بداية لابد لي أن أوجه تحية تقديرواحترام لتلك الجهود الحثيثة التي تقوم بها «هيئة الرقابة الإدارية» في مصر تنفيذا لتعليمات الرئيس السيسي، خاصة وأن البلد تبدو الآن محاطة بهالة ممن يريدون إسقاط سيادتها بانتشار أعمالهم التي تعتمد على الفساد وترسخ له في كافة مناحي الحياة، إلا أن هيئة الرقابة الإدارية تقف لهم بالمرصاد، وتقوم حاليا بكشف العديد من المُخططات التي كانت وماتزال تستهدف تخريب مصر على يد بعض أبنائها، بالتعاون مع جهات داخلية شريرة وخارجية خبيثة تسعى لتدمير مصر. ومن هنا ألفت النظر وأناشد الرئيس بالتدخل، تأكيدا لتصريحاته بعدم ترك الشعب للجشعين، وذلك بتوجيه ضباط الرقابة فورا ودون تأخير لبحث ملفات مافيا الفساد من المستفيدين جراء تمرير قانون الإيجارات القديم، خاصة بعد أن صرح أحد داعمي حقوق الملاك الجمعة الماضي – أي قبل أسبوع - بأن لديه 100 مليار جنيه جاهزة تحت تصرف الدولة في اليوم التالي لتمرير القانون، مؤكدا أن هذا المبلغ سيكون تحت تصرف الحكومة بالكامل لبناء مساكن بديلة للمستأجرين في الصحراء، ولأن هذا الرقم يبدو ضخما ومريبا أرى ضرورة تدخل الرقابة الإدارية فورا للبحث في مصدر هذا المبلغ، حيث تشير المعلومات التي تتوفر لي إلى تنامي دور خطير لرجل الأعمال والمقاول القطري الذي يعمل لحساب وزارة دفاع بلده «أحمد جاسم النصف» لشراء عقارات وسط البلد التاريخية عبر مكتب شركته الكائن في حلوان، والذي يديرها النائب المقاول صاحب مبادرات ومشاريع تمرير القانون المثير للجدل بالتعاون مع بعض رجال الكبار ممن يرغبون في تحويل «وسط البلد» إلى «مانهاتن جديدة» بحسب خيالهم الطامح نحو ابتلاع عقارات مصر التاريخية عن طريق هدم التراث المعماري الفاطمي العريق وتحويله إلى ركام تمهيدا لتحقيق حلمهم المزعوم على حساب الفقراء والبسطاء من أبناء هذا البلد ليكون مصيرهم الصحراء، أو العراء. حملات مسعورة قام بها من يدعون حماية حقوق الملاك - حتى لحظة كتابة هذا المقال - من خلال 33 لقاء تليفزيونيا على الفضائيات، و417 خبرا على المواقع الالكترونية، هذا بخلاف ما ينشر من أخبار وتحقيقات وملفات على الصحف الورقية، فضلا عن سعيهم الدؤوب عبر 7 مشروعات قانون تستهدف تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر تقدموا بها لمجلس النواب، وكلها عبارة نسخ كربونية من القانون الشائك في مواده واللاعيبه، في وقت تدعمهم فيه 27 جمعية حقوق إنسان تتدعي الدفاع عن حقوق الملاك، بينما المستأجرون الغلابة لايجدون من يقف بجانبهم من جانب تلك الجمعيات وغيرها أو حتى الحكومة نفسها، وهؤلاء لايكفون عن ابتكار أساليب شيطانية يلبسون فيها الحق بالباطل على جناح الفتاوي الدينية المبتورة والتي لا تجيز التوريث، وقد لاحظت أنهم نشطوا على غير العادة طوال الأسبوع الماضي في ترسيخ مفهوم فتوى الشيخ «نصر فريد واصل» بتحريم توريث عقود الإيجار عبر العديد من برامج التوك شو، معولين كثيرا على إجابة الشيخ واصل عن السؤال: هل من حق المستأجر أن يرث عن غيره؟ ، دون التطرق بالسؤال ذاته على نحو مختلف عن جواز تمديد العقود كما أوجب حكم المحكمة الدستورية العليا رقم (70) بتاريخ 14 نوفمبر لعام 2002. والسند في هذا الحكم يستمد قوته ووجاهته من أن الدستور في مادته الثانية يؤكد على أن الإسلام دين الدولة، وهو بالأساس المصدر الرئيسي للتشريع، ومن ثم فكيف لهؤلاء أن يتمسكوا بالتفسير الديني الذي يخالف في جوهره حكم المحكمة الدستورية العليا؟