تقرع الطبول منذرة بحرب مزلزلة وشيكة فى شبه الجزيرة الكورية، التى تشهد صراع ارادات ومصير بين الولاياتالمتحدةوكوريا الشمالية المتحصنة بقدراتها النووية والصاروخية غير المعلوم ابعادها وحدودها، وتصر على القاء قفاز التحدى فى وجه إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ومعها المجتمع الدولي، ولا تكف عن التأكيد أنها قادرة على رد الصاع صاعين لمَن يفكر فى المساس بها، حتى لو كانت أمريكاالعظمي. بطبيعة الحال هناك مؤشرات ترجح فى نظر الكثيرين احتمالية اندلاع الحرب الكورية الثانية فى اى ثانية الأولى جرت ما بين 1950 1953 ابتداء باستعراض بيونج يانج عضلاتها العسكرية السبت الماضي، وادلاء بعض قادتها بتصريحات نارية تحمل تهديدا ووعيدا لواشنطن ومَن يدعمها بأنهم سيواجهون عاصفة نووية لا قبل لهم بها، وانتهاء بدفع الولاياتالمتحدة بتعزيزات عسكرية، من بينها حاملة طائرات لشبه الجزيرة الكورية، ومهاجمتها قاعدة الشعيرات الجوية السورية، وتجربتها أم القنابل فى أفغانستان التى قيل إنها قد تستخدم لتدمير المواقع النووية والصاروخية لكوريا الشمالية الموجودة داخل انفاق تحت الأرض وفى الجبال. لكن وعلى الرغم من كل ما سبق، هل توجد نية وإرادة حقيقية لدى الأطراف المتنازعة لخوض حرب عالمية فى هذه البقعة الحيوية من عالمنا؟00 الجواب سيكون بالنفى استنادا إلى عدد من الوقائع والحيثيات نستهلها بمحاولة فهم دوافع كل طرف من وراء التصعيد والتزام جانب التشدد، بالنسبة لبيونج يانج فإنها تستريح فى تعاملاتها الدولية والإقليمية للغة التهديد والتلويح الدائم بأنها ليست الطرف الأضعف فى المعادلة، وأنه لابد على القاصى والدانى معاملتها كدولة كبري، فهى تطلب الندية ولا تحيد عنها، خصوصا مع الولاياتالمتحدة. فسلوكها الراهن ليس جديدًا، وان عدت للأزمات الناشبة فى شبه الجزيرة الكورية منذ تسعينيات القرن العشرين فسترى نفس السلوك ونفس اللهجة، وتعتقد كوريا الشمالية أن هذا السلوك يبنى لها حائط صد يحميها من مؤامرات ودسائس الكبار، ويوحد المواطنين خلف قيادتها، ومن السوابق الماضية ستعثر على سيناريو متكرر هو أن الخصوم يتراجعون خطوة للخلف عندما يجدون أنفسهم واقفين على الحافة. كذلك فان هذا السلوك يعكس الهاجس المسيطر على زعيم كوريا الشمالية الحالى كيم جونج أون ومن قبله والده كيم آل جونج بملاقاة مصير الرئيس العراقى الراحل صدم حسين، والعقيد الليبيى معمر القذافي، وخلال الغزو الأمريكى للعراق فى 2003 اختفى كيم آل جونج عن الأنظار لستة أسابيع متصلة، خشية أن تكون هناك محاولة أمريكية لاغتياله، وورث نجله عنه هذا الاعتقاد، لذلك فإنه يحاول دائما اظهار قوة بلاده العسكرية، وأنها لن تكون لقمة سائغة فى فم أمريكاوكوريا الجنوبية واليابان وهما الحليفان الأقرب والأهم للولايات المتحدة فى القارة الآسيوية. اما عن أمريكا فإن رئيسها ترامب يبعث عبر تشدده برسائل طمأنة لسول وطوكيو اللتين تشعران بقلق بالغ من تعاظم القدرات العسكرية غير التقليدية للشطر الشمالى من شبه الجزيرة الكورية، وكانت تساورهما الشكوك والظنون بأن