تتعرض مهنة الصحافة لأزمات عاتية تكاد تهدد مستقبلها مما يعرض شبابها للبطالة والضياع، ويضع شيوخها فى مأزق حقيقى حينما يرون تلك المهنة العريقة تتعرض لكل تلك المخاطر دون قدرة على الخروج من ذلك النفق المظلم. لقد أغلق العديد من الصحف الحزبية والخاصة أبوابها، وشردت العمالة بها من صحفيين وإداريين وعمال، وأما الصحف الأخرى التى لاتزال باقية فهى تصارع الأمواج العاتية نتيجة أسباب كثيرة ومتنوعة منها ما يتعلق بأصحاب الشأن أنفسهم وعدم القدرة على التطور وتقديم المحتوى الذى ينتظره القارئ، ومنها ما يتعلق بالظروف الاقتصادية الحالية التى أعقبت ثورة 25 يناير، مما أدى إلى تقليص حجم الإعلانات فى وقت ارتفعت فيه التكاليف إلى حدود غير مسبوقة بسبب تحرير سعر الصرف وارتفاع سعر الدولار بنسبة 120% تقريبا فى وقت تعتمد فيه صناعة الصحف على الأوراق والأحبار المستوردة. فى وسط كل هذه الازمات العاتية التى تهدد مستقبل الصحافة وقفت نقابة الصحفيين المعنية بأمور المهنة والمهنيين من الصحفيين موقف المتفرج والصمت، ولم تفكر فى أبسط الأشياء مثل عقد الندوات المتعلقة بذلك الأمر، أو حتى مجرد جمع رؤساء المؤسسات والمعنيين بالأمر لمناقشة الأزمة وتداعياتها وسبل الخروج منها حفاظا على مستقبل المهنة وشبابها قبل أن يفقدوا الثقة فى مهنتهم وقدرتها على سد احتياجاتهم المعيشية والمادية والمعنوية. البعض يتحدث نتيجة قلة الخبرة أحيانا والجهل أحيانا أخرى عن عدم أهمية الصحف وعن انخفاض تأثيرها، رغم أن الصحف فى العالم كله لاتزال لها دورها القوى والمؤثر مما يعنى أن الخلط بين التقدم العلمى وانهيار الصحافة فيه الكثير من الاستخفاف والمغالاة للتنصل من المسئولية عن الأزمة الراهنة، لأن مصر لاتزال سوقا واعدة لانتشار الصحف مثلها مثل الهند والدول النامية الأخري، ويكفى أن نعرف أن توزيع الصحف فى الهند يتصاعد وينمو باستمرار حتى وصل إلى 310 ملايين نسخة ورقية يوميا بما يوازى نحو 35% من عدد السكان تقريبا، فى حين تصل نسبة توزيع الصحف فى اليابان بلد المنشأ للتكنولوجيا إلى حوالي 60% حيث توزع الصحف اليابانية نحو 70 مليون نسخة يوميا، فى حين يبلغ عدد السكان نحو 130 مليون نسمة تقريبا، وتعتبر الصحف اليابانية هى الأكثر توزيعا فى العالم، ويكفى أن توزيع الطبعة الصباحية لجريدة «يوميوري» يصل إلى 10 ملايين نسخة أى حوالي 10 أضعاف الصحافة المصرية مجتمعة.. الصحافة المصرية مرت بفترات ازدهار نسبية وصلت فيها أرقام التوزيع إلى نحو 3 ملايين نسخة فى بعض الأيام وبعض الظروف والأحداث لكنها الآن تمر بمحنة شديدة جعلتها تفقد اكثر من نصف توزيعها نتيجه أسباب عديدة ومتنوعة تحتاج إلى جهد متكامل من المؤسسات الصحفية ونقابة الصحفيين والهيئات المالكة الجديدة طبقا لقانون التنظيم المؤسسى الذى صدر منذ ما يقرب من شهرين ولم يتم تفعيلة حتى الآن لأسباب غير مفهومة وغير معقولة مما يفاقم حجم الازمات التى تواجهها الصحافة ويوصد أبواب الأمل أمام شباب الصحفيين الذين اختاروا مهنة البحث عن المتاعب، إلا أنهم يواجهون الآن مخاطر عديدة تحيط بأوضاعهم الاقتصادية المتردية وغلق أبواب العمل أمامهم. فى فترات الازدهار كان الصحفى يجد أبواب عمل كثيرة أمامه ويستطيع التحرك بسهولة فيما بينها، لكنه الآن محاصر داخل اختيارات ضيقة فى وقت ارتفعت فيه تكاليف المعيشة إلى مستويات كبيرة يصعب تحملها. لقد أصبحت اماكن العمل الصحفى طاردة مما جعل أعدادا كبيرة من الصحفيين يتعرضون للبطالة ولم يعد أمامهم سوى مصدر وحيد وهو بدل التكنولوجيا كمصدر للدخل، وعمليا بعد ارتفاع سعر الدولار وانهيار الجنيه فقد تراجعت قيمة البدل أكثر من 50% مما يستدعى ضرورة تعويض هذا الفارق للحفاظ على الحد الأدنى لحياة آمنة ومستقرة لفئة من المجتمع يحملون مشاعل التنوير والتقدم، ويمثلون قوة مصر الناعمة إلى جوار أشقائهم من المثقفين والكتاب والفنانين الذين ساهموا فى تشكيل وعى الأمة العربية كلها خلال عقود طويلة. صحيح هناك أخطاء، وهناك تقصير لكن لا يعنى هذا أن نكتفى بالفرجه ولابد من الفعل الايجابى من كل الأطراف، وأولهم أصحاب الشأن فحينما يتعلق الأمر بالبقاء والمستقبل فلابد أن نتوحد ونتحاور ونصل إلى حلول للخروج من المأزق الحالي. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة