أسعار اللحوم والدواجن اليوم 16 مايو    3 نصائح من الأرصاد لطقس اليوم.. تحذير من موجة حر شديد    ترامب عن بايدن بعد تعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل: متخلف عقليا    فصائل عراقية تعلن استهداف مصفى حيفا النفطي بالمسيرات    استقرار أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي في أمريكا    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    تراجع الوفيات بسبب جرعات المخدرات الزائدة لأول مرة في الولايات المتحدة منذ الجائحة    "في الخلاط" حضري أحلى جاتو    طريقة طهي الكبدة بطريقة صحيحة: الفن في التحضير    4 شهداء جراء استهداف الاحتلال منزلًا لعائلة "الحلقاوي" وسط رفح الفلسطينية    هدى الإتربي تفاجئ جمهورها بإطلالتها في مهرجان كان (صور)    رضا عبد العال: «حسام حسن كان عاوز يفوز بكأس عاصمة مصر عشان يستبعد محمد صلاح»    رئيس تتارستان: 20 مليون مسلم داخل روسيا ولدينا خبرات فى تشييد الطائرات والسفن    فوائد تعلم القراءة السريعة    قدم الآن.. خطوات التقديم في مسابقة وزارة التربية والتعليم لتعيين 18 ألف معلم (رابط مباشر)    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟ أمين الفتوى بجيب    نشرة التوك شو| :تفاصيل تخفيض قيمة التصالح حال السداد الفوري وأسباب تراجع سعر الدولار في البنوك    ارتفاع حصيلة العدوان على مدينة طولكرم بالضفة الغربية إلى 3 شهداء    «بسمة».. فريسة نوبات الغضب    رسميا.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya جميع الشعب مباشر الآن في محافظة القليوبية    أختي تعاني من انهيار عصبي.. شقيقة ضحية أوبر تكشف آخر تطورات القضية    بعد 40 يوما من دفنها، شقيقان وراء مقتل والدتهما بالدقهلية، والسر الزواج العرفي    الرئيس السيسى يصل البحرين ويلتقى الملك حمد بن عيسى ويعقد لقاءات غدًا    وزير النقل يكشف موعد افتتاح محطة قطارات الصعيد الجديدة- فيديو    بقيادة الملك الغاضب أليجري.. يوفنتوس يتوج بلقب كأس إيطاليا على حساب أتالانتا    حظك اليوم برج العذراء الخميس 16-5-2024 مهنيا وعاطفيا    تين هاج: لا نفكر في نهائي كأس الاتحاد ضد مانشستر سيتي    رئيس الترجي يستقبل بعثة الأهلي في مطار قرطاج    ماذا قال نجل الوزير السابق هشام عرفات في نعي والده؟    موعد مباريات اليوم الخميس 16 مايو 2024| انفوجراف    طلعت فهمي: حكام العرب يحاولون تكرار نكبة فلسطين و"الطوفان" حطم أحلامهم    4 سيارات لإخماد النيران.. حريق هائل يلتهم عدة محال داخل عقار في الدقهلية    طريقة عمل الدجاج المشوي بالفرن "زي المطاعم"    منها البتر والفشل الكلوي، 4 مضاعفات خطرة بسبب إهمال علاج مرض السكر    أسما إبراهيم تعلن حصولها على الإقامة الذهبية من دولة الإمارات    الدوري الفرنسي.. فوز صعب لباريس سان جيرمان.. وسقوط مارسيليا    كم متبقي على عيد الأضحى 2024؟    مباشر الآن.