الرئيس السابق باراك أوباما لم يكن حاسمًا بالشكل الكافى مع بيونج يانج، مما فتح أمامها المجال لمتابعة سياسة العناد والتحدى والعبث بالاستقرار والأمن فى شمال شرق آسيا، وأن ترامب قد جاء ليعيد الأمور إلى نصابها، ويُظهر العين الحمراء للحكومة الشيوعية فى بيونج يانج، وأن واشنطن لن تترك حلفاءها فى العراء، وأن سياسة الصبر الاستراتيجى التى اتبعها أوباما قد انتهت. كما أنها رسالة تهديد للصين وأنه عليها القيام بواجباتها والتزاماتها كقوة إقليمية ودولية لتحجيم انفلات ورعونة تصرفات كوريا الشمالية باعتبارها حليفا رئيسيا لها، وأن بكين لن تنفرد برسم خطوط التوازنات وموازين القوة فى آسيا، ويبدو أن الصين وصلتها الرسالة ولوحظ غياب الوفد الصينى عن العرض العسكرى الكورى الشمالى السبت الفائت، وهو ما فسر على أنه ورقة ضغط على القيادة الكورية الشمالية المدعوة للتجاوب مع المساعى المبذولة للتهدئة والجلوس على طاولة المفاوضات لتسوية الأزمة، بخلاف ظهور إشارات من الحكومة الصينية على استعدادها للمشاركة بإيجابية فى تنفيذ العقوبات الدولية المفروضة على بيونج يانج، بسبب أنشطتها النووية والصاروخية. الحائل الثانى لنشوب الحرب يرتبط بالفاتورة المتعين دفعها فورًا، عقب اطلاق الرصاصة الأولي، فكل تقديرات الموقف التى أعدتها الإدارات الأمريكية السابقة والحالية تؤكد أن مليون شخص على الأقل سيلقون حتفهم خلال الساعات الأولي، وأن سول عاصمة كوريا الجنوبية ستتحول لكتلة من النار، عندما تطلق كوريا الشمالية مدفعيتها الثقيلة المنتشرة على طول خط الهدنة الذى لا يبعد عن سول سوى 67 كم فقط، علاوة على أن بيونج يانج تحتفظ بخلايا نائمة داخل الشطر الجنوبى مهمتها القيام بعمليات تخريب للمنشآت الحيوية، مثل محطات الكهرباء والمياه والبنية التحيتة. من جهتها فإن كوريا الشمالية تدرك أنها إذا لجأت لاستخدام أسلحتها النووية فإنها ستكون أول المتضررين منها، نظرًا لضيق مساحة شبه الجزيرة الكورية، وعدم جاهزيتها لعلاج المصابين بالإشعاعات النووية، واحتواء الآثار البيئية الناتجة عنها، وان فكرت فى استغلال صواريخها الباليسيتة العابرة للقارات ضد المدن الأمريكية، التى لم تختبر بعد بالشكل الذى يؤكد فعاليتها، فإنها ستكون عرضة لضربات انتقامية تفقدها توازنها، وربما تعرضها لغزو أمريكي. الحائل الثالث أن الصين تقف حجر عثرة برفضها خيار القوة فى التعامل مع الأزمة الكورية، فهى بحكم وضعها كثانى أكبر قوة اقتصادية فى عالمنا تعلم علم اليقين أن الاقتصاد العالمى سيتعرض لهزة عنيفة عند نشوب الحرب، لا سيما أن منطقة النزاع تطل على ممرات بحرية حيوية تعبر من خلالها صادرات القوى الاقتصادية كاليابان ثالث أكبر اقتصاد وككوريا الجنوبية الاقتصاد ال 12 ويشارك الصين فى موقفها روسيا، ولن يغامر ترامب رجل الاعمال ب 520 مليار دولار هى حجم التبادل التجارى الأمريكى الصيني، و17 مليارا أخرى تشكل الاستثمارات المباشرة. إن قرار الحرب ليس سهلا ومخاطره اعلى بكثير من فوائده، خاصة فى الحالة الكورية. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي;