بالتأكيد تأسيس المجلس الوطنى للمدفوعات خطوة مهمة وجادة على طريق الاصلاح الاقتصادى ،ولاشك ان رئاسة رئيس الجمهورية للمجلس يعطى نشاطه دفعة قوية نحو تحقيق اهدافه . اهمية المجلس انه سيسهم بشكل كبير فى مواجهة الفساد وتجفيف منابعه ، وتعزيز الشفافية ، التى تعتبر احدى الادوات الاساسية لزيادة تنافسية السوق المصرية وتشجيع الاستثمار ، فأول اهداف المجلس يتمثل فى تقليل تداول الكاش ، ومصر من اكبر الدول فى هذه الظاهرة ، وليس خافيا ان احد الاسباب التى استبعدت فيها مصر من تنظيم كأس العالم فى السابق ، هو كثرة تداول الكاش ، حيث بررت لجنة الفيفا ذلك بأن هذه الظاهرة ترتبط بنقل بعض الامراض ، تقليل تداول الكاش هدف اقتصادى واجتماعى اذن بالغ الاهمية ، حيث ان تكلفتها تكبد الاقتصاد نحو 1.5 % من الناتج المحلى الاجمالى سنويا ، وفقا لاحدث الدراسات التى اعدتها بيوت الخبرة العالمية لحساب مؤسسة ماستركارد ، وذلك نتيجة طبع النقود ، وسرعة تلفها واهلاكها ، واذا أضفنا الى ذلك الرشا والفساد الذى يتم بسبب هذه الظاهرة ، فإن الخسائر ستكون أضعافا مضاعفة ، فالفساد احد ابرز عقبات الاستثمار حيث يزيد من التكلفة الاستثمارية ويحرم السوق من تنافسيتها الى حد كبير . اذا كان احد الاهداف الاساسية التى تحددت فى الاعلان عن تأسيس المجلس تتمثل فى تعزيز نظم الدفع القومية من خلال تقليل مخاطرها على كافة المستويات ، وتفعيل آليات المدفوعات الالكترونية ورفع كفاءتها ، الحكومة فى اى دولة اكبر متعامل فى السوق من خلال المناقصات الحكومية او المزايدات التى تطرحها لتوريد احتياجاتها ، وكذلك تحصيل المدفوعات سواء الرسوم الجمركية او الضريبية او غيرها من رسوم الخدمات والمحليات ، او الدفع الذى تقوم به سواء بدفع الرواتب للعاملين فى الجهاز الحكومى او للموردين والمقاولين ، من ثم فإن الحكومة تمتلك القدرة على اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتقليل ظاهرة تداول الكاش فى الاسواق. احد الاهداف المهمة للمجلس الوطنى للمدفوعات يتمثل فى دمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى ،وهو لاشك من اهم الاهداف التى تسعى اليها الحكومات المتعاقبة دون اتخاذ اجراءات مهمة فى سبيل ذلك ، ولكن من شأن تأسيس المجلس الوطنى للمدفوعات وممارسة نشاطه لتقليل الكاش ان يسهم بشكل كبير فى هذا الاتجاه ، كما انه من المناسب الإشارة فى هذا الاطار الى القرارات التى اتخذها المجلس الاعلى للاستثمار برئاسة رئيس الجمهورية ، من اجل تشجيع دمج القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى ، وابرزها تطبيق الضريبة المقطوعة اى المحددة بمبلغ معين ،على المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، الى جانب اعفاء هذه المشروعات من المحاسبة الضريبية عن السنوات السابقة ، وكذا اتاحة لها فرصة الحصول على تمويل ضمن مبادرة البنك المركزى بسعر فائدة 5% متناقصة .. القطاع غير الرسمى تتجاوز نسبته 80% من الاقتصاد الرسمى ، ودمجه سيسهم فى ارتفاع الناتج المحلى الاجمالى الى نحو 5.5 تريليون جنيه ، ومن ثم تراجع نسبة الدين العام للناتج المحلى الاجمالى ، وكذلك يساعد على معالجة مشكلة عجز الموازنة العامة من خلال زيادة الايرادات الضريبية ، كما يساعد فى رفع جودة منتجات هذه المشروعات ورفع كفاءة العاملين بها . كما يسعى المجلس الجديد الى تحقيق الشمول المالى من خلال دمج اكبر عدد من المواطنين فى القطاع المصرفى من خلال فتح حسابات لهم فى البنوك ، وهذا الهدف لايقل اهمية عن الاهداف الاخرى السابق الاشارة اليها ، اذ ان نسبة من لديهم حسابات مصرفية لايتجاوز 12 % من المجتمع اى نحو 11 مليون شخص فقط ، والمفترض ان يصل الى نفس عدد المسجلين فى جداول من لهم حق الانتخابات ، اى 55 مليون شخص ، من هنا يتضح حجم المشكلة ، لاسيما بالمقارنة بالمعدل العالمى الذى يصل الى 35 % ، وهذا الامر يتطلب من البنوك تسهيل وتقليل اجراءات وتكلفة فتح الحسابات ، ومن المناسب الإشارة فى هذا الصدد الى ان الشهادات الادخارية المرتفعة العائد التى طرحتها البنوك مؤخرا بالتزامن مع التعويم ، قد ساهمت فى ضم عدد ليس بقليل الى القطاع المصرفى بلغ 10% من اجمالى الاكتتاب فى هذه الشهادات بالبنك الاهلى وتقريبا نفس النسبة فى بنك مصر – نحو 250 مليارجنيه حجم الاكتتاب فى تلك الشهادات فى البنكين . يبقى ان نشير الى اهمية اتخاذ اجراءات اضافية فى سبيل تحقيق اهداف المجلس ،وضبط حجم تداول السيولة بالاسواق خارج الجهاز المصرفى ، فى مقدمتها تحصيل مصلحة الضرائب لجميع الرسوم من الممولين من خلال الحساب المصرفى الخاص بها ،وكذلك تحصيل الجهات الحكومية الرسوم بنفس الطريقة خاصة للمبالغ التى تزيد على 500 جنيه ، وكذلك الحال فيما يتعلق بمشتريات الجهات الحكومية ، مع المضى قدما فى صرف المعاشات والرواتب لجميع العاملين فى الحكومة من خلال البنوك سواء بتحويلات مصرفية أو بشيكات بنكية.