بحر الصوفية واسع وعميق، لا يقدر على السباحة فيه إلا أولو العزم، وذوو القلوب المؤمنة والخاشعة والزاهدة، أما من يطمحون مثلى فى لذة روحية غامرة، فإنه يمكنهم أن يجلسوا على الشاطئ، ويتصفحون أمواج بحر الحب الكبير، ويقرأوا فى كتاب الوجد الذى لا ينتهي. والتصوف ليس مذهبا إسلاميا، وإنما هو منهج لتحقيق مقام الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهو طريق يسكله العبد للوصول إلى الله، وذلك عن طريق الاجتهاد فى العبادات، واجتناب المعاصى، وتربية النفس وتطهير القلب. ويعتبر محمد بن عبد الجبار حسن النفرى الملقب بالنفرى، من كبار الصوفية، ومن أشهر الذين أبحروا بقلوبهم فى بحر الحب الإلهي، وغاصوا حتى الأعماق، وخرجوا بالدر النفيس، وفى كتابيه «المواقف والمخاطبات» خلاصة تجربته الفريدة، وسياحته الوجدانية الطويلة، التى عاشها فى «مواقفه» حيث يكون فى موضع المخاطب من الله، وعاشها فى «مخاطباته»، حيث يكون فى موضع المخاطب لله. تنقلك «المواقف والمخاطبات» من حال إلى حال، فتشعر بأن روحك قد شفت، وأن الكون صفاء، وأن الذى كنت تبحث عنه موجود فى قلبك. فى الختام .. يقول النفرى: «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة». لمزيد من مقالات محمد حسين;