رحلة اللاجئين الفارين من الموت كانت بشكل أبرز هذا العام أشبه بمغامرة للفرار من قبر الى آخر, فمن لم يلق حتفه فى أرضه, كانت مقبرته فى انتظاره فى قلب المحيط, أو على أعتاب محطات الهرب المنتظرة. نحو أربعة آلاف إنسان هارب من الجحيم لقى حتفه هذا العام على شواطيء أوروبا بعد أن غرقت قواربهم الصغيرة المهترئة التى اختاروها لتكون توابيتهم. أما الذين نجوا فقد تعرض المئات منهم لما يعتقد أنه إحراق متعمد من قبل جماعات يمينية أوروبية متطرفة لمراكز إيوائهم المؤقتة على حدود بلدان يأملون دخولها, وبعضهم لقى مصرعه بسبب نقص المواد الضرورية للحياة فى أدنى صورها. ويبدو أن الأرض بما رحبت قد لفظت للنهاية هذه الموجة التاريخية من النازحين لا لشىء سوى أنهم فى نظر الكثير من سكان الغرب ارهابيين محتملين. مقبرتهم المنتظرة هى ما يعتقد العديد من الخبراء انه ابرز واكثر مظاهر القرن الحادى والعشرين حماقة, انه ما اصطلح على تسميته الإسلاموفوبيا أو الخوف المرضى من الإسلام والمسلمين. لقد شكل عام 2015 تناميا جديدا ومتصاعدا لموجات من الاسلاموفوبيا فى الغرب, خاصة عقب هجمات باريس الاخيرة فى نوفمبر . ومع تدفق أعداد اللاجئين هذا العام ،بشكل تصفه المؤسسات الغربية للاجئين بانه غير مسبوق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية,وبعد انحسار التعاطف الأولى مع المأساة الانسانية ظهر قدر كبير من الرفض الشعبى الداخلى فى أوروبا لاستقبال هذه الاعداد الهائلة من اللاجئين, الهاربين فعليا من ارهاب جماعات التطرف الدينى والسياسى فى بلادهم. ويرى علماء الاجتماع أن هذا التدفق الهائل للاجئين تسبب فى حالة من الخوف المرضى لدى الأوروبيين, وخوف وصل إلى حالة من الذعر مما يدفعهم للتصرف بشكل هستيرى وهو ما يؤدى الى حالة من العنف الجماعى يسهل على القادة السياسيين استغلاله واقناع الجماهير بأنهم يواجهون معركة حياة او موت وان المسألة باختصار تكمن فى "اما نحن او هم". وهنا تلعب وسائل الاعلام الغربية دورا مشبوها فى اشعال هذه الروح الهستيرية, من خلال الحديث المفتعل عن "أسلمة أوروبا" وخلق "البعبع الإسلامى" من خلال المبالغة فى ذكر اعداد المهاجرين المسلمين. لذا فقد اتسم هذا العام بتصاعد كبير فى اعداد الجماعات اليمينية الغربية المتطرفة التى تحض على الكراهية والعنف ضد المسلمين, وقد عمدت تلك الجماعات لاستغلال حالة القلق والتوتر التى اصابت الدول الاوروبية عقب هجمات باريس, مع تدفق اعداد اللاجئين من دول الصراع الشرق اوسطية بشكل غير مسبوق, مما يهدد نسيج المجتمعات الغربية نفسه الذى يعتقد الكثير من المحللين انها قد اصبحت على المحك وستتعرض لاختبار كبير خلال العامين المقبلين, وجدية ما ظلت تردده طوال الوقت من قدرتها على تقبل الآخر كمجتمعات ليبرالية ديمقراطية. فعلى الرغم من الانتقادات الحادة التى تعرض لها المرشح للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب الذى طالب بمنع المسلمين من الهجرة للولايات المتحدة, إلا أن منتقديه والذين من المفترض أنهم أكثر إعتدالا قد اقترحوا ان يتم السماح فقط للمسيحيين الشرق اوسطيين بالهجرة إلى أمريكا. والواقع أن ترامب وغيره من الساسة الغربيين انما يسايرون اتجاها عاما لجماعات اليمين المتطرف الغربية التى يمكن القول انها باتت تسيطر على العديد من الدول الأوروبية, وأنها فى طريقها نحو التمدد, لا بهدف المعارضة ولكن بسبب وجود ايدليوجيات تكره الآخر وترفض وجوده. وكشف تقرير أعدته منظمة مناهضة للكراهية أطلق عليها "أمل لا كراهية" عن انه فى 22 دولة أوروبية تم رصد اكثر من 920 جماعة معادية للمسلمين, تستغل موجات الهجرة الجماعية للهاربين من جحيم الصراعات الطائفية فى بلدانهم لتأجيج مشاعر العداء ضدهم والدفع نحو وضع قوانين تحد من استقبالهم فى الدول الغربية, إضافة الى تحريضها على عمليات عنف ضد المسلمين داخل بلدانهم والدعاوى للاعتداء على المساجد. وقد تميزت الشهور الاخيرة من 2015 بتزايد واضح فى معدلات اعمال الكراهية ضد المسلمين فى الدول الغربية .ففى لندن ذكرت التقارير الصحفية ان الهجمات المعادية للمسلمين قد ارتفعت ثلاثة اضعاف عن معدلاتها عقب هجمات باريس, ويعود هذا الى خطابات التحريض على العنف من قبل تلك الجماعات والتنظيمات التى وصل اعداد متابعى احدها على صفحتها على "فيسبوك" الى اكثر من مليون معجب. اما فى الولاياتالمتحدة فرصد احد التقارير ان هناك اكثر من 42 جماعة كراهية ضد المسلمين, ووفق دراسة قام بها مركز "بيو" لقياس اتجاهات الرأى عبر سبع دول اوروبية, وجد أن أكثر من خمسين بالمئة ممن تم استطلاع آرائهم خاصة فى ايطاليا واليونان, لديهم مشاعر سلبية تجاه المسلمين, وان 72 من الفرنسيين يحملون رؤية سلبية ضد المسلمين الذين يعيشون فى فرنسا. ومع تصاعد هذا الفزع الأوروبى, يبدو مستقبل اللاجئين والهاربين نحو الجنات الأوروبية شديد القسوة, خاصة أن السنوات القادمة لا تحمل لهم أى أمل فى العودة إلى ديارهم, فهل سيفقد الغرب أبرز سماته ألا وهو قبول الآخر ...تبدو الإجابة إلى حد كبير نعم.