نقابة المهندسين بالإسكندرية تطلق مبادرة التدريب والشباب في موسمها الثالث    رئيس جامعة المنوفية يشارك في اجتماع مجلس الجامعات الأهلية    «ابتعدوا عن الميكروفون».. رئيس «النواب» يطالب الأعضاء باستخدام أجهزة القاعة بشكل صحيح    ميناء دمياط يستقبل 39 سفينة محملة ببضائع متنوعة    «معلومات الوزراء» ينظم ورشة عمل عن الفرص المتاحة في الذكاء الاصطناعي    «الإسكان»: 220 ألف مواطن تقدم للحصول على شقق «الاجتماعي»    نائبة ترفض موازنة 2025: بها تضارب في الأرقام    السكة الحديد تُطلق خدمات جديدة لركاب القطارات.. تعرف عليها    «الري»: طوارئ استعدادًا لعيد الأضحى.. ومتابعة الإحتياجات المائية خلال الصيف    تحقق توقع جديد لعالم الزلازل الهولندي.. ماذا حدث فجر اليوم؟    شكري: الممارسات الإسرائيلية تفتقر إلى الالتزام بقواعد القانون الدولي    موسكو تحذر واشنطن من عواقب وخيمة في أوكرانيا    فرصة أخيرة حتى 3 يوليو.. غياب مبابي عن قائمة فرنسا في أولمبياد باريس    عاجل.. مبابي خارج قائمة "الديوك" الأولية للأولمبياد    "مش عايزه".. مدرب ليفربول الجديد يصدم صلاح    بالأسماء.. شوبير يكشف كل الصفقات على رادار الأهلي هذا الصيف    طريقة حساب النسبة المئوية من المجموع الكلي بالشهادة الإعدادية    فتح باب التقديم للمعلمين بالمدارس المصرية اليابانية.. ما هي الشروط؟    السكة الحديد تعلن إجراء تعديلات على تركيب بعض القطارات بالوجه البحري    انهيار منزل ونشوب حريق في حادثين متفرقين دون إصابات بقنا    محافظ المنوفية: تحرير 94 محضر انتاج خبز غير مطابق للمواصفات لمخابز بلدية    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    احتفالات اليوم العالمي للبيئة.. برنامج فني ثقافي مكثف للأطفال ضمن جولات أتوبيس الفن الجميل    فيديو.. «العيال فهمت» على مسرح ميامي بعيد الأضحى المبارك    اتفاق تعاون بين الجامعة الفرنسية وباريس 1 بانتيون سوربون لإطلاق برامج جديدة في مجال السياحة    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    «صيادلة الإسكندرية» تطلق 5 قوافل طبية وتوزع الدواء مجانا    «الخشت» يطمئن على سير الامتحانات وأعمال الكنترولات بكليات جامعة القاهرة| صور    في قضية تزوير توكيلات الانتخابات الرئاسية.. تأييد حبس مدير حملة أحمد طنطاوي    الطيران الإسرائيلي يغير على أطراف بلدة حانين ومرتفع كسارة العروش في جبل الريحان    ألمانيا تستضيف تدريبات جوية لقوات الناتو    فرق الإنقاذ الألمانية تواصل البحث عن رجل إطفاء في عداد المفقودين في الفيضانات    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    بالأسماء.. اعتماد 17 مدرسة بالوادي الجديد من هيئة ضمان جودة التعليم    البورصة تربح 5 مليارات جنيه في منتصف تعاملات اليوم الإثنين    محافظ القاهرة: تكلفة الخطة الاستثمارية تجاوز مليارا و575 مليون جنيه    شقيق الفنانة سمية الألفي يكشف تطورات حالتها الصحية بعد حريق منزلها    الموسم الثاني من سلسلة "الأعيان" على شاشة الوثائقية قريبًا    لماذا رفض الروائى العالمى ماركيز تقديم انتوني كوين لشخصية الكولونيل أورليانو في رواية "100 عام من العزلة"؟ اعرف القصة    رئيس جامعة طنطا يتفقد الامتحانات بمركز الاختبارات الإلكترونية بالمجمع الطبي    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    "ما حدث مصيبة".. تعليق ناري من ميدو على استدعائه للتحقيق لهذا السبب    التشكيل المتوقع لودية ألمانيا وأوكرانيا ضمن استعدادات يورو 2024    وزير الصحة: منصة إلكترونية للدول الإفريقية لتحديد احتياجاتها من الأدوية    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    باحثة ل"إكسترا نيوز": مصر لديها موقف صارم تجاه مخططات إسرائيل ضد غزة    هل يجوز ذبح الأضحية ثاني يوم العيد؟.. «الإفتاء» توضح المواقيت الصحيحة    وزير الصحة: نفذنا 1214 مشروعا قوميا بتكلفة تقترب من 145 مليار جنيه    أول تعليق من التعليم على زيادة مصروفات المدارس الخاصة بنسبة 100 ٪    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    رسومات الأحياء المقررة على الصف الثالث الثانوي.. «راجع قبل الامتحان»    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وفقا لما جاء في الكتاب والسنة النبوية    محمد الباز ل«بين السطور»: فكرة أن المعارض معه الحق في كل شيء «أمر خاطئ»    أفشة: كولر خالف وعده لي.. وفايلر أفضل مدرب رأيته في الأهلي    مقتل شخص وإصابة 24 فى إطلاق نار بولاية أوهايو الأمريكية    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصر أحمد بهاء الدين
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 02 - 2017

فى هذا الأسبوع يحتفل أصدقاء أحمد بهاء الدين، الكاتب الكبير الراحل، ومحبوه الكثيرون، بالذكرى التسعين لمولده.
لم يكن فى ظروف نشأة أحمد بهاء الدين أو تعليمه ما يدعو إلى توقع هذا المستقبل الباهر، ولكن حدث غير المتوقع لحسن الحظ، فظفرنا بهذه الموهبة التى كان لها أثر نادر المثال فى الصحافة والثقافة المصرية.
اجتمعت لأحمد بهاء الدين مجموعة من الصفات التى يندر اجتماعها، أهّلته لأن يكون كاتبا مؤثرا ومحبوبا، ومفكرا سياسيا يتوافر لديه ترتيب صحيح للأولويات، ومعلقا حكيما وبليغا على مختلف الأحداث الاجتماعية والسياسية والثقافية، ومتابعا دءوبا لما يجرى فى العالم من أحداث ذات أهمية لما يحدث فى مصر والعالم العربي.
كان له أسلوب فى الكتابة، رشيق يتسم بالوضوح والبساطة، يصل مباشرة إلى عقل القارئ دون التواء أو حذلقة، ويسمح للكاتب بأن يقول كل ما عنده فى أقل عدد من السطور، ولكن يتوافر له أيضا التعاطف مع قضايا مجتمعه الأساسية، فيدرك أهمية العدالة فى توزيع الدخل، والديمقراطية السياسية، وكذلك المزايا التى يمكن أن يحققها العرب من التوحد، أو على الأقل التعاون فيما بينها، كما كان له ذوق رفيع فى تقييم الأعمال الثقافية والفنية، وشجاعة فى التعبير عن رأيه فى هذه الأعمال. لم يكن ضميره يسمح له قط بأن يكتب أو يقول ما يخالف اعتقاده. ربما سكت أحيانا على مضض ولكن لا أعرف له مثالا واحدا كتب فيه ما يخالف ضميره من أجل الحصول على مكسب من السلطة أو من أصحاب النفوذ.
كان اجتماع هذه الصفات الطيبة فى شخص واحد صدفة سعيدة بلا شك، ولكنى أميل أيضا إلى الاعتقاد بأن هذه الصدفة السعيدة لم يكن من الممكن أن تحدث فى أى عصر.
كان «عصر أحمد بهاء الدين» عصرا مناسبا لظهور هذا الرجل، رغم ندرة اجتماع هذه المزايا فى شخص آخر، لقد ولد بهاء فى أواخر العشرينيات من القرن العشرين، وتوفى فى أوائل التسعينيات، فهو لم يكمل السبعين عاما. شهد فى حياته (مع اختلاف درجة الوعى بالطبع) عصر إسماعيل صدقى والنحاس، والكفاح الوطنى من أجل الجلاء، وتأميم قناة السويس، ونمو حركة الإخوان المسلمين حتى مقتل النقراشى وحسن البنا، وفرح الناس بقيام حركة الجيش فى 23 يوليو 1952، وأعمالها الأولى المجيدة التى استحقت من أجلها وصف الثورة، شهد تفاؤل الخمسينيات وأوائل الستينيات، ثم إحباط أواخر الستينيات ونكوص الثورة على أعقابها فى السبعينيات والثمانينيات. كانت الظروف تسمح له بتولى رئاسة تحريرة مجلة واعدة (صباح الخير)، قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره، واستطاع أن يجعلها، بسبب ما له من ثقافة ومواهب، مجلة ناجحة فى الوصول إلى «القلوب الشابة والعقول المتحررة»، كما وصفت المجلة نفسها عن ظهورها. ولكن المدهش هنا كيف كان عقدا الخمسينيات والستينيات بالفعل عصر «القلوب الشابة والعقول المتحررة». لم يكن هذا الوصف ينطبق فقط على مصر فى ذلك الوقت، بل كان يصلح أيضا لوصف حالة العرب بصفة عامة، بل وكثيرا أيضا من الأمم الأخري، سواء من المتحررة حديثا (كالهند والصين)، أو الدول التى كانت تعيد بناء ما دمرته الحرب فى أوروبا، كان عصرا متفائلا شهد عبد الناصر فى العالم العربي، ونهرو فى الهند وسوكارنو فى إندونيسيا ونيكروما فى غانا، وديجول فى فرنسا، وكيندى فى الولايات المتحدة، وخروتشوف فى الاتحاد السوفيتي. لا يمكن الخوض الآن فى محاولة لبحث عن تفسير ما حدث من تراجع فى الطموحات منذ السبعينيات أو أواخر الستينيات، ولكن أحمد بهاء الدين شهد مع من شهد صعود هذه الطموحات خلال ربع القرن التالى لانتهاء الحرب العالمية الثانية، وكان لأبد أن تفجر هذه الظروف طموحات ومواهب كثيرة كان من بينها طموح ومواهب أحمد بهاء الدين.