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya في محافظة القليوبية    «البحوث الفلكية» يعلن عن حدوث ظاهرة تُرى في مصر 2024    سعر الفراخ البيضاء وكرتونة البيض بالأسواق فى ختام الأسبوع الخميس 16 مايو 2024    قمة البحرين: وزير الخارجية البحرينى يبحث مع مبعوث الرئيس الروسى التعاون وجهود وقف إطلاق النار بغزة    عاجل - الاحنلال يداهم عددا من محلات الصرافة بمختلف المدن والبلدات في الضفة الغربية    «فوزي» يناشد أطباء الإسكندرية: عند الاستدعاء للنيابة يجب أن تكون بحضور محامي النقابة    كامل الوزير يعلن موعد تشغيل القطار الكهربائي السريع    هولندا تختار الأقصر لفعاليات احتفالات عيد ملكها    رئيس تعليم الكبار يشارك لقاء "كونفينتيا 7 إطار مراكش" بجامعة المنصورة    شريف عبد المنعم: مواجهة الترجي تحتاج لتركيز كبير.. والأهلي يعرف كيفية التحضير للنهائيات    «الخامس عشر».. يوفنتوس يحرز لقب كأس إيطاليا على حساب أتالانتا (فيديو)    تعرف على رسوم تجديد الإقامة في السعودية 2024    قصور الثقافة تطلق عددا من الأنشطة الصيفية لأطفال الغربية    ماجدة خير الله : منى زكي وضعت نفسها في تحدي لتقديم شخصية أم كلثوم ومش هتنجح (فيديو)    حسن شاكوش يقترب من المليون بمهرجان "عن جيلو"    سعر الزيت والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الخميس 16 مايو 2024    وزير التعليم العالي ينعى الدكتور هشام عرفات    انطلاق معسكر أبو بكر الصديق التثقيفي بالإسكندرية للأئمة والواعظات    هل الحج بالتقسيط حلال؟.. «دار الإفتاء» توضح    ب عروض مسرحية وأغاني بلغة الإشارة.. افتتاح مركز خدمات ذوي الإعاقة بجامعة جنوب الوادي    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيدة من الصعيد
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 05 - 2017

عندما توجهت إلى الأقصر مكلفا بأن أكون محافظا لها، أتولى جميع شئونها كنت على ثقة من أن خبراتى المتراكمة عبر السنين فى كل ما توليت من وظائف، أو ما كُلفت به من مناصب، فضلا عن الأماكن التى عشت فيها والأحداث التى عاصرتها سوف يعينانى على فهم طبيعة صعيد مصر وثقافة سكانه وعاداتهم وتقاليدهم.
إلا أنه بعد فترة ليست طويلة أدركت أننا، سكان العاصمة بعيدون كل البعد، عن طبيعة تلك المنطقة وأن معلوماتنا عنها مستقاة مما يظهر فى الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية وهو ما لا يفى تلك المنطقة حقها من فهم تفاصيلها، والإطلاع على جميع إيجابياتها.
كان من أهم الظواهر التى تعرفت عليها، خلال فترة وجودى بالأقصر، هى المرأة الصعيدية، اقتربت من دورها العظيم فى حياة أبناء الصعيد فوجدتها محور تلك الحياة وشريانها.
من النظرة الأولى للطبيعة الجغرافية لصعيد مصر أو «مصر العليا» إذا عرفتّها بتدفق نهر النيل تعرف أنها منطقة غير جاذبة للسكان لارتفاع درجات الحرارة بها، فضلا عن امتداد ظهيرها الصحراوى إذ تزحف الجبال على رقعتها المساحية، مهاجمة وادى النيل، ومحددة لمساحة الوادى الأخضر فتندر فيها الاستثمارات، وتقل بالتالى فرص العمل المتاحة لأبنائها. وهو ما شكّل العديد من عادات هذه المنطقة.
فتجد الشاب بمجرد حصوله على قدر معين من التعليم يتزوج ثم يتوجه للبحث عن لقمة العيش إما فى القاهرة أو المدن المصرية الكبيرة، وإما فى دول الخليج العربى أو ليبيا وهو ما يتحدد فى معظم الأوقات بوجود أقرباء له سبقوه إلى هناك يسدون له النصح، ويعينونه على البحث عن وظيفة اعتمادا على ما كونوه من خبرات فى مناطق عملهم فيتوجه حيث نصحوه تاركا خلفه الزوجة والأهل.
وهنا يبرز الدور العظيم الذى تلعبه المرأة فى الصعيد، فبينما زوجها يجتهد للحصول على الرزق، تجدها هى تصارع الحياة فى تربية الأبناء، ورعاية شئونهم وغرس القيم والتقاليد فى وجدانهم، من وفاء وشهامة وعزة نفس ويمتد دورها لرعاية أهل الزوج، لا تفرق بينهما وبين ما تقوم به من رعاية والديها ومع تيسر حال الزوج، تجدها مشرفة على بناء البيت الجديد، وتحويله من طوب طفلى إلى بناء جديد مسلح تفعل كل هذا دونما كلل أو ملل متقنة جميع ما تقوم به من أعمال، بالرغم من عدم حصول معظمهن على أى قدر من التعليم فتجدها بذلك عماد الأسرة وقلبها النابض. جمعتنى الأقصر بمواقف عدة مع المرأة الصعيدية مازالت كلها عالقة فى ذاكرتي، ولكن ما لا أنساه أبداّ هو ذلك الموقف الذى حدث بعد شهور قليلة من تولى مسئولية المحافظة إذ كانت خطة التطوير الموضوعة والمقررة لها تقضى بإخلاء إحدى المناطق العشوائية، ونقل سكانها إلى منطقة ملاصقة من أجل إقامة مشروع تنموى جديد، وذهبت إلى تلك القرية الصغيرة، لأتواصل مع سكانها، وأشرح لهم المطلوب، وأطلعهم على أهمية ذلك المشروع الجديد وتقبل الأهالى الموقف، وتعاونوا مع المحافظة حتى تم بالفعل الانتهاء من بناء مساكن جديدة بسيطة، وانتقل إليها أهالى المنطقة. وبعد البدء فى المشروع التنموى المشار إليه فوجئت بالجهة المنفذة تطلب إجراء توسعة جديدة لإنشاء محول كهربائي، وهو ما يتطلب إزاحة المبانى مرة أخرى وبالرغم من صعوبة الموقف إلا أن أهمية إنشاء هذا المحول دفعتنى لأن ألتقى بالأهالي، مرة أخرى فتوجهت إلى القرية، ودعوت رجالها لأشرح لهم تطور الموقف، مع وعد بأن تتكفل المحافظة بجميع تكاليف البناء الجديدة، وأن تكون تلك المنازل الجديدة من المسلح، وهو ما يعد حافزاً وميزة لأهالى هذه القرية الصغيرة ودخل الأهالى إلى منازلهم للتشاور مع باقى أفراد أسرهم وطالت مدة غيابهم، فأرسلت فى استعجالهم، لمعرفة مطالبهم. وهنا خرجت لى سيدة مسنة... تتوكأ على عصاها ... ملابسها سوداء ... وتغطى رأسها بذات الربطة المميزة لأهالى الصعيد ... تقدمت نحوى بخطى بطيئة ... وبالرغم من تقدم سنها، واعتلاء ملامحها لخطوط الزمن ... إلا أننى ميزت فى عينيها نظرة ثاقبة، قوية. تقدمت نحوى قائلة بلكنتها الصعيدية «أنت الريس بتاعنا هنا؟»، فأجبتها «نعم» ... فاستطردت قائلة «مش طلبت منا من أشهر قليلة أن ننتقل إلى هنا؟»، فأيدت كلامها ... فأكملت قائلة «بتغير كلامك ليه دولجت؟»، فشرحت لها أن التغيير طرأ عند البدء فى التنفيذ، وبطلب من الجهة المنفذة ... فقالت لى «الريس لما يتكلم تبقى كلمته واحدة ... أنا مش همشى من هنا ... لو عاوزنى أمشى يبقى هات البلدوزرات تعد البيت عليّ» ... وهنا انزعج، جميع من حولى من رجال المحافظة، وحتى من بعض الأهالى ... وعلت الهمهمات ... فلم يسكتها إلا صوتى وأنا أجيبها «حاضر يا حاجة».
استقليت سيارتي، وغادرت المكان ... ولم تكن إلا ساعة، حتى حضر أبناؤها، وعدد من أحفادها، إلى مكتبى فى ديوان عام المحافظة، للاعتذار عما بدر من «العمة»، مفسرين سكوتهم فى ذلك الموقف، بأنها من ربت ... ومن علمت ... ومن حملت الهم ... حتى كبروا وأصبحوا «رجالا بشنبات»، على حد تعبيرهم، بل إنها من ربت حتى الأحفاد ... فلا يجرؤ أحدهم على الاعتراض على أى من أفعالها. إلا أن نظرتى للأمر كانت مختلفة تماماً ... فالحقيقة أننى لم أر سبباً لاعتذارهم ... فالعمة لم يبدر منها ما يسىء إليّ، على النقيض من ذلك، فأنا أراها محقة فى كل ما قالت ... بل إننى احترمت شموخها وكبرياءها ووجهة نظرها. وعليه فقد راجعت جهة التنفيذ، وطلبت منهم البحث عن بدائل لإنشاء محول الكهرباء، حتى لا نضطر لنقل الأهالى مرة أخرى.
مر عام بعد هذا الموقف، وانتقلت «العمة» العظيمة إلى جوار ربها... وعند خروجى من العزاء، التف حولى عدد من أبنائها، ليؤكدوا لى تقديرهم لرد فعلى منذ عام، وعلى أنهم على استعداد لنقل المنزل بدءا من يوم غد. فشكرتهم على مبادرتهم، إلا أننى رفضت ... ففضلاً عن اقتناعى بوجهة نظرها، حينئذ، فقد أردت أن أبقى على عهدى معها، حتى بعد رحيلها.
ومازالت ذكرى تلك «العمّة» بنظراتها الثاقبة ... وقوة شخصيتها... واحترام ابنائها وأحفادها لها... تمثل، فى ذهني، رمزاً لشموخ المرأة المصرية والصعيدية.
لمزيد من مقالات د. سمير فرج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.