(كانت اللحظة المنتظرة ... المواطن يستمع الي دقات المسرح الثلاث بسعادة وانبهار وارهاق شديد أخيرا يجلس ويشاهد بنفسه عرضا علي المسرح القومي فتحت الستارة الحمراء وظهر الممثلون يراهم علي حقيقتهم وليس علي غلاف مجلة ولا في علي شاشة عرض لم يتمكن المواطن من الاستمتاع بالفرجة وراح في نوم عميق وغطي صوت شخيره علي صوت العرض ) مسرحيات يوسف إدريس ، ونعمان عاشور ، وسعد الدين وهبة ، وألفريد فرج ، ولطفي الخولي ، ومن المخرجين عبد الرحيم الزرقاني ، وسعد أردش ، ونبيل الألفي ، وكرم مطاوع، وتألق عمالقة التمثيل اعلى خشبته : سميحة أيوب ، وعبد الله غيث ، وحمدي غيث ، وشفيق نور الدين ، وحمدي أحمد ، وغيرهم. وتاريخ عظيم قبل ثورة يوليو وبعدها ومكان من اجمل اماكن القاهرة في منطقة الازبكية وتاريخ يمتد من الخديوي اسماعيل سنة 1869، المسرح القومي علامة كبري من علامات الثقافة والحضارة والفن تحول مجرد دخوله الان والوصول اليه حالة كاملة من الشقاء والمعاناة تخيل اسرة مكونة من اب واطفالهما قرروا ذات الليلة الذهاب الي المسرح القومي العريق والاستمتاع بعروضه لن يجدوا مكانا مريحا لتقف سيارتهم فيه- او مكانا يقبل اي تاكسي ان يقف بشكل مريح امامه ولا يوجد مكان حتي لميكروباص او اتوبيس يقف علي مقربة من المدخل كل تلك الوسائل لا مكان لها وستلقي بالمواطن واسرته بعيدا تماما و المدخل نفسه عجيب ومختبأ وغامض ومفاجيء تستطيع ان تصنع مسابقة بين افراد تلك العائلة لمن يكتشف ذلك المدخل قبل الاخر علي تلك الاسرة ان تسير علي الاقدام - وذلك افضل الحلول - علي رصيف صغير ملاصق للكوبري العجيب الذي يلتصق بالمسرح بلا داعي ستسير الاسرة بشكل بهلواني في طابور فردي وكل واحد يمسك بيد الاخر حتي يجدوا امامهم مدخلا هو للسيارات وليس للمشاة جراج عجيب يحتل مدخل المسرح يكاد يختفي خلف عدد مهول من الباعة الجائلين واصوات تنادي بشكل عشوائي علي منتجات مجهولة المصدر والمعني والاسرة تحاول الدخول الي الساحة للوصول الي العرض فتدفعها ايد واقدام ويكون العرض الهزلي في الخارج اقوي واكثر تأثيرا ، لا يوجد مدخل واضح لا يوجد طريق طبيعي يجعل تلك الاسرة تدخل بشكل مريح وبالتأكيد بعد الوصول سيستسلم الاب والام الي النوم في كرسييهما بعد كل هذا العناء وسيكره الاطفال المسرح للابد ، ليس من اللائق طبعا ان يكون المسرح القومي بعيدا عن قلب العاصمة وليس مريحا ان ينقل المسرح القومي للصحراء فيذهب الجمهور الي المسرح القومي في الرحاب او السادس من اكتوبر مثلا وتظل العاصمة بشكلها القديم هي المكان الانسب للمسرح القومي ولكن ليس لدرجة معاقبة وتعذيب المواطن الذي يقرر ذات ليلة حزينة ان يذهب الي المسرح القومي ، المسارح الرئيسية العريقة في كل العواصم الكبري اماكن قريبة ومريحة اماكن تجذب الجمهور مصدر من مصادر الثقافة والمتعة والبهجة والترفيه وليست جزءا من سوق شعبي مزدحم ليست مكانا يدفع الجمهور للهرب وليست مكانا كئيبا يجعل من الفرجة علي عرض مسرحي ذكري مؤلمة في عقل طفل ، المسرح القومي هو طوق النجاة التقليدي والطبيعي من الفنون الرديئة هو المكان الاجمل لعرض افكار ومواضيع مختلفة تحمل قيما جمالية ارقي من المتاح، المسرح والقومي تحديدا شباك من شبابيك الثقافة يتم اغلاقه بشيش عجيب وتخبئته وسط كم من الضجيج والتلوث السمعي والبصري الذي لا يتصوره عقل ليتواكب تشوية المسرح القومي مكانيا بهذا الشكل العجيب مع غياب كامل للنصوص الحديثة الجيدة وغياب شبه تام لعروض مصرية بكتاب مسرحيين مصريين جدد يقدمون نصوصا راقية تفوق اعمال من رحلوا تحول المسرح القومي الي مبني جميل محاط بالعجب والقبح ، المسرح القومي بعد ان كانت خشبته أعرق خشبة مسرحيه في تاريخ البلاد وعرضت عليها الاعمال المترجمة العريقة من سوفيكليس الي موليير والشكسبيريات وغيرها ونافستها ايضا النصوص المصرية القادرة القوية يختبأ الان ذلك المسرح خلف اصوات الصراخ وضجيج البلطجية ونداءات بذيئة وزحام مربك ومدخل مختف … واضح بالتأكيد ان الميدان باكمله تم تشويهه بشكل لا يجدي معه تغيير فلن تتم ازالة الكوبري ولا يستطيع احد ان يعيد تلك الجغرافيا القبيحة الي سابق عهدها الجميل حين كانت حديقة الازبكية ومسارحها وصوت ام كلثوم يملأ هواء الحديقة والميدان جمالا ونغم فان لم نستطع تغيير ذلك المنكر واعادة الجمال الي نصابها فليكن ذلك المسرح القومي بصورته الحالية متحفا للتراث المسرحي القومي وينقل المسرح القومي كمكان مهم وراق للعروض المسرحية الي مكان اخر مكان يجعل المواطن يصل بسهولة ويسر مكان يجعل الاسرة المصرية لا تندم ابدا علي الاقدام علي خطوة الفرجة علي مسرحية علي المسرح القومي. مكان لا يجعل كلمة المسرح القومي في ذهن اطفالنا كابوسا يهربون من تذكره. لعل المكان الجديد اللائق يحقق المعجزة الاكبر بوجود عروض مسرحية مهمة وجميلة وممتعة علي خشبة المسرح القومي يشاهدها الجمهور بلا تعب ولا ارهاق.