ثمة صلة غير منظورة بين الإرهاب والأسلحة النووية، فهما وجهان لعملة واحدة، عملة يستعجل مالكها بشتى الوسائل حدوث يوم القيامة وفناء عالمنا غير العادل والمنصف، الذى يجور على الضعفاء ويسلبهم خيراتهم وحقوقهم، هذا التمازج والتماهى بين الشرين الإرهابى والنووى قائم على الرغم من البون الشاسع البادى بينهما ظاهريا والمتمثل فى أن حائزى الأسلحة النووية ينحصرون فى تسع دول فقط، بينما تبدو قماشة الإرهاب أعرض وأوسع بالمعيار العددى. فالبلهاء الذين ينضمون لداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية يحسبون أن خلاصهم وطوق نجاتهم فى الموت، والانتقال من الدنيا الفانية إلى دار الخلد والنعيم المقيم، وأنهم يُرضون رب العزة سبحانه وتعالى بتصرفاتهم الشنيعة من جز لرقاب العباد لأتفه سبب، وتفجير سيارات ملغومة فى الأماكن المكتظة بالناس، وتربية النشء على القتل وتكفير الآخرين منذ نعومة أظافرهم، وتشويههم نفسيا وبدنيا، والترويج للنعرات الطائفية والعرقية فى أقبح وأحط صورها. هذه الكائنات المشوهة لا ترى فى دنيانا سوى المفاسد والمهالك والخسران المبين، وأنها لا تستحق الاعتداد والاكتراث بها، ويعيشون فيها بروح ميتة كارهة لكل شىء وأى شىء، وتنتظر بفارغ الصبر قدوم يوم القيامة، ولا تجد فيهم سوى الغلظة والإعراض عن إعمال العقل والتدبر، رغم أن المؤمن الحق مطالب بتعمير الدنيا وليس تدميرها، والإحسان والرفق بأهله وجيرانه والبشرية جمعاء، ويتغافل هؤلاء عن وجود آيات عديدة فى القرآن الكريم تخاطب البشر جميعا وليس المسلمين وحدهم، وأن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده ، وأن الدين الحنيف عماده وزاده المعاملات الحسنة بين المسلمين وبعضهم البعض، وبين المسلمين وأصحاب الديانات السماوية والمعتقدات الدينية المتعددة، وليس الإغراق فى القتل وتأجيج العداء. معتنقو خزعبلات وتخاريف داعش وأخواتها يتحولون لوحوش كاسرة تبحث عن ضحاياها وتستلذ بمشاهدة دمائهم تسيل بحورًا أمام أعينهم، رأينا ذلك فى مذبحة إسطنبول ليلة الاحتفال برأس السنة، عندما فتح مختل داعشى النار على رواد ملهى ليلي، وقبلها اغتيال السفير الروسى لدى أنقرة على الهواء مباشرة بذريعة الانتقام لأطفال ونساء وشيوخ سوريا المحاصرين فى مدنهم، ثم مهاجمة مصرى قوات الأمن بمتحف اللوفر فى باريس الذى لم تتضح تفاصيله وحقائقه بعد. وبدلا من أن تتضافر المساعى والاجتهادات الدولية لتطويق أخطار الإرهاب المستتر بالدين، وبدعاوى نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان وغيرها من المسميات والشعارات الغربية الخادعة التى أوردتنا التهلكة والخراب، فإن الولاياتالمتحدة ومعها الغرب يسهمون فى استشراء الظاهرة واستفحالها بتوفير ذرائع وحجج يستغلها الإرهابيون لتجنيد وتغييب مزيد من القتلة الباحثين عن المغامرة فى كهوف وجبال الشرق الأوسط. ومن بين تلك الذرائع الربط التعسفى بين الإسلام والإرهاب، واغلاق الأبواب المفتوحة أمام اللاجئين الفارين من أهوال الحروب والمجاعات والاضطهاد، فها هو ساكن البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب، يقرر منع حاملى جوازات سبع دول إسلامية من دخول بلاده بذريعة حمايتها من تسلل عناصر إرهابية تعيث فى الأراضى الأمريكية فسادا وتخريبا. ولا ينتبه ترامب وغيره الى أن هذه النبرة تغذى مناخ الكراهية، وتقطيع الأوصال بين الأديان والحضارات، وأن الإرهاب ليس له دين ولا وطن، وأنه آفة بغيضة تهدد الكل وعليهم التعاون لمكافحته، لكن الرجل يصر على إحداث اهتزازات وصدمات لا تتوقف على الساحتين الأمريكية والدولية غير عابئ لا برد الفعل الداخلى الرافض لسياساته المغلفة بأطر عنصرية مقيتة، ولا باعتراضات الحلفاء الأوروبيين والآسيويين، ولا يريحه السير على خطوط الدبلوماسية الناعمة المعهودة فى العلاقات الدولية. احتكاكات ومناوشات ترامب مع قادة ودول العالم اقلقت كثيرًا العقلاء ممن يعنيهم ويكترثون بسلامة كوكب الأرض والمقيمين عليه، وجعلتهم يبدون مخاوفهم المتزايدة من أنها قد تتسبب فى نشوب حرب لا تبقى ولا تذر مع تسارع وتيرة الانفاق العالمى على التسليح «1٫6 تريليون دولار فى 2015»، وتسخين نقاط التماس بين جيوش الكبار بالقارة الأوروبية وخارجها، وأن السيناريو الأسوأ والأبشع أن تكون الأسلحة النووية من بين الأدوات المستخدمة فى صراعات ومعارك الأقوياء. فقبل أيام قليلة خرج مسئول عسكرى صينى رفيع المستوى معلنا أن الحرب مع الولاياتالمتحدة لم تعد شعارًا فارغا من المضمون وأنها أضحت واقعا عمليا على حد تعبيره الحصري، بسبب موقف ترامب من سياسة الصين الواحدة، واستفزازه بكين بورقة تايوان التى يتم التعامل معها على أنها جزء متمرد على الوطن الأم، والتحرشات بين القطع البحرية الأمريكيةوالصينية فى بحر الصين الجنوبي، وبرزت فى وسائل الإعلام الصينية تقارير تتحدث عن تحريك صواريخ باليستية بعيدة المدى قادرة على إصابة اهداف بالولاياتالمتحدة كنوع من الإنذار المبكر لإدارة ترامب بأن عليها أن تفهم وتستوعب جيدا مع مَن تتعامل وما هى قدراته. ثم اطل علينا بعد طول غياب آخر رؤساء الاتحاد السوفيتى الغابر ميخائيل جورباتشوف بمقال فى مجلة «التايم» الأمريكية محذرًا فيه من أن الإرهاب ليس هو الخطر الداهم المحدق بكوكبنا البائس، وأن الأولوية يجب أن تتجه للأخذ بيد العالم وإرجاعه خطوة للوراء لأنه على شفا الحرب، مستشهدًا بأن روسيا والبلدان الأوروبية تحشد أسلحتها التقليدية وغير التقليدية فى مناطق المواجهة بين الجانبين بما يوحى أنهما فى انتظار خروج الرصاصة الأولى فى حرب لا يدرى احد مداها ونتائجها، ولفت جورباتشوف الأنظار إلى أن العلاقات بين القوى الكبرى تسير من سيئ لأسوأ فى السنوات المنصرمة، وأن الخطر النووى يتزايد، وأنه حان الوقت للتخلص من الأسلحة النووية المتركزة فى تسع دول من بينها إسرائيل ، وأن واجب ترامب ونظيره الروسى فلاديمير بوتين العمل معا لوقف سيناريو «يوم القيامة»، وأن يتخذا قرارا جريئا بتخليهما عن الخيار النووى على اعتبار ان واشنطن 7 آلاف رأس نووى ، وموسكو 7300 رأس نووى يملكان 90% من الترسانة النووية الدولية. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي;