انتخابات رئاسة الجمهورية فى إيران لها خصائص فريدة، لأن رئيس الجمهورية ليس الرجل الأول فى إيران، ورغم أن الدستور ينص على أنه الرجل الثانى فى النظام، إلا أن قاعدة المحورية التى يقوم عليها النظام كثيرا ما لا تسمح لرئيس الجمهورية بأن يكون الرجل الثاني، ذلك أن المحورية تشبه المغناطيس الذى يجذب إليه المعادن، وتختلف درجات الجذب حسب الإمكانات الشخصية والمادية والمعنوية، خاصة خلال ظروف حادة يتعرض لها النظام. والنظام الإيرانى الآن يواجه مثل هذه الظروف الحادة، فهناك صراع قاس بين اتجاهين أحدهما يريد الانغلاق فى وجه النظام العالمي، والآخر يريد الانفتاح عليه. وما يزيد الموقف تعقيدا هو أن قواعد اللعبة تقتضى أن يكون الاتجاهان تحت مظلة ولاية الفقيه، وعادة ما يبدى الفقيه ميلا لأحد الاتجاهين. لكن هناك رغبة لدى الجميع فى إيران تتعلق بإحداث تغيير فى السلطة التنفيذية، سواء من يؤيدون حسن روحانى وحكومته، أو من يبحثون عن بديل تتمثل فيه الشروط التى وضعها الزعيم فى خطابه السياسي، حيث قام بأمرين، الأول هو تعيينه حجة الإسلام والمسلمين سيد إبراهيم رئيسى مديرا لأوقاف الإمام على الرضا فى مشهد، والذى قام بإدارة هذا الموقع الثرى وفق توجيهات الزعيم خامنئى على أكمل وجه، ثم سمح له بترشيح نفسه فى انتخابات رئاسة الجمهورية، وقد كان رئيسى رافضا التخلى عن منصبه عندما طلبت منه قيادات الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية أن يكون مرشحها فى هذه الانتخابات، وعندما أعلن ترشيح نفسه، أكد أنه رشح نفسه مستقلا وليس ممثلا لأيه جبهة. الأمر الثانى أن الزعيم أوصى الرئيس السابق أحمدى نجاد بعدم ترشيح نفسه، لأن هذا الترشيح ليس من المصلحة. ولما رشح أحمدى نجاد نفسه مخالفا لوصية الزعيم انعكس هذا على قرار مجلس الرقابة على القوانين برفض صلاحيته. كذلك أكد الزعيم للرئيس حسن روحاني، عند استشارته له حول موقفه الانتخابي، أنه سوف يؤيد من يحظى بأكبر عدد من أصوات الناخبين. فى هذه الأوضاع المتضاربة على الساحة السياسية يرى المحللون السياسيون ترجيح أن يكون حجة الإسلام والمسلمين سيد إبراهيم رئيسى هو المرشح الأساسى للأصوليين بدعم من الزعيم، مع اعتقاد الإصلاحيين والمعتدلين فى قدرة حسن روحانى على هزيمته. ومن الواضح أن إبراهيم رئيسى يعمل جاهدا على تحسين صورته أمام الرأى العام، ويبدى بعض المرونة تجاه بعض القضايا، مؤكدا أنه مرشح جميع الناس، وأنه ملتزم بالقانون، وبالإدارة الشاملة، والاستفادة من جميع الطاقات فى حل المشكلات، مع إمكانية التغيير والتطور فى الظروف الراهنة، وأنه عمل فى الإدارة منذ ثلاثة عقود، ويعرف أوضاع البلاد، ويعرف العلل، ويمكن إصلاح كثير من البنى، وإن العزة والحكمة والمصلحة تقتضى التعامل مع كل القوى الدولية من منطق العزة، ما عدا النظام الصهيوني، مع الاستفادة من تجارب سائر الشعوب. ويؤكد كثير من المحللين السياسيين أن المنافسة على كرسى الرئاسة سوف تنحصر بين حسن روحانى وإبراهيم رئيسي، ويرى الاصلاحيون أن ترشيح إبراهيم رئيسى كان مخططا له من قبل. لقد استقر رأى مجلس الرقابة على القوانين على اختيار ستة مرشحين للتنافس فى انتخابات رئاسة الجمهورية، وهم: حسن روحانى وإبراهيم رئيسى ومحمد باقر قاليباف واسحاق جهانكيرى ومصطفى هاشمى طبا ومصطفى مير سليم، وبذلك يكون قد اختار ثلاثة أصوليين فى مواجهة ثلاثة من المعتدلين والإصلاحيين، ورفض صلاحية معسكر أحمدى نجاد كله، والغريب أن ينعقد مجلس الرقابة على القوانين فى الحوزة الدينية فى قم، بحجة الإسراع فى إعلان النتيجة، وهو ما يعنى تأكيد دعم علماء الحوزة الدينية لقرار المجلس، ومن خلال استشارتهم فى موقف بعض القيادات، وهو السبب الرئيسى فى رفض صلاحيات أحمدى نجاد. إن قرار مجلس الرقابة على القوانين برفض صلاحية أحمدى نجاد يشير إلى أمرين أساسيين، هما: الخوف من شعبية أحمدى نجاد التى يمكن أن تقلب الموازين، والثانى دعم خامنئى زعيم النظام الذى نصح أحمدى نجاد بعدم ترشيح نفسه، لأن ترشحه ليس من المصلحة، فاعتبر المجلس مخالفة أحمدى نجاد للنصيحة خروجا على خط الولى الفقيه. لقد اختار إبراهيم رئيسى فى حملته الانتخابية عددا من أنصار الرئيس السابق أحمدى نجاد، وأكد أنه سيدعم مشروعات كان أحمدى نجاد قد بدأها، مثل الدعم النقدى للمواطنين ومساكن المحبة التى جعلت لأحمدى نجاد شعبية جارفة، ولاشك فى أن هذا الاختيار مقصود، وهو ما يؤكد توجه الاستفادة من تيار أحمدى نجاد. ويمثل حسن روحانى واسحاق جهانكيرى ضلعى المعتدلين والإصلاحيين، فى حين يمثل مصطفى مير سليم المحافظين التقليديين، ومن الواضح أن هذا الجناح لم ينزل الانتخابات ليكسب بقدر ما يعبر عن أنه مازال موجودا على الساحة، ويقف الأصوليون العمليون أو الجهاديون الذين ينتمون إلى سابقة عسكرية وراء محمد باقر قاليباف، أما الضلع الخامس وهو الأصوليون المجددون الثوريون فيقفون وراء إبراهيم رئيسي، أما المرشح هاشمى طبا من حزب كوادر البناء، فيبدو أن سيضطر للوقوف وحيدا أو يضطر لدعم روحاني. هكذا تتحول لعبة انتخابات الرئاسة من القطبية الثنائية الشكلية إلى صنع القطبية الثنائية، ولعل الهدف من إيجاد قطبين حقيقيين يكمن فى ثلاثة أمور، الأول تشجيع الأحزاب والجماعات الصامتة للاندماج مع أحد القطبين والاشتراك فى الانتخابات، ثانيها التأكيد على وجود قطب فى الإدارة وقطب معارض، وهو ما يترجم ديمقراطية النظام أمام أجهزة الإعلام الداخلية والخارجية، ثالثها إيجاد ازدواجية فى تعريف الخطاب السياسى لزعيم النظام. ربما يعتبر البعض أن ما قاله خامنئى حول دعم من سيحصل من المرشحين على أكبر أصوات الناخبين هو موقفه الحقيقى من المرشحين، لأنه سوف يستطيع التعامل مع أى منهم فى حالة فوزه، وإخضاعه لمسيرة النظام وفق توجيهاته. لكن لماذا زاد الاهتمام بالأمن أكثر، ولم طالب خطباء الجمعة بعدم التظاهر، ولم تأكيد كبار المراجع الدينيين أن مخالفة رأى مجلس الرقابة على القوانين إفساد فى الأرض، فهل يشك قادة النظام فى أن إبعاد أحمدى نجاد عن الساحة قد يثير المشاكل، فهل كان منعه لمصلحة النظام، وهو الأكثر كفاءة فى تحقيق الاقتصاد المقاوم التى يلح الزعيم على تطبيقها، بتجربته الاقتصادية الثورية لصالح البسطاء؟ أعتقد أن تداعياته سوف تجعل من أحمدى نجاد بطلا قوميا، إزاء تقدير الجماهير لسياساته المنصفة للشعب، وسوف تقلل من تقدير ولاية الفقيه. لمزيد من مقالات د. محمد السعيد عبد المؤمن;