أثارت الدعوة إلي تغيير نص المادة الثانية في الدستور, وحذف كلمة مبادئ( الشريعة) أو استبدالها بكلمة أحكام, جدلا واسعا في الأوساط السياسية, وسط تحذيرات من وقوع فتنة داخل المجتمع المصري حال إجراء مثل هذا التغيير. وطالب نجيب جبرائيل رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان ممثلي الكنائس الثلاث بالانسحاب فورا من تأسيسية الدستور في حالة الإصرار علي تغيير المادة الثانية بوضع كلمة الشريعة بدلا من كلمة مبادئ الشريعة الإسلامية التي كان قد اتفق عليها في وثيقة الأزهر دون تغيير أو تعديل. وحذر ممثلو الكنائس الثلاث في اللجنة التأسيسية لوضع الدستور من وضع كلمة الشريعة بدلا من مبادئ الشريعة كمصدر للشريع التي تحاول بعض التيارات الإسلامية فرضها بالقوة لإصباغ الدستور بصبغة دينية بحتة. وقال جبرائيل إن كلمة الشريعة تعني جميع الأحكام والمبادئ والفقه ومعني ذلك تطبيق الأحكام والحدود, كما تعني عدم التصريح ببناء كنائس جديدة وعدم إعادة بناء كنائس تم سقوطها وهدمها وتطبيق حد الردة تطبيقا عمليا وفرض الجزية والإقصاء عن الوظائف العليا في البلاد وأن يكون الأقباط أهل الذمة وليسوا مواطنين. وأشار جبرائيل إلي أن المسيحيين من شتي الطوائف يترقبون موقفا حاسما من ممثلي الكنائس وتمييز الصحيح من الخبيث. وقال جورج إسحاق الناشط الحقوقي أحد مؤسسي حركة كفاية إننا نمر بمرحلة دقيقة في تاريخ مصر وأي محاولة لكسر التوافق الوطني ستؤدي إلي مشكلة. وأشار إلي أن جميع التيارات والقوي السياسية متوافقة علي بقاء المادة الثانية من الدستور كما هي, محذرا من حدوث انشقاق داخل المجتمع المصري. وشددت الدكتورة مني مكرم عبيد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية علي ضرورة الإبقاء علي الصيغة الحالية للمادة الثانية التي تنص علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع, مع حق غير المسلمين في الاحتكام لمبادئ شريعتهم خاصة في مجال الأحوال الشخصية, محذرة من أن مثل هذا التغيير سيؤدي إلي تغيير الدولة من مدنية إلي دينية. وأكد المهندس أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط ووكيل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور أن هناك اتفاقا بشكل كبير من جميع أطياف المجتمع علي إبقاء المادة الثانية من الدستور دون أي تعديل عليها سواء بالإضافة أو بالنقصان. وقال ماضي إن هذا الأمر لم تتم مناقشته داخل اللجنة حتي الآن, مضيفا أن هذا الأمر سيتم مناقشته وطرحه علي الرأي العام ومشاركتهم في إبداء الرأي حول هذه المادة, مؤكدا أنه في الغالب سيتم الإبقاء علي هذه المادة كما هي بعد طرحها للنقاش. ورأي ماضي أن التطرق لهذا الأمر وطرحه علي الرأي العام قبل مناقشته داخل اللجنة استباق للأحداث, وغير مفيد الآن. واعتبر سامح عاشور نقيب المحامين ورئيس الحزب الناصري أن حذف كلمة( مبادئ) من المادة الثانية للدستور يفتح باب الفتنة أمام الجميع وتدخل الأمة في خلاف وصراع مع أطراف عديدة. وقال عاشور إنه لا يوجد أحد يحتكر المعرفة بأحكام الشريعة بالمطلق ولا يمكن أن تكون قراءة أي حزب أو تيار سياسي للشريعة واجبة النفاذ. وأضاف أننا نتمسك بمبادئ الشريعة ولا خلاف عليها. وأشار عبدالغفار شكر وكيل مؤسسي حزب التحالف الشعبي, أن محاولات حزب النور حذف كلمة مبادئ من المادة الثانية للدستور تتعارض مع اتفاق القوي السياسية بما فيها الحرية والعدالة