تتبني مصر مقاربة شاملة لمواجهة الإرهاب، لا تقف عند حد المواجهة العسكرية والأمنية بل تمتد للبعد الاقتصادي والتنموي، والمواجهة الايدلوجية ودحض الفكر المتطرف وتطوير الخطاب الديني، وتسوية المنازعات حتي لا يجد الإرهاب في ظل الفوضي فرصة للوجود والتمدد، ولكن الأهم من بين هذه العناصر هو ما يتعلق بتجفيف منابع الإرهاب وتمويله، وكذا عدم استخدام الإرهاب والميليشيات الإرهابية المسلحة لتحقيق أهداف سياسية لدول بعينها. تبني الإرهاب وجماعاته من قبل دول ومنظمات تسعي لتحقيق أهداف سياسية بات الخطر الداهم الذي أدي عبر كل هذه السنوات لتفشي الظاهرة وتعدد المنظمات وانتقالها عبر الحدود، ولما باتت الكلفة الإنسانية الآن طائلة، وما اضحي مهددا تجاوز الحجر والإنسان، وهز الثقة في القيم والعقائد السمحة، ونال من التراث ودمر التاريخ، ونال من كرامة البشر أو من البشر أنفسهم بأبشع الطرق، فسوريا الغراء مثلا نصف سكانها أضحوا بين 6 ملايين نازح، وخمسة ملايين لاجيء، ورقم يتراوح ما بين 400 ألف شهيد أو قتيل أو يزيد وإذا أضفنا للحصاد المر ما حدث ولايزال في ليبيا والعراق لوجدنا أنفسنا أمام مأساة انسانية بكل المقاييس، فمن الذي أسس تلك التنظيمات ومن مولها ولايزال، ومن سهل لها الانتقال، ومن هؤلاء ولأي جنسيات ينتمون ولمن يعملون، وما هي تلك الايدلوجية المدمرة التي لقنوها لهم، ومن يتحمل مسئولية كل هذا الدمار الإنساني والمادي، ومن الذي دفعنا للوراء هكذا سنوات من عمر الأوطان، ومن حرم أجيالا من تلقي العلم، ومن أبقي حتي الحق في الحياة حلما بعيد المنال وأخذ عنوة وتحت القصف مجرد الحق في السكني الآمنة، ومن أسهم في ترويع الآمنين ودمر المدن فلم يبق منها إنسان ولا حجر. ... وتبقي مصر، وهي عضو في مجلس الأمن ورئيس لجنة مكافحة الإرهاب بالمجلس عليها مسئولية التقدم بطلب فتح تحقيق دولي رسمي عاجل في كل ما سبق، فمن الذي أنشأ ومول واستخدم الإرهاب وخلق «داعش» وتنظيمات الإرهاب، بدون هذا التحقيق الدولي العاجل، ستبقي الظاهرة معنا لسنين، ستكون ساترا لكل شرير يتخفي وراءها، ويسعي من خلالها لتحقيق أغراض لا تراعى وطنا ولا دينا ولا تحترم حياة الإنسان وتعبث في مقدرات الأمم وتهدم تاريخنا وحضارتنا. المطالبة بتحقيق دولي رسمي عاجل ستضيف عنصر الضغط الأهم علي المتواطئين والممولين وصانعي الشر، وسيرهبهم مجرد الشعور بأن ما فعلوه سيعلن علي الملأ، وما اقترفوه قد يحاسبون عليه، سيضع التحقيق كل طرف أمام مسئولياته الأخلاقية، وسيكشف ستر هؤلاء المتشدقين بمحاربة الإرهاب زيفا، وهم يخلقون الوهم ويستولون علي ثروات ويرهبون البشر ويستولون علي أراضيهم ويعيدون ترسيم الحدود، والتوغل مجددا في بلادنا تحت دعاوي المساهمة في جهود مكافحة الإرهاب واعداد وتجهيز الجيوش الوطنية في افريقيا وغيرها، وهم في الجوهر يستعدون للاستيلاء علي الأرض وعلي الثروة، وفي الطريق يمكن دهس الإنسان وحرق الثقافة والتراث والقيم والشعوب. لن نتمكن من مجابهة الإرهاب ما لم يفتح تحقيق رسمي عاجل يكشف المستور، ويكون سيفا يكشف زيف الادعاءات، ويفضح التحالفات التي لم تستهدف الا غل يد من يرغبون حقيقة في التصدي الجاد لظاهرة الإرهاب. الرؤية والمقاربة المصرية والدولية الشاملة لمواجهة الإرهاب ينقصها فقط تحقيق دولي شامل، يضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته، وحتي لا تتكرر الاخطاء والجرائم والمغامرات، وحتي لا ترتكب الفظائع مجددا وتدمر الشعوب وتنهار القيم، وحتي لا تتحمل الدول الضحية وزر خطايا ارتكبتها قوي ظلامية شريرة، آن أوان كشفها أو أضعف الإيمان وضعها تحت ضغط وخوف من أن يكشف زيفها هذا التحقيق الدولي الرسمي العاجل الذي قد تسهم نتائجه في وضع نهاية لظاهرة أثِمة مولتها وصنعتها دول وأطراف بعينها آن أوان كشفها والإعلان عن خطاياها في حق شعوبنا. وهذا هو أقل ما يمكن أن يقدم لمن فقدوا أوطانهم وأعزاءهم وهم لا يعلمون لماذا هجروا وحرموا من بيوتهم وذويهم وأوطانهم. مجرد أن ننادي بتحقيق دولي رسمي عاجل سيتلقف النداء كل صاحب مبدأ وكل دولة علي حق، وسيبقي من شارك ومول وأسهم في صناعة الموت مرتعدا، وسواء تمت ادانته أو فضحه، فقد يكف عن أفعاله، وقد يأتي يوم يكون محطا لحساب عسير، دائما وعقب الحروب الكبري تنشأ محاكمات وتجري تحقيقات، اما لكشف الحقائق أو لعقاب المتسببين، والأساس هو لتجنب تكرار أن نقع في نفس الأخطاء، لذا لا يكفي أن يتشدق الكل بمكافحة الإرهاب سواء من داخل الاقليم أو من القوي الكبري، هناك حتما من وضع تلك السياسات وهناك من ادار عمل تلك التنظيمات، وما لم تتم المكاشفة فسيبقي الإرهاب وتستمر نفس الممارسات بتسميات مختلفة، وعليه من العدل ولاستكمال جوانب المقاربة الدولية الشاملة لمكافحة الإرهاب الركن الأهم هو تحقيق دولي رسمي عاجل، وحتي تستفيد الإنسانية وتتجنب مستقبلا اخطاء بعض ابنائها ممن تعدوا علي حرمات الآخرين وأوطانهم. لمزيد من مقالات سفير د.محمد حجازى