لم يكن باستطاعة النظام السابق وبقاياه أن يواجه الثورة والنظام الجديد الذي يتشكل وهو يقف من وراء ستار ومن ثم كان لابد أن يواجه بكل أدواته وبوجوه مكشوفة علها تحدث التأثير المطلوب في محاولة الفرصة الأخيرة للبقاء . .. نعم.. لا مؤاخذة علي اختلاف الرؤي والمواقف, ولكن المؤاخذة هنا هي علي تبدل الأثواب والمبادئ, فكم كان مشينا أن نجد دعاة الليبرالية والذين صدعوا رؤوسنا باحترام الديمقراطية يرفضون ما أتي به الصندوق ويشنون عليه حملات الاتهام والتشويه, وكم كان معيبا أن نشاهد دعاة الدولة المدنية أي غير العسكرية يخذلون الثوار في وقفتهم ضد عسكرة الدستور ويؤيدون الإعلان المكمل, وكم كان مخزيا وفاضحا أن نجد إعلاميين كانوا يلبسون ثياب المعارضة فإذا بهم واقفون مع بقايا النظام السابق يضللون الشعب و يشنون ثورة مضادة من وراء ستار, بل ووضع بعضهم نفسه مجندا لدي القوي المسيطرة كالمجلس العسكري لنجده يعلن قراراته قبل أن ينطقها السطور التالية تلقي الضوء علي هذه القضية.. نخبة موجهة الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة ورئيس لجنة التقييم الإعلامي يؤكد أن مصداقية الإعلامي رهن بعدم تغير وتبدل أدائه وآرائه ومواقفه من مرحلة زمنية لأخري, فعلي مدي السنوات الطويلة السابقة لاحظ الجمهور إتاحة الفرصة لعدد من الإعلاميين ليكونوا هم( النخبة) في كل مجالات العمل الإعلامي ل(توجيه) الرأي العام, وبالتالي فنحن بحاجة ماسة إلي صياغة جديدة تغير نمط وطبيعة العلاقة بين الإعلاميين والنظام السياسي في مصر تقوم علي المهنية واحترام إرادة الرأي العام. ويستنكر العالم عملية التحول المعيب والمريب التي حدثت من بعض الإعلاميين والتي تمثل شكلا من أشكال القفز علي عربة الفوز, مؤكدا أن كل مواطن يستطيع بالمقاطع المسجلة وبوسائل الإعلام الإليكتروني أن يقارن بين المواقف المتباينة لكل إعلامي لتنكشف الوجوه ولتسقط كل الأقنعة. ومن هذا المنطلق يطالب العالم المجتمع الإعلامي بتقنين ممارساته المهنية ذاتيا و داخليا للتطهير والرقابة علي كل ما يكتب ويقال. إعلام سلطوي أما الدكتور فاروق أبو زيد عميد كلية الإعلام بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فيري أن إعلامنا في ال30 سنة الماضية كان خليطا فجزء في يد السلطة متمثلا في الصحافة القومية واتحاد الإذاعة والتليفزيون يخدم إعلاميوها علي النظام وسياساته مع ترك مساحة محدودة للأقلام والأصوات المعارضة لمجرد التنفيس, وجزء في يد الأحزاب يخدم علي توجهاتها حسب علاقاتها التحتية مع السلطة, وجزء في يد القطاع الخاص يخدم علي أهداف رجال الأعمال وأجنداتهم وعلاقاتهم بالنظام ورجاله, وهو ما يحتم تغيير نمط الملكية في المرحلة المقبلة. أما إعلاميو الأحزاب وصحف وقنوات رجال الأعمال فيري أبو زيد أن تبدل مواقفهم يرجع إلي تبدل القناعات أو إلي غلبة لغة المصالح الذاتية والشخصية ولتذهب المصالح العليا للوطن إلي الجحيم, وهؤلاء يجب حسابهم ليس علي آرائهم وإنما علي تجاوزاتهم المهنية بتلوين الأخبار واختلاق الأكاذيب وتضليلهم الرأي العام وعقول المشاهدين خصوصا البسطاء. ثوار متحولون من جانبه أكد عمرو عبدالهادي المنسق العام لائتلاف الثائر الحق أن تطورات أحداث الثورة والمرحلة الانتقالية كانت كاشفة لحقيقة كل الوجوه في صفوف شباب الثورة أنفسهم ومدي إيمانهم بالمبادئ التي كانوا ينادون بها, حيث رصدنا قبول بعض المحسوبين علي شباب الثورة للتعيين في مجلس الشعب باختيار المجلس العسكري, كما وجدنا بعض أحزاب شباب الثورة تعلن تأييدها لمرشحين محسوبين علي النظام الفاسد, بل فوجئنا بأحد هؤلاء الأشخاص الذي كان يتلبس ثوب الداعية محفظ القرآن واختير في مجلس قيادة الثورة يرفض عزل من أسهموا أو سكتوا عن الفساد بل ويعلن قبوله لعسكرة الدولة بالإعلان المكمل وبلغت المأساة ذروتها بإعلانه تأييد الفريق شفيق ليسقط القناع كاملا. ويعبر عبدالهادي عن اندهاشه واستغرابه من موقف بعض الأحزاب والأدباء والإعلاميين والمفكرين الذين أوذوا في ظل النظام الفاسد ثم هم الآن يؤيدون عسكرة الدستور وكأن ما كان يحدث سابقا كان مجرد تمثيلية من أحزاب وشخصيات المعارضة الكرتونية التي كانت تابعة وكان ينبغي أن تكون متبوعة, مشيرا إلي أن أقنعة كل هؤلاء قد سقطت ولن يستطيعوا خداع الشعب مرة أخري. حمرة الخجل والكاتبة الصحفية سكينة فؤاد تتعجب من أن هؤلاء المتلونين لا يخجلون مما يفعلون برغم أننا في زمن كل ما فيه مسجل وموثق بالصوت والصورة!, إلا أنها واثقة من أن الشعب المصري الذي أسقط النظام الفاسد في عز سطوته قادر علي مواجهة هؤلاء المتحولين وإفشال مخططاتهم للوقيعة بين قوي الثورة وتشويهها بقلب الحقائق وافتعال الأزمات وتضخيمها. وتبدي فؤاد تفهمها واحترامها لاختلاف المواقف ووجهات النظر في حالة عدم وضوح الرؤية, إلا أننا أمام موقف واضح جدا و حدي في حياة المصريين بعد30 عاما من الظلم والقهر وتجريف الحقوق في الحياة سواء ما كشفت عنه الثورة ويمثل قمة جبل الجليد فقط أو ما لم يكشف عنه بعد وهو أكبر مما يتوقعه بشر, ومن ثم فلا مجال للحيدة عن الحق ويجب علي كل صاحب ضمير وطني وعلي الشعب أن يقاوم كل المخادعين غير المخلصين لهذا الوطن ومستقبل أهله. موضحة أن محاولة افتعال خلاف بين القوي الإسلامية وغيرها غير صحيحة فمبادئ الحرية والعدالة والمواطنة وحقوق الإنسان من صميم الإسلام وباقي الأديان فليصمت دعاة الفتنة وليخجل المتلونون.