الأربعاء 23 نوفمبر كان يوما طويلا جدا.. بدأته مبكرا على غير العادة.. وانتهى فى ساعة متأخرة من الليل.. وبين أول اليوم وآخره.. تقافزت فى رأسى ومن حولى خواطر وأفكار.. تراوحت فى أحيان كثيرة بين الجد والهزل. قبل التاسعة صباحا، كنت أجلس فى سيارة الصديق خالد الأصمعى المتخصص فى الملف الفلسطينى بالأهرام ومراسل الجريدة السابق فى رام الله، فى طريقنا إلى مؤتمر «دور الإعلام فى دعم المجتمع الفلسطيني» الذى نظمته الأهرام بحضور وفد إعلامى فلسطينى كبير. زحام الطرق المعتاد أجبر صديقى على ترك السيارة لى وسط الطريق والنزول لاستقلال «المترو»، لاستقبال ضيوف المؤتمر، فوجوده هو مبكرا أهم من وجودي، لأننى مجرد مشارك.. بداية غير متوقعة، لكنها مرت بخير. داخل «قاعة محمد حسنين هيكل» فى الأهرام، تأكد لى مدى الاهتمام بالمؤتمر، وهو ما عكسته كلمات الأستاذ فتحى محمود مدير التحرير، المشرف على تنظيمه، لى قبل أيام.. أسماء مهمة لمتحدثين، وحضور إعلامى مكثف للتغطية، ومناقشات جادة وجريئة.. من المهم أن نتذكر دوما القضية الفلسطينية بعد أن أصبحت لدينا قضايا عديدة؛ سورية وعراقية وليبية ويمنية و... وكفي. الانقسام الفلسطينى بين حركتى فتح وحماس وسبل حل الخلافات، كان محور العديد من المناقشات بين المصريين والفلسطينيين فى المؤتمر.. يمكن فهم الكثير مما بين السطور لمن يريد، بالعودة إلى عدد الأهرام يوم الخميس 24 نوفمبر.. افعل ذلك ولو عبر الانترنت، فالأمر يستحق، لأن هناك تطورات ستجرى فى الأغلب، حجر الزاوية فيها هو مصر. الإعلامية الفلسطينية حنان المصري، استعرضت معاناة مليونى إنسان يعيشون فى قطاع غزة فى أصعب الظروف الاقتصادية، على مدى عشر سنوات عجاف، قائلة إن هذا يجعلهم عرضة للانفجار فى أى لحظة.. رد عليها الإعلامى الفلسطينى أيضا ذو الفقار سويرجو بأن غزة لن تنفجر أبدا إلا فى وجه إسرائيل.. حنان عادت لتوضح أنها مصرية الهوي، وأن عيونها دائما على الضفة الغربية والقدس لتحريرهما. الدكتور عليّ الدين هلال أستاذ العلوم السياسية، أشار إلى خبر نشر قبل أيام حول وصول وفد من حركة الجهاد الفلسطينى إلى القاهرة كنوع من الوساطة لإجراء مفاوضات بين مصر وحركة حماس، وأن هناك مؤشرات إيجابية، لكنه تساءل قائلا: عندئذ ماذا ستقدم حماس وكيف سترد على هواجس مصر خاصة فى الجانب الأمني؟.. مؤكدا ضرورة وجود رأى واحد متفق عليه بين قيادات الداخل فى غزة وقيادات الخارج، وأن تتعامل الحركة مع أى حوار بجدية لأننا لسنا بلهاء. خلال الجلسات قابلت الصديق هيثم ماهر زميلى فى «ملحق الجمعة»، طلبت منه الاعتذار للأستاذ أنور عبداللطيف مدير التحرير المشرف على الملحق، لعدم قدرتى على متابعة تنفيذ الصفحات اليوم حتى المساء بسبب إرهاق المؤتمر.. كثيرا ما أشعر بالتقصير مع هذا الرجل الذى يواصل الليل بالنهار فى العمل.. هيثم ورطنى فى المقابل بودّ، عندما طلب منى إجراء لقاء مفاجئ مع زميلة مراسلة للقناة الفضائية المصرية حول زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للبرتغال.. قلت فى اللقاء إن الأمر الواضح من الزيارة هو أن مصر تسعى بشتى السبل إلى إقامة تحالف دولي، فكرى لا سياسي، لمواجهة التطرف والإرهاب. خلال المؤتمر لم أتحدث، بل استمعت فعرفت ففهمت. وما أقوله اليوم، بعد المؤتمر، أن الأمر الواضح بالنسبة لى هو وجود تحرك مصرى جاد فى القضية الفلسطينية، لعل أولى مراحله هى معالجة الانقسام بين فتح وحماس، لتكون هناك جهة واحدة تتحدث باسم الفلسطينيين فى أى مفاوضات تجرى مستقبلا مع الإسرائيليين.. الأمر ليس سهلا وسط تلال التفاصيل، التى يكمن فيها الشيطان عادة، لكنه أيضا - وسط المتغيرات الإقليمية- أصبح ممكنا، من خلال العمل بإصرار ودأب. فى المساء.. قفزت إسرائيل إلى سطح الأحداث.. نشبت حرائق عديدة فى مساحات شاسعة منها.. كيف ولماذا وما الخلفيات؟.. ما المعلومات؟.. المعلومات ليست مهمة لدينا.. الأهم هو الرأى والنضال.. لا النضال على الأرض بل عبر الإنترنت!. «اسرائيل تحترق».. لم يكن مجرد اسم «هاشتاج» اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، بل تسابقت المواقع الإخبارية ذاتها باستخدام الكلمتين كعناوين لتغطيتها.. «اسرائيل تحترق» عنوان مثير يسر القارئين.. لست تلميذا فى «سنة أولى إعلام» حتى لا أدرك كمّ الإثارة المقصودة فى العنوان لجذب القراء!. على «فيسبوك» و«تويتر»، تبارى كتّاب ومثقفون، وشيوخ وفنانون، ومواطنون عاديون، فى إعلان الفخر والفرح.. تساءلت: «طب انت اللى حاربتها يعنى وحرقتها؟!».. بالطبع لا.. إذن ما منبع الفخر؟!.. التفسيرات دوما حاضرة.. قالوا إنه عقاب إلهى لأنها منعت الأذان!.. «طب ازاى نفسر سقوط رافعة فى الحرم المكى الشريف وموت العشرات؟!».. لن تجد إجابة بل هجوما فتجد الواحد منهم يسألك.. «وانت (رأيك) إيه؟ وعايز (رأيي) يبقى إيه لما أعرف إن اسرائيل بتتحرق؟ إياك تكون عايزنى أتعاطف! شكلك بتحب إسرائيل»!. «اسرائيل تحترق».. أول ما قفز إلى ذهنى بعد هوس التواصل الاجتماعى كان هو.. «إسرائيل بتولع. طب وإيه يعني؟. طب وانت مالك؟. هل لك دور تعمله؟. ليه طايرين دايما على إبداء (الرأي) فى كل شيء بدون (معلومة) أو (فعل)؟!».. ومع ذلك أتريد الرأي؟.. اقرأ ما نقله الصديق محمد رفعت الكاتب الصحفى بمجلة أكتوبر عن سيدة فلسطينية، كتبت تقول باللهجة الفلسطينية المحببة: «اللى عم تحترق فلسطين مش دولة الاحتلال، جبالنا وأشجارنا وكرومنا وأراضينا. كل شجرة احترقت بتوجعني. كل عشبة احترقت حرقتنى معها. كل عصفور ما عرف وين ينام ومش راح يلاقى وين يبنى عشه قتلني. أستهجن ابتهاج البعض ممن يدّعون عدم اعترافهم بالكيان الغاصب من جهة، وفى المقابل يكتبون بكل ثقة: اسرائيل تحترق!». «أتى ليغسل هوس النهار برصانة الليل».. جملة بديعة من رواية «خيط سحري» للصديق الأديب حسام نورالدين.. شعرت بمعناها حرفيا عندما استلقيت أمام التليفزيون فى ختام يوم طويل جدا.. وجدت أمامى الفنان الجميل عمرو سعد، بطل مسلسل «يونس ولد فضة»، يقول فى لقاء مع الإعلامى عمرو أديب ما يلى نصا: «حاقول كلام جريء شوية مش بيتقال عادة فى الإعلام. إحنا بنقول إننا شعب عظيم. لكن الشعب العظيم يكون بإنتاجه العظيم. الشعب الألمانى عظيم واليابانى عظيم. لكن احنا محتاجين نشتغل».. عمرو سعد هو اللى قال!.