«محمود بيومي» عيون تشع منها الحيوية والبهجة...شاب يحمل داخل صدره الحياة ..احلام كثيرة وطموحات تتصارع داخل نفسه، لم يكتف بأنه ابن استاذ الطب المشهور ونجل الطبيبة البارعة وانه من عائلة مشهود لها بالحسب والنسب بمحافظة المنصورة وان لديه من الاموال الكثير بل اصر على الالتحاق بقسم ادارة الاعمال بالجامعة البريطانية ليكون له عمله المستقل ويبنى مستقبله بنفسه وكان يخطو اولى خطواته نحو المستقبل والنزول لسوق العمل. ارتجفت اوصال محمود لمحبوبته سالى حجازى تلك الفتاة الجميلة التى لم يدق قلبها سوى لهذا الشاب المشهود له بحسن الاخلاق وترغبه معظم الفتيات بمحافظة الدقهلية وتقدم للزواج بها وفى احتفالية كبيرة تشبه حكايات ألف ليلة وليلة تمت الخطبة وكأن محمود كان يعلم انها الفرحة الاخيرة فى حياته وانها المرة الاخيرة التى يرتدى فيها بدلة «عريس» ولم تكتمل فرحة العروس الجميلة بفتى احلامها واختطفه الموت الرهيب فى لمح البصر أمامها، ومات «محمود» قبل زفافه بشهور بعد ان اشترى له والده شقة الزوجية وسيارة فارهة هدية تخرجه فى الجامعة البريطانية، وانفرطت عقود فرحتها به فى أبيار الحسرة والشجن، ورحلت عنها الفرحة بلا رجعة وانطفا بريقها وتبدل فستان الزفاف الأبيض بالبالطو الأسود وسكن الحزن جوارحها بعد أن فقدت من كان بعد شهور سيكون شريك حياتها فى عش الزوجية، ومات عريسها قبل أن تكتمل فرحتها به بعد أن اغتالته »يد البلطجة« فى لمح البصر، لتشق بمفردها الدروب العتمة بعد أن رحل عنها الأنيس والرفيق، ودفع الشاب الوحيد لوالديه سنوات عمره ثمنا لشاب أهوج لا يعرف سوى لغة المطواة والقتل لإرضاء رئيسه فى العمل وراح محمود بيومي، ولم يتبق منه سوى ذكرى أليمة تبعث الحزن والحسرة فى قلبى والديه اللذين لم ينجبا غيره، وخلا البيت من أصوات ضحكاته، وسكن الحزن جدرانه. وقال المقربون من الأسرة المكلومة إن والده طريح الفراش لا يقوى على التفوه بكلمة واحدة بعد أن رحل عنه ابنه الوحيد الذى كان له السند والحماية، رحل من كان سيحمل نعشه عند مماته، ويتقبل فيه واجب العزاء، مات من كان سيتوكأ عليه عند الكبر، رحل وريثه الوحيد ولم يتبق منه سوى ملابسه التى تفوح منها رائحته فى غرفة نومه، ووسادته التى تبكى رحيله، ولم يصدق الأب المكلوم أنه حمل نعش ابنه وبيديه وارى جسده خلف الثري، وأنه بات بدونه مثل عود أخضر فى أرض جدباء تفتك به الوحدة. أما أمه الطبيبة المعروفة فلم تستوعب رحيل ابنها الوحيد المفاجيء الذى كانت تستدفئ بأنفاسه فى ليل الشتاء القارس، فهو كان لها الابن والشقيق والصديق وكل البشر. وأضافوا أن عمة الفقيد »محمود« فارقت الحياة عقب سماع خبر وفاته، فلم يحتمل قلبها سماع النبأ المشئوم، فهو كان من زينة شباب العائلة وتفتخر به أينما راحت، وكان يحنو عليها مثل أبنائها، فلم تحتمل رحيله ولحقت به، أما خطيبته «سالى حجازي» فلم تصدق أن «محمود» ذهب بلا عودة رغم أنها شاهدت المتهم البلطجى وهو يغرس سكين الغدر فى قلبه ومات بين يديها وتخضبت ثيابها بدمائه، ومنذرحيله لم تنطق بكلمة واحدة فقد أصابها الحادث الأليم بالذهول وعدم القدرة على السير، حتى أنها لم تتمكن من الذهاب إلى نيابة مصر الجديدة لتدلى بأقوالها باعتبار أنها الشاهدة الأولى على الحادث، وأكدوا أن جنازة محمود تحولت إلى مشهد قهر للرجال فقد انحنت هامات رجال العائلة المرموقة وهم يسيرون خلف نعش »محمود« ومن أعينهم تسيل الدموع حزنا عليه. «محمود« كان على صفحته الشخصية يداعب أصدقاءه وخطيبته وأقاربه، وكتب على حسابه الخاص : »فى يوم ما عليك أن تتذكر اسمي« وكأنه كان يعلم بالنهاية المأساوية التى كتبتها له البلطجة، وأن ملايين من المصريين لن ينسوا اسمه أبد الدهر، وعلى صفحته كثرت عبارات التعازى والرثاء ومنها علقت فتاة قائلة: «انا ما اعرفكش بس والله من اليوم اللى توفيت فيه وانا بدعيلك ان ربنا يجعلك من اهل جنته وربنا يرحمك ويصبر اهلك وحبايبك وخطيبتك»، وأخرى كتبت: «الله يرحمك بقيت فى قلوب كل مصرى زى ماكتبت وهتبقى تنبيه لحاجات كتير وفى حياة ناس كتير وكان اختبار من الله على اهلك واصحابك وخطيبتك وعلى كل بيت مصرى ويكفى كلمتك».