أجري «الأهرام» حوارا مع د.«لوران بافييه» مدير المعهد العلمى الفرنسى للآثار الشرقية وترجمه عماد عدلى المحرر الأثرى والمترجم بالمعهد - حول دور وفلسفة هذا المعهد العلمى العريق قال فيه: دعنى أحدثك أولا عن الهدف الذى تأسس المعهد من أجله لم يحد عنه إلى الآن وهو ليس البحث والتنقيب عن الكنوز المصرية القديمة النادرة مثلما كان يحدث قديما بل أردنا معرفة تاريخ وحضارة المصريين وهو الجانب الأهم فى الأمر بالعمل في 30 موقع تغطى كل العصور بدءا من عصر ما قبل التاريخ والعصر الفرعونى مرورا بالبطلمى والقبطى والإسلامى حتى العصر الحديث فى جميع أنحاء مصر، بينما كانت البعثات الأثرية الانجليزية مثلا تتوجه إلى المدن الوارد ذكرها فى التوراة مثل تل المسخوطة وتل اليهودية وصان الحجر، فالحفائر فى دير المدينة بالأقصر والتى تعود إلى عصر الدولة الحديثة - كشفت النقاب عن جبانة وقرية الحرفيين الذين شيدوا مقابر الملوك والنبلاء وتعد كتابا مفتوحا للحياة اليومية والفنون والآداب وقتها،وظلت فكرة أن الحضارة المصرية القديمة لم تخرج من حيز الدلتا والوادى، وأن دور الصحراء الشرقية والصحراء الغربية ينحصر فى حماية الدولة الفرعونية سائدة بين علماء المصريات إلى أن كسر معهدنا حاجز تلك الفكرة عام 1970 وأثبتت حفائرنا فى موقع بلاط بالواحات الداخلة أنه كان عاصمة الإقليم فى عام 2200 قبل الميلاد، ومركزا لاستكشاف منطقة جنوب غرب إفريقيا وبجانب أنه كانت مركزا لعمليات التبادل التجارى معها. كما أثبتت الحفائر أنه كان للقدماء المصريين نشاط بحرى فى البحر الأحمر عكس النظرة التى ظلت قائمة حتى 10 سنوات مضت بأنه لا توجد دلائل مادية تدل على اشتغال الفراعنة بالملاحة وركوب البحر؛ واكتشفنا بالتعاون مع بعثة من السوربون ميناء الجرف، ويعد أقدم ميناء على ساحل البحر الأحمر ويرجع إلى عصر خوفو حيث عثرنا على هلب للسفن وعدد كبير من المبانى الإدارية والسكنية للعاملين وقتذاك،وعثرنا فى قلب صخور الجبال على 30 سردابا لحفظ الأغذية، وأحواض جافة تستقبل المراكب المفككة القادمة من النيل ليعاد تركيبها وكانت السفن تنطلق من هذا الميناء إلى منطقة سرابيط الخادم بسيناء للحصول على معدن النحاس ولأن الحديد لم يكن معروفا فى عصر خوفو فقد كان النحاس ينقل عن طريق السفن إلى الوادى والدلتا لأنه كان هو المعدن المستخدم فى العديد من الصناعات،وفى وادى الجرف توصلنا إلى مجموعة ضخمة من أقدم البرديات التى اكتشفت فى مصر حتى الآن وهى تحكى يوميات فريق العمل الذى كان يقوم بنقل كتل الحجر الجيرى بالمراكب من محاجر طرة على الضفة الشرقية للنيل لبناء هرم خوفو بالجيزة . وتحدث د.لوران بافييه عن نتائج حفائر المعهد فى تل الأسود ويقع على بعد 40 كيلو شمال شرق الزقازيق قائلا: توصلنا إلى شواهد أثرية ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات منها أطلال أقدم مبنى فى التاريخ المصرى ويزيح الستار عن استخدام الطوب فى البناء وكيفية إنشاء أول دولة مصرية فى التاريخ. وفى موقع باويط الواقع فى الكيلو 80 شمال أسيوط عثرنا بالاشتراك مع بعثة من متحف اللوفر على أطلال دير مسيحى كبير أنشئ فى القرن الرابع الميلادى وظل يعمل حتى القرن التاسع،وفيما يتعلق بالعصر البطلمى شارك المعهد بالتعاون مع المركز القومى للأبحاث بفرنسا فى تأسيس مركز الدراسات السكندرية، وإجراء حفائر أمام قلعة قايتباى فى موقع الفنار القديم والغوص فى مياه البحر للبحث عن الآثار الغارقة ودراسة المعابد البطلمية، ولدينا موقع فى منطقة اسطبل عنتر بالفسطاط وموقع آخر فى برج الظفر بالدراسة لدراسة أسوار القاهرة القديمة. إضافة إلى 65 برنامجا علميا لدراسة التراث الشعبى واللغات والعلوم الإنسانية. وبالمعهد مدرسة للحفائر تأسست عام 2013، وعن أحدث التقنيات فى الكشف عن الآثار أشار د.لوران بافييه إلى إنشاء «معمل كربون 14» كتقنية متطورة وفريدة من نوعها فى الشرق الأوسط لتحليل العينات الأثرية، وتطوير أعمال الطبوجرافيا، وأيضا لدينا أقسام أخرى للتصوير والرسم و لدراسة الخزف ومطبعة متطورة تنشر سلاسل كتب ودوريات علمية ومكتبة ضخمة للباحثين . وسألته فى ختام الحوار عن سبل التعاون مع وزارة الآثار فأوضح د. لوران أن هناك علاقات وثيقة مع وزارة الآثار تتجلى فى عقد اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين المتحف الإسلامى ومتحف اللوفر بباريس لتبادل الخبرات وتحسين مستوى العاملين، ودعم وتدريب أمناء المتاحف وتبادل نشر الكتب والأبحاث والمشاركة فى تنظيم المعارض والمؤتمرات الدولية وتدريب مرمى المتاحف.ومنح للعاملين بالوزارة لإكسابهم مهارات البحث والتنقيب.