بعد ان انهى مجلس النواب مناقشاته لمواد مشروع قانون الاستثمار الجديد منذ الأحد الموافق 7 مايو، وبعد أن عقدت جلسات لجان المجلس النوعية حتى بلغت ستة عشر اجتماعاً، وبعد أن أعدت تقاريرها المشتركة الثلاثة عشر، أجرى النواب خلالها تعديلات جوهرية على المشروع المقدم من الحكومة، بين الحذف والتعديل والإضافة بلغت نسبة التعديل وحدها 70%، على حد تصريح وزير شئون مجلس النواب، وبدا مشروع القانون الأخير وكأنه مشروع جديد، غير ذلك الذى ناقشه مجلس الوزراء من قبل، فجر خلافاً بين الوزراء أمام مجلس النواب، حتى اعتبر البعض أن مشروع الحكومة قد أجريت له عملية جراحية كبيرة، أسفرت عن مواد القانون فى النهاية 92 مادة، بخلاف مواد الإصدار، لكن المهم أن معظم مواد القانون احالت الى لائحة تنفيذية، لبيان شروط وأحكام وقواعد وضمانات تنفيذ أحكامه، ولم تسلم مادة اصدار اللائحة التنفيذية من النقاش والمداولة، حتى انتهت الى أن الذى يصدرها رئيس الوزراء بناء على عرض الوزير المختص وموافقة مجلس الوزراء. وكان قسم التشريع بمجلس الدولة من قبل قد راجع المشروع المقدم من الحكومة بتاريخ 2 يناير 2017، وأبدى عليه إحدى وعشرين ملاحظة تتعلق كلها بالمشروعية وحسن الصياغة القانونية، وبعث بها الى الحكومة وقبل مناقشته حيث كانت مواد المشروع وقتئذ 114 مادة، بخلاف مواد الإصدار. والسؤال المطروح على مجلس النواب الآن وعليه أن يتأمله ويجيب عنه، هل سيعيد عرض المشروع النهائى على مجلس الدولة قبل إصداره، استناداً الى اختصاصه بالمادة 190 من الدستور، وكذلك المادة 175 – 339 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب بعد التعديلات التى أدخلت عليه والموافقة النهائية، واذا لم يكن كذلك، فكيف تمت الموافقة النهائية رغم كل التعديلات، ولم يتم احالتها الى مجلس الدولة بعد تلك التعديلات التى طرأت عليه أثناء المناقشة وبما قد يؤثر على مشروعية القانون ذاته !! والسؤال الآخر يخص إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار، وقد استقر الأمر أخيراً على أن يصدرها رئيس مجلس الوزراء خلال تسعين يوماً من تاريخ العمل بالقانون، بناء على عرض الوزير المختص، وموافقة مجلس الوزراء، وبما لا يتعارض مع أحكامه !! وأهمية اللائحة أن من يطالع مشروع القانون، يجد أنه قد جمع خمسة أبواب، وقد ورد فى كل باب من الأبواب الخمسة مواد عديدة تحيل الى اللائحة التنفيذية، بصيغ مختلفة " وفقاً لما تحدده اللائحة، " وفقاً لما تضعه اللائحة من ضوابط وقواعد " وفقاً للضوابط المنظمة التى تضعها اللائحة التنفيذية، وتؤكد كل هذه الصيغ، أن معظم مواد القانون قد احالت الى اللائحة التنفيذية لوضع شروط وإجراءات تنفيذها، وان الإحالة قد تمت فى مواد ذات أهمية قصوي، بدءاً من تحديد سياسة الاستثمار والخريطة الاستثمارية ومكاتب الاعتماد وإقامة المشروعات داخل المناطق الاستثمارية والمناطق الحرة، وضمانات وحوافز الاستثمار، وتخصيص العقارات والأراضي، ومقابل الانتفاع وغيرها من الأحكام الأساسية للقانون.. وقد بلغ عدد المواد التى أحالت تطبيقها الى اللائحة التنفيذية، فى البابيْن الأول والثانى فقط نحو 50٪ من مواده، كما بلغت مواد الباب الثالث ال 50 مادة، احالت معظمها الى اللائحة التنفيذية بنسبة 40%، أما الباب الرابع فقد احال مواده الى اللائحة التنفيذية فى عدد من المواد بلغت 40%، كذلك الباب الخامس بلغت نسبة مواد الإحالة نحو 33%، أى أن اجمالى عدد مواد القانون التى إحالت صراحة الى أحكام اللائحة التنفيذية قد بلغت نحو 45% من مواد القانون ذاته، لتضع لائحة الاستثمار أحكام وشروط تطبيق القانون بما جمعه من أحكام ومواد جديدة وجوهرية. والذى يلفت النظر أن لائحة الاستثمار المزمع اصدارها بمعرفة رئيس مجلس الوزراء، سوف تحدد كيفية تنفيذ مواد القانون والأحكام والشروط اللازمة لتطبيقها، ووضعها موضع التنفيذ ، ومن الطبيعى أن تجمع التفصيلات والشروط والأحكام والإجراءات.. بما لا يخالف مواد القانون ولأن الشيطان دائماً يسكن التفاصيل، بما يخشى معه، ان تصدر مواد اللائحة بما يعطل أو يزيد من الإجراءات والروتين، أو يجعل من مواد وأحكام القانون فى خبر كان.. ويصل بنا فى النهاية الى اهدار فلسفته وحكمة اصداره، أو يضع من العراقيل ما يعوق تنفيذه ويجعل التطبيق صعباً وربما مستحيلا!! وعلى العكس قد تأتى لائحة الاستثمار مفصلة وميسرة وهادية الى الطريق.. فأى الطريقين سوف تتبعه اللائحة !! ويتصل بهذا المعنى أن اللائحة ذاتها تحمل طابعاً تشريعياً، وهى بهذا الوصف يجب أن تعرض على مجلس الدولة للمراجعة، رغم أن الحكومة هى فى الأصل التى تصدرها عملاً بنص المادة 170 من الدستور، ولا تلتزم الحكومة بعرضها على مجلس النواب، ومع ذلك قالت لنا الحكومة، بعد ن هنأت مصر بالانتهاء من القانون وتدفق الاستثمارات الضخمة، صرحت وزيرة الاستثمار بأنها سوف تعرض اللائحة على مجلس النواب.. الأمر الذى قد تتعرض معه أيضاً الى ولادة متعثرة أو جراحة معقدة.. قد لا تمنحها الحياة بسهولة أو بسرعة !! ولهذا فإن أمام مجلس النواب تحديد موقفه بشأن الإحالة الى مجلس الدولة والموافقة النهائية على المشروع، كما ان أمام الحكومة جهد كبير فى إعداد اللائحة التنفيذية بفطنة وذكاء وخبرة، ترسخ فيها لفلسفة القانون وحكمته، وتعمل على التيسير وسرعة القضاء على الروتين.. وأن يتفق الوزراء على كلمه سواء، بعيداً عن الخلاف أو التردد أو الصراعات.. خاصة أن مواد لائحة الاستثمار.. قد أحيل اليها فى معظم مواد القانون، لبيان شروط وضوابط تنفيذ أحكامه التى نصت على التيسيرات والضمانات وشروط تخصيص الأراضى أو الرسوم للحصول على خدمات الاستثمار، ومكاتب الاعتماد.. حتى النماذج والطلبات والاجراءات.. والمسئولية المجتمعية للاستثمار، الأمر الذى يضاعف مسئولية الحكومة عند إعداد لائحة الاستثمار واصدارها باعتبار أن الحكومة وحدها هى صاحبة السلطة.. وتبعاً فهى المسئولة أمام المجتمع عن التيسير والتسهيل، وتحقيق التنمية فى كافة المجالات وعلى القمة منها مجالات الاستثمار. لمزيد من مقالات د . شوقى السيد