نجاح مصر فى منظومة علاج فيروس سى والذى يشهد به كل متابع لهذا البرنامج وعلى رأسهم منظمة الصحه العالميه، يرجع الى قدرة الباحثين المصريين على البحث العلمى وعمل الدراسات الاكلينيكيه فى هذا المجال. فما كان لهذا البرنامج ان ينجح دون سند قوى من البحث العلمى على مدار السنوات العشرين الماضية. فى حوارنا مع الدكتور جمال عصمت عضو مؤسس اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية والنائب السابق لرئيس جامعة القاهرة لشئون البحث العلمى والدراسات العليا كشف عن ان الفضل فى تحديد حجم مشكلة انتشار فيروس (سي) فى مصر ومدى ارتباطها بعلاج البلهارسيا الذى كان عن طريق الحقن فى السابق والذى تم استبداله بأقراص لعلاج البلهارسيا فى اوائل الثمانينات من القرن الماضي. ولقد قام العالم الراحل أ.د/ مصطفى كمال استاذ الصحه العامة بطب عين شمس بالدور الرائد فى هذه الابحاث وتحديد حجم المشكلة وطريقة انتشار العدوى والفئات العمرية التى يتزايد بها حجم الاصابة بالاضافة الى التوزيع الجغرافى لهذا المرض، بما كان له دور اساسى فى وضع خطة العلاج وتوزيع مراكز العلاج فى المحافظات المصرية المختلفة طبقا لهذه المعلومات. وبالفعل تم علاج نحو 350 الف مريض خلال الفتره من 2007 حتى 2013 فى 23 مركزا بنسبة شفاء 60% ولكن كانت هناك رغبة شديدة فى استمرار البحث العلمى لتحسين هذه النتائج والوصول الى معدلات اعلى للشفاء. كيف تم التغلب على مشكلة الارتفاع الرهيب فى تكاليف العلاج؟ ومع وجود بارقة الامل هذه تمت المحاولات لإتاحة هذا العلاج فى مصر بعد ان اثبتت الدراسات الاكلينيكيه انه طفرة علميه وتطور جديد بعد مرحلة العلاج بالانترفيرون، وكانت المشكلة هى السعر المرتفع لهذه الادويه حيث إن تكلفة العلاج تصل الى مليون جنيه مصرى اذا تم شراؤه من السوق الامريكي. وهنا تم اللجوء الى ما أسفرت عنه الابحاث من تضافر المجتمع الدولى مع مصر لمواجهة هذه المشكله، حيث سارعت الشركة المصنعة للمساهمة فى حل المشكلة ولإثبات مدى جدارة الأدوية الجديدة فى القضاء على فيروس (سي). وتم إقناع شركة الادويه الاجنبيه بان التحدى الاكبر لاثبات مدى فاعلية هذا الدواء هو دخوله للسوق المصريه ومساهمته فى علاج الملايين من المرضى المصريين وبالفعل تم اتاحه هذا العلاج فى مصر بمقدار 1% من سعره العالمى واصبح متاحا للمرضى المصريين بأسعار اقل من من اسعار العلاج بالانترفيرون فى السابق. وتم علاج مرضى التليف الكبدى لاول مرة فى مصر. ولكن البحث العلمى لا يتوقف وتسارع البحث العلمى الدولى فى اكتشاف ادوية اخرى تحسن نتائج الدواء الذى تم اتاحته فى مصر. وبالفعل تم عمل دراسات اكلينيكيه مصريه لاختيار انسب الادويه التى يمكن ان تضاف الى الدواء الاول والتى تمكن من الوصول لنسبة شفاء 95% وتقلل فترة العلاج الى ثلاثة اشهر بدلا من سته شهوروبالفعل تم عمل هذه الدراسات فى كل من كلية طب القاهرة والمعهد القومى للكبد بجامعة المنوفية ونظراً لنجاح هذه التجارب بالاضافه الى اتاحة هذه الادويه المنتجه عالميا ب 1% من ثمنها العالمي. استطعنا علاج 350 الف مريض فى عام 2015 فقط. فى هذا الوقت فى 2015 كانت التوصيات العالميه تنص على علاج مرضى التليف الكبدى فقط نظرا لارتفاع سعر الدواء فى خارج مصر ولكن مصر قررت ان تعالج كل مريض بالفيروس بغض النظر عن وجود تليف كبدى من عدمه. ويرجع ذلك الى ما تم اكتشافه من خلال الابحاث ان علاج كل مريض يؤدى الى شفائه بالاضافه الى منع انتشار العدوى الى 4 اشخاص اخرين مما يعنى اننا بعلاج شخص واحد نؤدى فائدة الى خمسة اشخاص.. كيف ساهمت مراكز العلاج فى مواجهة فيروس سى فى مصر؟ تم التوسع فى إنشاء مراكز للعلاج حتى وصلت إلى أكثر من 150 مركزا فى نهاية 2016 منتشرة فى جميع أنحاء الجمهورية استطاعت علاج أكثر من 600.000 مريض فى عام 2016 بواسطة الأدوية المصرية والتى تم الاعتماد عليها بعد التأكد من فاعليتها من خلال البحث العلمى والدراسات الإكلينيكية ونتج عن ذلك توفير أكثر من 5 مليارات جنيه إذا تم الاستمرار فى العلاج بالأدوية المستوردة. ما هو الجديد وآخر ما توصل آليه البحث العلمى فى هذا الموضوع؟ فى اخر بحث سوف يتم تقديمه هذا الشهر فى مؤتمر الجمعية الاسيويه لامراض الكبد اثبت علماؤنا فى كل من جامعة القاهرةو جامعة المنصورة و معهد الكبد القومى و المعهد القومى للامراض المتوطنة و الكبد انه يمكن علاج المرضى المصريين غير المصابين بالتليف الكبدى لمدة 8 اسابيع فقط بدلا من 12 اسبوعا بنسبة شفاء تصل الى 97% مما يمكنا من علاج 3 مرضى بنفس تكلفة علاج مريضين بالنظام السابق و بالتالى يمكن علاج 900.000 مريض فى 2017 بنفس تكلفة علاج 600000 مريض فى 2016. ومن هنا يتضح أهمية البحث العلمى كقاطرة للتنمية فى مصر ووسيلة لخدمة المجتمع ولذلك يجب العمل على تشجيع البحث العلمى عن طريق إعطاء تفرغ كامل للقائمين عليه.