هناك من يرى أن العرب مسئولون بطريقة أو بأخرى عن جنوح الغرب نحو التطرف والعنصرية التى تتصاعد موجاتها فى هذه الآونة. فثمة تغير ما يحدث اليوم فى الغرب إذ تتصاعد دعوات للانعزال والتقوقع محفوفة بجنوح الرأى العام نحو التطرف والعنصرية وتراجع القوى الليبرالية لمصلحة قوى يمينية شعبوية نشأ بعضها حديثا وبعضها الآخر عزز حضوره وقاعدته الاجتماعية وانتزع دورا مهما فى الحياة السياسية متوسلا شعارات انتخابية وبرامج تفوح بالأنانية والغلو فى إظهار التمييز القومى والمبالغة فى التركيز على قضايا الأمن والهجرة والإرهاب، ومهددا مقومات النسيج المجتمعى الثقافى ومنظومة القيم الإنسانية والحضارية، كترامب أمريكا وقادة الانسحاب البريطانى من أوروبا، ثم لوبين فرنسا وحزب البديل فى ألمانيا وأشباهه فى النمسا وفنلندا والسويد وهولندا. إن جنوح الغرب نحو التطرف ليس ظاهرة جديدة، بل تكررت فى محطة تاريخية أهمها صعود النازية والفاشية فى ألمانيا وإيطاليا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، لكنها تختلف هذه المرة بأنها تتم فى ظل ثورة الاتصالات والنقل المباشر، ولا تقتصر أسبابها على الأزمة البنيوية الداخلية، ولا يخطئ من يرجع هذا الجنوح إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية فى أهم الدول الغربية التى تمثلت فى تراجع النمو وحركة الاستثمار وفرص العمل وتزايد نسب البطالة مما أدى إلى انتشار نوازع الإحباط والرفض، ويرتبط التطرف أيضا بالعنصرية خاصة بين أبناء الطبقات الوسطى الذين باتوا يجدون أنفسهم أمام حالة من انسداد الأفق ويشعرون بأن فرص الحفاظ على شروط حياتهم باتت مهددة بالإضافة إلى رفض التمييز والقتل والاعتقال والتجويع وظهور تيارات شعبوية عنصرية معادية لكل ما هو تقدمى، وديدنها مناهضة شعارات التنوير وقيم المواطنة وحقوق الإنسان. ويبقى عاملان يتعلقان بنا كمجتمعات عربية وإسلامية، ويحددان مسئولياتنا عما يحدث هما: تصدير التطرف «الجهادى» ليعبث بأمن واستقرار الدول الغربية ويطول بإيذائه المواطنين الأبرياء متخذا صورا بدائية شتى من الأعمال الانتحارية التى يصعب كشفها والحد منها، وأيضا بإطلاق موجات واسعة من الهجرة غير الشرعية التى باتت تضغط على الغرب وتهدد استقراره، وينعكس هذا التطرف فى صورة أعمال إرهابية وإجرامية ويولد بلا شك تطرفا غربيا ينعش مفهوم صراع الحضارات ويصنف العالم إلى ثقافات متناقضة ومتحاربة ويغذى الأحزاب اليمينية المتشددة ويعزز بنيتها الحاضنة ورغبتها فى الوصول إلى الحكم وتغيير القوانين والسياسات ويحدوها تأجيج مشاعر العداء للمسلمين المهاجرين والكراهية للاجئين والطعن بقدرته على الاندماج فى المجتمعات العربية واحترام نمط حياتهم. ألم يستثمر دونالد ترامب قلق الأمريكيين من فقدان وظائفهم لمصلحة المهاجرين؟، ثم خوفهم من خطر الإرهاب بعد العمليات الانتحارية التى تبناها تنظيم «داعش» فى أكثر من بلد غربى؟، أولم تفض هذه العمليات إلى تغيير فى النظام الأمنى الغربى إلى حد إعلان حالة الطوارئ فى أكثر من دولة وسن مزيد من القوانين المتشددة ولو على حساب حقوق الإنسان وقواعد الديمقراطية؟ إن جنوح الغرب نحو التطرف والعنصرية قد ينجح فى جر البشرية إلى ماضيها المؤلم عبر دورة جديدة من الكراهية والحقد، وإلى المناخات التى تصوغ قتل وقمع الآخر المختلف، وتبيح أى ممارسة مهما انحطت أخلاقيا مادام أصحابها يعتقدون أنها تفضى إلى حماية حيواتهم وخصوصيتهم الثقافية، لكنه لن ينجح كما أكدت تجارب التاريخ فى تحقيق النتائج المرجوة لضمان أمن البشرية وتجاوز الأزمات والاختناقات التى يعيشها المواطن الغربي، وتبقى أمام مجتمعاتنا فرصة لتحمل مسئوليتها فى معالجة الدوافع الموضوعية والمعرفية لوقف العنف وتلبية حقوق الإنسان ومحاسبة مرتكبى الجرائم ومحاربة التطرف وتجميد موجات الهجرة غير الشرعية!. د.عماد إسماعيل