ذلك وجدت فى البرديات التى تم العثور عليها بعد حرق مكتبة الإسكندرية.. وهذه البرديات هى التى حملت إلينا التراث الإغريقى كله.. { { { وقالوا لنا فيما قالوه وروه أن هذا المسجد الذى نقف أمامه الآن كان مسجدا أهليا بالطين .. والمبنى كان من قبل معبدا لماريا القبطية بناه رجل يدعى قنصله .. وجاء اسماعيل باشا وبنى المسجد حتى النصف ثم جاء ابراهيم باشا واستكمل البناء وبنى المسجد بالمئذنة أما المئذنة القديمة فهى تسمى حتى الآن معبد ماريا القبطية. وماريا القبطية ولدت هنا هى وأختها سيرين .. وقد بعثها المقوقس الى رسول الله فتزوج ماريا وأعطى سيرين لشاعر الإسلام حسان بن ثابت. وكل يوم جمعة تأتى الناس من القرى المجاورة لكى تزور الجامع ومعبد ماريا وهو المئذنة القديمة فى الجامع وأيضا لكى يتبركوا بالبئر التى كانت تشرب منها ماريا القبطية فى أعلى الجبل ومشهورة ببئر الصحابة. وذهبنا نمشى فى طرقات وحوارى قرية الشيخ عبادة .. صاحب دكان صغير يبيع الحلوى والسجاير والمرطبات أصر على أن نجلس على دكة أمام دكانه لنشرب زجاجات من المياه الغازية تحية أهل القرية لضيوفها .. شربنا وشكرنا .. ورحنا نتجول من جديد.. نقترب بخطواتنا من مسجد الشيخ عبادة .. المسجد له مئذنتان واحدة قديمة مهدمة والآخرى جديدة حديثة .. وبناء الجامع يدل على أنه بناء قديم تجدد أكثر من مرة ..وهم يطلقون هنا على المئذنة القديمة التى كانت فى الزمان القديم قبل الفتح الإسلامى برجا لكنيسة قديمة برج ماريا القبطية. وتقول لنا باحثة من جامعة أسيوط تحضر رسالة دكتوراه عن جامع الشيخ عبادة بن الصامت .. إنها قد عثرت على لوحة قديمة تذكر أن هذا الجامع عمره أكثر من ثلاثمائة عام.. ....... ....... لمه .. وهيصه .. وزيطة .. الناس والعيال والبنات والصبية تجمعوا من حولنا .. وكأننا جئنا نصور فيلما سينمائيا. أو مسلسلا تلفيونيا اسأل الشيخ محمد الطيب صديق شيخ جامع الشيخ عبادة الذى تعدى الستين من عمره عن حكاية هذا الجامع؟ يقول وهو يحاول أن يتذكر ويبحث فى رأسه عبر مشوار طوله نحو 30 عاما فى خدمة هذا الجامع: لقد انشأه اسماعيل باشا .. وكان اسماعيل باشا يبنى مصنعا خاصا بسكر الروضة فكانت والدته قد ابتلاها الله بمرض عضال فيقال إنه جاءها فى المنام الشيخ عبادة بن الصامت وقال لها: بلغى ابنك أن يأتى لكى يبنى هذا المسجد .. وتكرر الحلم ثلاث مرات. قال لنا عبدالحفيظ مرسى 42 سنة: نحن سمعنا أن ماريا القبطية من هنا من قرية الشيخ عبادة وأهداها المقوقس للرسول عليه الصلاة والسلام .. والبلد كله يعرف أن ماريا القبطية من هنا. منة الله عبدالعظيم 55 سنة قالت لنا: قرية عبادة كلها ناس مليحة وطيبين .. ونسمع أن ماريا القبطية من هنا من قرية الشيخ عبادة .. والناس تأتى الى القرية لزيارة مسجد الشيخ عبادة.. أما هبة حسن 23 سنة فقد قالت: ماريا القبطية مقامها هنا وكذلك مقبرة الشيخ عبادة والناس تأتى لزيارتهما من كل مكان .. ونحن نرحب بهم ونقابلهم بكل كرم الصعايدة. فتحى محمود محمد سخى موظف ويعيش فى قرية الشيخ عبادة.. قال لنا: هذه القرية كان أسمها من قبل «قنصلة» وفى الفتح الإسلامى أيام عمرو بن العاص سميت بالشيخ عبادة نسبة الى عبادة بن الصامت رضى الله عنه وأرضاه. نادية زيدان .. قالت: بصراحة لم أعرف أى شيء عن ماريا القبطية .. لأننى لم أخرج خارج هذه البلدة وأنا عمرى الآن 58 سنة .. وهذه البلدة قالوا لنا إن اسمها قنصلة .. وكان يملكها قنصل وحررها السلطان عبادة أما نادية سعد 30 سنة ربة بيت وأم لخمسة من الأولاد قالت: سمعت بالفعل من أجدادى عن ماريا القبطية بأنها من هنا من قرية الشيخ عبادة .. وأن لها حجرة هناك فى الجبل.. كان هناك رجل وامرأة قد مسهما الكبر وأحنت ظهرهما الشيخوخة كانا يجلسان على عتبة دار من الطين.. حاولت أن أكلمهما.. المرأة تجيب بصعوبة والرجل لا يكاد يسمع ولا يكاد يرى ولا يكاد يعى من حوله.. حاولت أن أعرف منهما بوصفهما أكبر اثنين فى القرية سنا: هل سمعا عن ماريا القبطية؟ بعد جهد ومداولات وصبر طويل قال لنا الشيخ العجوز وزوجته التى تشد حيلها عنه: نعم لقد سمع من أجداده عنها.. ولا شيء أكثر من ذلك! ملحوظة: قرية الشيخ عبادة تعدادها نحو سبعة آلاف نسمة وأكبر نسبة فى التعداد الشباب والشيوخ.. والقرية بها مدرستان مدرسة الشيخ عبادة الابتدائية.. وأيضا مدرسة الشيخ عبادة الإعدادية.. وفى الثانوى يذهبون الى الروضة أو ملوى وهنا أيضا سيدات تعملن ولكن عددهم قليل جدا.. والناس هنا تعمل بالزراعة وفلاحة الأرض.. وقليل من التجارة.. ولكن الفقر مازال هو السيد المطاع هنا! ........................... ........................... أقف فى ظل نخلة عجوز لأقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط فى مصر.. وهو الكتاب الذى جعل من ماريا القبطية زوجا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. ماذا قال محمد بن عبد الله نبى الإسلام صلى الله عليه وسلم للمقوقس عظيم القبط فى مصر؟ لنترك الجواب هنا للدكتور مصطفى الشكعة فى كتابه الرابع الشامل الجامع: البيان المحمدي: كان المقوقس حاكم مصر من قبل الرومان، وكان نصرانيا على دين قومه، ويقرن أكثر المؤرخين اسمه بالإسكندرية، فيقولون: المقوقس صاحب الإسكندرية.. وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب يدعوه إلى الإسلام هذا نصه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط.. سلام على من اتبع الهدي، أما بعد.. فإنى أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين.. فإن توليت فعليك إثم القبط.. يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون. بعث الرسول بكتابه هذا إلى المقوقس مع الصحابى حاطب بن أبى بلتعة، فلما دخل عليه قال: إنه كان قبلك رجل يزعم إنه الرب الأعلى يعنى فرعون فأخذه الله نكال الآخرة والأولي، فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك ولا يعتبر غيرك بك. فقال المقوقس: إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه. فقال له حاطب: ندعوك إلى دين الإسلام الكافى به الله فقط ما سواه إن هذا النبى دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له اليهود، وأقربهم منه النصاري، ولعمرى ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، وكل نبى أدرك قوما فهم أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، وأنت ممن أدركه هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به. فقال المقوقس: إنى قد نظرت فى أمر هذا النبى فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده الساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه أية النبوة بإخراج الخبء، والإخبار بالنجوي، وسأنظر.. ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية ......... ........... ماذا قال المقوقس عظيم قبط مصر فى رسالته..؟ Email:[email protected] ذلك ان شاء الله حديثنا القادم{ هذه هى حكاية السيدة ماريا القبطية التى لم تركع لصنم ولم تصل لحجر.. والتى إختارها رسول الله لتكون زوجة له لمزيد من مقالات عزت السعدنى;