كلما تقدمت العلاقات المصرية السودانية خطوة نحو الأمام انتكست وعادت إلى الوراء ربما خطوات بسبب تصريحات المسئولين السودانيين التى لا تتوقف ضد مصر رغم البيانات الوردية التى تصدر عقب كل قمة واجتماع مشترك بأن مصير البلدين واحد ولابد من تعزيز التعاون فى جميع المجالات خاصةً الأمنى منها لمواجهة التحديات الخطيرة التى تواجههما وهو ما أكدته مرة أخرى أحدث قمة بين الرئيسين السيسى والبشير على هامش القمة الإفريقية فى أديس أبابا. فلم تمض سوى ثلاثة أسابيع على لقاء الرئيسين حتى خرج علينا البشير متهماً مصر بدعم حكومة جنوب السودان بالأسلحة والذخائر واتهم فى تصريحات لرؤساء تحرير صحف سودانية رافقوه فى زيارته للإمارات مؤسسات داخل مصر بأنها تتعامل مع السودان بعدائية،مع أن مصر ملتزمة بقرار مجلس الأمن الدولى بحظر تصدير أسلحة إلى أطراف الصراع فى جنوب السودان ولولا هذا الحظر لما لامها أحد لو زودت حكومة جوبا بالأسلحة باعتبارها حكومة شرعية معترفا بها دولياً وليست جماعة متمردة كالتى تدعمها حكومة الخرطوم ضد نظيرتها الجنوبية فى إطار الضغوط المتبادلة لحل الخلافات على الحدود ووقف الدعم المتبادل لحركات التمرد.أما عن المؤسسات التى اتهمها بمعاداة السودان ورغم عدم تحديده لها إلاَّ أنه قصد فيما يبدو أجهزة الأمن التى حصلت على اعترافات من عناصر إخوانية وتكفيرية تم القبض عليهم خلال تسللهم عبر الحدود المشتركة قادمين من السودان بأنهم تلقوا تدريبات عسكرية فى أراضيه وأدلوا بمعلومات تفصيلية عن عدد عناصر الإخوان وأماكن إقامتهم هناك،كما قصد البشير أجهزة الإعلام المصرية لردها على تصريحاته إزاء مصر خاصةً ما يتعلق بمصرية حلايب وبإيواء الخرطوم عناصر إخوانية صدرت ضدهم أحكام قضائية ورفضها طلب القاهرة تسليمهم ولسماحها لهم بالتحرك بحرية وإجراء انتخابات هيكلية داخل فصيل القيادى الهارب محمود عزت وقيام وسائل الإعلام السودانية بنشر بيانه الرسمى وهو ما يدحض ما ذكرته بعض المصادر من أن السلطات السودانية طردت العشرات منهم. فقد قالت مصادر أمنية مصرية إن خبر طرد عشرات العناصر الإخوانية ليس صحيحاً وإنما استهدفت به السلطات السودانية تخفيف الضغط عن النظام المتهم بإيواء عناصر متطرفة بعد أن أعلنت الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب الحرب على الإرهاب فى العالم وأنها تدرس بجدية إعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية ما سيؤدى إلى فرض عقوبات مؤلمة على الدول التى تدعمها أو تؤوى عناصرها فى الوقت الذى تسعى فيه الخرطوم لإقناع واشنطن بإلغاء ما تبقى من العقوبات المفروضة منذ نحو عشرين عاماً لاتهامها بدعم الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان وعدم بذل الجهد الكافى لإنهاء التمرد فى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق حيث كانت إدارة أوباما قد ألغت بعضها فى أواخر عهدها،وربما بسبب نفى خبر الطرد زعمت السلطات السودانية أن القاهرة حالت دون تحسن العلاقات السودانية-الأمريكية.أما تذرعها بأن مصر تستضيف شخصيات معارضة سودانية تعرقل محاولات إنهاء الخلافات الداخلية السودانية فمردود عليه بأن مصر لم تسمح لأى سودانى بأى عمل سياسى أو غير سياسى مناهض لحكومته من على أرضها وأن شخصاً مثل الصادق المهدى زعيم حزب الأمة رجل سياسى بارز له تاريخه فى الحياة السياسية السودانية وكان رئيساً للوزراء وليس إرهابياً يسعى لقتل كل مًن يخالفه فى الرأى وقد عاد مؤخراً إلى الخرطوم بترحيب من الحكومة السودانية نفسها. ورغم اتفاق قيادات البلدين المتكرر على أعلى مستوى على أهمية التعاون الأمنى والتنسيق فيما بينهما إلاً أن ذلك لم يخرج إلى حيز التنفيذ بسبب إصرار السلطات السودانية مثلاً على نشر القوة المشتركة المقترحة داخل منطقة حلايب وليس على الحدود المعترف بها دولياً مما شجع العناصر المتطرفة والإرهابية على عبور الحدود إلى السودان للاختباء فى أراضيه والعبور منها إلى الأراضى المصرية لتنفيذ عمليات إرهابية رغم الاتفاق السياسى الموقع عام 1899 باعتماد خط عرض 22 شمالاً حدوداً دولية بين البلدين وكون القرار الإدارى الصادر من وزير الداخلية المصرى عام 1902 لتيسير حركة أبناء القبائل المقيمين بها لا يلغى ذلك الإتفاق من الناحية القانونية،كما اتفق البلدان مراراً على جعلها منطقة تكامل. أما عن التهديد بتقديم شكوى ضد مصر إلى مجلس الأمن بسبب حلايب فمردود عليه بأن الشكوى تم تقديمها منذ استقلال السودان عام 1956 ويتم تجديدها سنوياً. أخيراً، من الأفضل التوقف عن إطلاق التصريحات وكيل الاتهامات والتعاون على الأقل لمواجهة التهديدات المتربصة بأمن البلدين، فالسودان لن يبقى إلى الأبد بمنأى عن الإرهاب بدليل اكتشاف أجهزة أمنه هذا الشهر أدلة على وجود خلايا تابعة لتنظيم داعش عقب انفجار بشقة سكنية فى الخرطوم وعثورها على أسلحة ومواد لصنع متفجرات داخلها واعتقالها عرباً قالت إنهم اعترفوا بأن داعش استهدف السودان بمخطط كبير. لمزيد من مقالات عطية عيسوى