علي عدم المساس بهذه المادة. واعتبر إصرار حزب النور علي تعديل المادة الثانية إضرارا بمصلحة المجتمع المصري, مطالبا جماعة الإخوان المسلمين بالتصدي لهم. وقال حسين عبدالرازق نائب رئيس حزب التجمع, إن تلك المحاولات تضفي المزيد من مظاهر التدين علي الدولة وتقضي علي فكرة الدولة المدنية. ونوه إلي أن حزب النور يسعي لإضفاء المزيد من الطابع الديني علي الدستور, مشيرا إلي أن القيادة السياسية آنذاك أقحمت المادة الثانية بالدستور لإرضاء جماعة الإخوان المسلمين.وطالب عبدالرازق بتضمين المادة الثانية النص علي أن الشرائع السماوية والقيم العليا للأديان مصدر من مصادر التشريع. وقال الدكتور عصام دربالة رئيس مجلس شوري الجماعة الإسلامية وعضو المكتب السياسي لحزب البناء والتنمية إن الحديث عن إجراء تغييرات في المادة الثانية من الدستور في هذا التوقيت ليس من المصلحة العامة. واتهم البعض باختلاق أزمة سياسية مع بداية عهد الرئيس محمد مرسي لإحداث انقسام في المجتمع المصري وتخويف الشارع المصري من الإسلاميين. وقال دربالة إن كلمة مبادئ الشريعة الإسلامية تجعل البعض يجتهد في تفسيرها ووقتها سيختلف كل حسب اجتهاده ونحن مع إسقاط كلمة مبادئ لتكون الشريعة الإسلامية( مباشرة) هي المصدر الرئيسي للتشريع مع إحداث توازن مع ما يقابله في الديانة المسيحية والاحتكام لشرائعهما. وأبدت النائبة السابقة مارجريت عازر عضو الهيئة العليا لحزب الوفد تخوفها وانزعاجها بمطالبة البعض بتغيير المادة الثانية للدستور. وقالت إن مبادئ الشريعة الإسلامية هي مبادئ تطالب بها معظم الأديان السماوية, وتغيير كلمة مبادئ يعني أنه من الممكن تطبيق أحكام الشريعة والحدود وهذا يرفضه الأقباط وأيضا يرفضه المسلمون الوسطيون المعتدلون. وأشارت عازر إلي أن المسلمين والأقباط في مصر تعايشوا في تسامح منذ زمن طويل علي نص هذه المادة وتغييرها سيؤدي إلي حدوث فتنة وفرقة بينهم. وقال الدكتور محمد نور فرحات الفقيه الدستوري إن كلمة مبادئ في المادة الثانية من الإعلان الدستوري تختلف عن كلمة الأحكام. وأوضح فرحات أن المبادئ يقصد بها المبادئ التي تتسع لمتغيرات كل عصر من العصور, ولتضمين المبادئ الدولية لحقوق الإنسان والحريات العامة ومبدأ المساواة أمام القانون, مشيرا إلي أن مبادئ الشريعة الإسلامية تتوافق مع المبادئ الحديثة للحقوق والحريات. ولفت إلي تعريف الدكتور السنهوري مبادئ الشريعة بأنها المبادئ التي لا تختلف باختلاف آراء الفقهاء ولا تصطدم بقيم وروح العصر وأن المحكمة الدستورية العليا أيضا ذهبت في الاتجاه نفسه. وقال فرحات إنما لو تحدثنا عن أحكام الشريعة الإسلامية فيعني ذلك التطابق بين مفهوم الشريعة الإسلامية وتتحول لدولة دينية بما يعارض المبادئ الدولية لحقوق الإنسان ومبدأ المساواة أمام القانون. وأكد الدكتور سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية أن المادة الثانية من الدستور بشكلها الحالي كافية وفي حالة الرغبة في إجراء تعديل فإما يتم إلغاؤها أو الإبقاء علي ما هي عليه حتي لا نخيف أحدا بتصعيد غير مبرر. وقال لقد بدأنا مرحلة التحول الديمقراطي وعلينا عدم الخوض في معارك وهمية لا داعي لها. وطالب بضرورة توافر ضمانات للمواطنين غير المسلمين في الدستور الجديد نظرا لوجود هواجس شديدة لدي بعضهم البعض, ودعا إلي احترام كل أصحاب المعتقدات الدينية الأخري, والسماح لهم بممارسة شعائرهم بلا خوف.