استكمالا لما تناولناه فى المقال السابق والخاص بضرورة العمل على استكمال البنية الاساسية اللازمة لتعزيز التعامل المصرفى بدلا من التعامل النقودى والتى اشرنا فيها الى عدم نجاح الجهاز المصرفى حتى الآن، فى تقديم الخدمات المصرفية المطلوبة فى الريف والقري، ولا الوجود بالقرب منهم وفى أماكن يسهل الوصول اليها، وهى القضية التى يجب ان ننشغل بها جميعا لوضع اليات ووسائل لتشجيع البنوك على فتح المزيد من الفروع فى الريف والقرى. وهنا تجدر الاشارة الى انه وعلى الرغم من توسع البنوك فى انشاء العديد من الفروع والتى وصلت فى نهاية يونيو 2015 الى 2747 فرعا (منها 1130 فرعا لبنوك القطاع العام و1617 فرعا لبنوك القطاع الخاص) الا انها مازالت لا تتناسب مع عدد السكان من جهة وايضا تعانى من مشكلة التركز، اما فى القاهرة الكبرى او بعض المحافظات الحضرية وفى مدن هذه المحافظات لم تحقق الانتشار المصرفى المطلوب فى كافة مدن وقرى مصر ( اذ تستحوذ القاهرة على نحو 32% من الفروع، بينما عدد سكانها يمثلون 10.5% من اجمالى السكان، وكذلك الإسكندرية تستحوذ على 10% من الفروع مقابل 5.4% من السكان والجيزة 13.5% من الفروع مقابل 8.6% من السكان، وعلى النقيض من ذلك تستحوذ محافظة قنا على 1.7% من الفروع، بينما يسكن بها نحو3.5% من السكان ونفس القول على سوهاج والتى يوجد بها 2.2 % من الفروع مقابل 5.3% من السكان، والبحيرة 2.2% من الفروع مقابل 6.6% من السكان) وبالتالى مازالت البنوك غير قادرة على خدمة المواطنين العاديين والفلاح البسيط ، ولم تقم الا بمبادرات محدودة للغاية لاجتذاب هذه الأموال. وهى مسألة مهمة وضرورية فى ضوء انسداد شرايين الاستثمار فى هذه المناطق اذ ان الحكومات المتعاقبة لم تتمكن من إيجاد كيانات استثمارية مناسبة تتمكن من جذب هذه الأموال، فعلى الرغم من الحديث المعاد والمكرر حول تشجيع المشروعات الصغيرة الا انها لم تتحول بعد الى سياسات محددة ، كما انها، وهذا هو الأهم، لم تتجه الى هذه المناطق ومازالت معظم السياسات والإجراءات المطبقة حتى الآن تركز على القاهرة الكبرى وبعض المدن ، وللأسف فقد اسهم الصندوق الاجتماعى بشدة فى هذه الظاهرة ويكفى اطلالة سريعة على التوزيع الجغرافى للمشروعات التى يقوم بتمويلها لنتحقق من ذلك. فضلا عن ارتفاع نطاق القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد والمجتمع. اذ ان المسألة ببساطة تكمن فى كيفية تنظيم وترشيد تدفق المدخرات المالية لدى القطاع العائلى وجذبها داخل دولاب الاقتصاد القومي، وهو ما يتطلب تحقيق مصلحتين الأولى مصلحة الافراد فى الحصول على العائد المناسب من استثمار هذه الأموال، والثانية ضمان حسن استخدام هذه الموارد بما يعود بالنفع على المجتمع حيث يسهم فى توسيع القاعدة الإنتاجية. وهو الدور الذى كان يجب ان يقوم به الجهاز المصرفى من جانب وسوق المال والصندوق الاجتماعى للتنمية من جانب آخر، باعتبارهم الوسائل الأساسية لتحقيق الأهداف المشار اليها أنفا، ولكنها لم تتحقق او على الأقل لم تتحقق بالقدر الكافي.ويكفى للتدليل على ذلك النظر فى هيكل المودعين فى شركات توظيف الاموال حيث نلحظ ان معظمهم من قرى صعيد مصر والتى لا يوجد بها أى فرع او نشاط لأى بنك من البنوك العاملة فى مصر. كل هذه العوامل وغيرها أدت الى هروب الافراد من الجهاز المصرفى والذى فشل حتى الآن، على الاقل، فى تغذية الروح الادخارية لدى المواطن العادي. وذلك نظرا لتعقيدات المعاملات البنكية او لسيادة انطباع لدى البعض بسوء المعاملة وتكلفتها. لذا نقترح ان يتم العمل على عدة محاور يأتى على رأسها إيجاد المشروعات الاستثمارية التى تتناسب مع دخول متوسطى وصغار المواطنين وقد بدأت تلوح فى الافق بوادر إدراك الحكومة لهذه المشكلة والتحرك الإيجابى للتعامل معها ففى اطار سعيها نحو التحرك لحل هذه المشكلات أعلنت الحكومة عن العديد من المشروعات الجديدة بهدف دعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وهو هدف نبيل نتمنى ان يتحقق عبر تلافى الأخطاء السابقة، بحيث تذهب الى المناطق البعيدة فى الريف المصري، على الجانب الاخر بدأت الحكومة فى التحرك تجاه تعميم حصول موظفى الجهاز الإدارى للدولة على مرتباتهم عن طريق بطاقات الدفع الألى حيث وصل إجمالى من يحصلون على مرتباتهم عن هذا الطريق الى نحو 1.4 مليون موظف ناهيك عن صدور نحو 1.2 مليون بطاقة اخرى فى طريقها الى التنفيذ ولكن هذه العملية مازالت تعانى من عدم وجود الشبكة الإلكترونية المطلوبة لخدمة هؤلاء خاصة فى الريف المصري. يضاف الى ذلك صدور قرار وزير المالية رقم 117 لسنة 2015 والقاضى بان يكون اداء الضريبة المستحقة على شركات الاموال والاشخاص الاعتبارية بإحدى وسائل الدفع الإلكترونية التى تتيحها البنوك، الامر الذى أسهم كثيرا فى تعزيز هذه المسألة وتشير الاحصاءات الى انه تم تحصيل نحو 60% من الضرائب المستحقة حتى نهاية يناير الماضى الكترونيا. وعلى الجانب الآخر زاد عدد بطاقات الائتمان من 1.7 مليون بطاقة بنهاية يونية 2010 الى 2.3 مليون بطاقة فى نهاية يونية 2014، ثم الى 3.8 مليون فى نهاية يونيو 2016. وارتفع عدد ماكينات الدفع .الالكترونية من 4507 ماكينات الى 6870 و9031 ماكينة خلال نفس الفترة رغم الاجراءات العديدة التى يقوم بها الجهاز المصرفي، الا ان الطريق مازال طويلا وشاقا لتحويل المجتمع الى التعاملات المصرفية، ويحتاج الى تضافر الجهود بغية تغيير العادات السائدة، وكذلك قيام البنوك بتوسيع دائرة الاهتمام لتشمل جميع قرى ومدن مصر مع ازالة العقبات امام تسهيل المعاملات، وعلى الحكومة العمل على اصدار التشريعات التى تحول دون انتشار المعاملات النقودية، وتؤدى الى تعزيز المعاملات المصرفية، مما يساعد على تعزيز الثقة فى الجهاز المصرفي. كذلك أصبح من الضرورى قيام الجهاز المصرفى بدوره فى تعبئة المدخرات وتطويره بحيث يصبح أكثر قدرة على جذب المدخرات، خاصة فى الريف المصري، وتوظيفها التوظيف الأمثل. وتشجيع التعاملات المصرفية، وزيادة رقعة الجهاز المالى والمصرفى المنظم فى الاقتصاد القومى مما يؤدى فى النهاية إلى الحد من التعاملات النقدية غير المنظمة. لمزيد من مقالات عبدالفتاح الجبالى