من القصص الطريفة التى تروى عن أحمد بهاء الدين أنه فى فترة اتسمت بالاتجاه البوليسى فى عهد جمال عبد الناصر، ومن ثم اشتداد بعض الحركات المعارضة لنظامه، أشار البعض على عبد الناصر بأنه قد يكون من الحكمة اعتقال بهاء الدين من بين المعتقلين، بسبب ما يبدونه من معارضة، فرفض عبد الناصر قائلا: إن أحمد بهاء الدين «مخه كده»، بمعنى أنه ليس عنصرا فى تنظيم يخشى منه على النظام، ولا تحركه طموحات شخصيته، أو غيرة وطنية بل يعبر فقط عما يعتقده، وهذا النوع لا يهدد نظام الحكم.
وقد كان أحمد بهاء الدين كذلك بالفعل، «مخه كده»، بأحسن معانى هذه العبارة: يكتب ما يقوده إليه تفكيره الحر لصالح الوطن، وليس طموحات إلى الاقتراب من السلطة أو تحقيق ثروة.
لم يكن ممكنا فى رأيى أن يعجب رجل من هذا النوع بما فعله أنور السادات فى السبعينيات، مما أطلق عليه بهاء نفسه وضعا لا يزال يتردد حتى الآن فى وصف تلك الفترة وهو «انفتاح سداح مداح»، أى انفتاح على العالم الخارجى دون ضابط أو تعقل، بما فى ذلك فتح أبواب الاستيراد لدرجة تهديد الصناعة الوطنية التى بنتها مصر فى الستينيات، فلما اشتد هذا الاتجاه وظهرت صعوبة أو استحالة وقفه، قبل بهاء عرضا من الكويت لرئاسة تحرير مجلة شهرية ثقافية، بعد أن كان رئيسا لمجلس إدارة ورئيس تحرير أكبر وأهم صحيفة يومية مصرية، وظل هناك حتى ظهر بعض الأمل فى أن يوضع حد أو بعض الضوابط على هذه السياسة بتولى حسنى مبارك الحكم فى أوائل الثمانينيات، فعاد بهاء إلى مصر يكتب يومياته فى الصحيفة التى تركها، إلى أن تبين أن التدهور قد أصاب المنطقة العربية كلها إلى درجة قيام العراق بغزو الكويت فى 1990، وهى بالضبط السنة التى وقع فيها بهاء مريضا لعدة سنوات انتهت بوفاته.
بدأ أحمد بهاء الدين إذن حياته المهنية فى سن مبكرة فى أواخر الأربعينيات من القرن العشرين، كاتبا فى مجلة محترمة، وإن كانت قليلة الانتشار (الفصول)، ثم شهد وعبر عن الآمال العربية الكبيرة وطموحاتها فى الخمسينيات والستينيات، ثم انزوى فى ركن ثقافى فى السبعينيات، ثم تراوح بين اليأس والأمل فى الثمانينيات، قبل أن يستبد به اليأس ويتوقف عن الكتابة فى أوائل التسعينيات.
لم تجتمع لبهاء فقط مجموعة من المواهب النادرة، ولكنه أيضا استخدم هذه المواهب فى التعبير عن تقلبات العصر الذى شهده، وطموحاته ونكساته، فأصبح من الممكن جدا، ربما أكثر من أى كاتب آخر، أن تتخذ كتاباته سجلا وافيا لتطورات هذا العصر.
لمزيد من مقالات د. جلال أمين;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.