، وهو بالمناسبة حكم لا يقبل النقض ولا الطعن عليه كما هو متعارف عليه، خاصة أن المحكمة الدستورية المصرية العليا تعد واحدة من أرقى المحاكم الدستورية على مستوى العالم، بل إنها تحتل المرتبة الثالثة في الترتيب الدولي من حيث العراقة ورقي الأحكام ونفاذها، كما أن المادة 191 – 192 من الدستور حصنت مثل تلك الأحكام الدستورية من الطعن والنقض، ناهيك عن أن المادة 78 من الدستور تؤكد أن الدولة تكفل لكل مواطن السكن الاجتماعي المناسب حفاظا لكرامته. وترتيبا عليه كيف يتم طرد حوالي 26 مليونا من 5.7 مليون وحدة سكنية ، و1.2 مليون محل تجاري؟ والرقم الأخير بلاشك يهدد النشاط التجاري في مصر ويصيبه بالشلل التام في حال تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر وإلزام قاطني المحلات بالإخلاء خلال 3 سنوات. ظنى أن اختلاق مثل هذه القلاقل في هذا الوقت تحديدا يعد جريمة لاينبغي السكوت عليها، ففي قلب الأزمة المختلقة حاليا تبرز بعض الأسئلة التي ينبغي أن تجد إجابات شافية، قبل أن نقع في المحظور وتتم الوقيعة بين شعبين «ملاك ومستأجرين» ومنها: هل يمكن للدولة في ظل الظروف الصعبة حاليا أن تبني مساكن لهؤلاء خلال 3 سنوات كما يقترح مشروع القانون، ومن أين وكيف يتم ذلك وهى بالكاد تحل مشكلة العشوائيات؟ لماذا سحب وزير الإسكان مشروع القانون الذي قدمته الحكومة من تحت قبة مجلس النواب، في الوقت الذي أكد فيه «عمرو فهمى» أكبر المتحمسين لتمرير القانون، في أحد البرامج أن الوزير «مدبولي» وعدهم بتمرير القانون في عهده؟ أعلن المهندس علاء والى، رئيس لجنة الإسكان بالبرلمان، عن وجود أكثر من 10 مشاريع قوانين خاصة ب»الإيجار القديم» باللجنة، مقدمة من بعض النواب وبعض الجهات المختلفة، جميعها لا تحافظ على العلاقة بين المالك والمستأجر .. وهنا نتساءل في حيرة: كيف ولماذا وصلت كل تلك المشاريع للبرلمان في هذا التوقيت، ومن هى الجهات التي تدفعنا نحو الهاوية؟ على مدار أربعة عقود في (خمسينيات وستينيات وسبعينيات وثمانينيات) القرن الماضي كان هناك مايسمى بمبدأ «خلو الرجل»، حيث كان المستأجر يدفع في المناطق الشعبية - على سبيل المثال - مبلغ «200 و300 جنيه» لايتم تسجيلها في العقد مقابل الحصول على شقة، وقد وصل هذا الخلو إلى 500 ألف ومليون جنيه في مناطق «وسط البلد – الزمالك – جاردن سيتي» .. كيف يمكن تعويض هؤلاء الآن مع مراعاة الفروق النسبية على أساس السعر القديم، في ظل جنون أسعار العقارات التي يتهددون بالطرد منها الآن ؟ ماهى الحكمة من طرح القصة برمتها في هذه اللحظة الاقتصادية الضاغطة على فقراء الناس، وطردهم ليكونوا لاجئين داخل أوطانهم - رغم حقوق بعض الملاك - جراء ضعف قيمة الإيجار، وانهيار قيمة الثروة العقارية في مصر بالضرورة بسبب القوانين التي عجزت حكومات (عبد الناصر – السادات – مبارك) عن حلها؟ لاشك أن الإسكان في مصر قضية مزمنة وهى تحتاج بالفعل خططا تتسم بالحكمة، نظرا لأنها معقدة للغاية بحيث تقف عند حل مزدوج يعطي للمالك جزءا من حقه وليس كله، فما ذنب قطاع كبير من السكان قاموا باستئجار شققهم من 30 و40 سنة ب 40 جنيها كانت توازي 60- 70 دولارا آنذاك، في حين كان ثمن العمارة بكاملها لايزيد عن 50 ألف جنيه في أرقى أحياء القاهرة، ولا تزيد عن 100 ألف جنيه لعمارات وسط البلد، والتي تباع حاليا بعشرات ومئات الملايين!.