اللقطة كاشفة بأكثر مما توقع صاحبها، وربما بأوسع من دوائر من تلقوها لقطة تشى ولن أستطرد فى مدى التردى الذى تشى به فقط أسأل الله، لا أن يرد عنا القضاء، ولكن أن يلطف بنا، وبمصر التى منحت الدنيا نور الحرف وحس الفن والتى تنفست عبر تاريخها الحضارى النبيل: فنا وثقافة وابداعا، قبل أن نعيش زمن خدش حياء السيد أبوالمعاطى النائب المتصدر لقطة، أوشكت على محاكمة نجيب محفوظ بأثر رجعى لأن ما كتبه محفوظ يندرج تحت الكلام الذى «لامؤاخذة» يخدش الحياء يعنى لامؤاخذة حاجة قليلة الأدب مش أدب. جاء ذلك فى سياق محاولات تغيير قانون صدر عام 1937 فى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، وتزعم السيد النائب رفضا لرفع عقوبة الحبس عن المنتج الثقافى، مع أن الدستور ينص على ألا عقوبة حبس لصاحب رأى أو مبدع فإذا بأول من يدوس على الدستور من مجلس النواب نحن أمام مستوى ثقافى لا يميز بين الأدب وقلة الأدب لقطة لخصت وأضغمت وغمت وبدت نذيرا. ونحمد الله الذى لا يحمد على مكروه سواه أن اللقطة أتت بهذا القدر من الفجاجة فاضحة كم الجهل الذى صار يتحكم بمصائر مصر. ليرقد كل المبدعين النبلاء فى سكينة ان الله أراحهم جنبهم العيش الى تلك اللحظة القاحلة الجرداء بل الظلماء التى يتصدرها «نواب خدش الحياء» ولنحمد الله كثيرا ان الاجل لم يمتد بتوفيق الحكيم ومحفوظ ويوسف ادريس والعقاد وطه حسين ويحيى حقى وعبد الحكيم قاسم وإحسان عبدالقدوس ولطيفة الزيات والغيطانى وصلاح عبد الصبور واصلان وعبد الرحمن الشرقاوى وادوار الخراط وسعد مكاوي، والا كان «نائب خدش الحياء» قد تولى اما رفع دعاوى تدخلهم السجن او كانوا ماتوا كمدا ليس حزنا على انفسهم، ولكن حزنا على مصر نوارة الفن والأدب والتى جاء يوم فيها، وصف نائب برلمانى «كاتبا» تتشرف به الانسانية كلها، وتتوجه عارفا بأغوار البشر، وحكيما فيلسوفا، ورجل تاريخ سبر أغوار مجتمع مصر، ويراه عضو برلمان مصر «رجلا يمارس» ما يخدش الحياء على الملأ من يحكم على من من يقيم من؟ ماذا يعرف السيد نائب خدش الحياء، عن معارف البشرية وفنونها؟ عن تجليات الأرواح هل أنصت يوما لموسيقي، وماذا يقول لو استمع لصلاح عبد الصبور وهو يكتب قصيدة كاملة عن مانيلا التى علمته الإحساس بروعة تعبير الجسد عن «لامؤاخذة الرقص»؟ وبرأيه أين نضع المفكر النبيل ادوارد سعيد الذى كتب مقالا شهيرا عن تحية كاريوكا، والذى وضع لقاءها وجها لوجه هدفا لواحدة من زياراته لمصر؟ وإذا كان محفوظ قد خدش حياءه، طب ومحمد عبد الوهاب الذى لم يضع برقع الحياء وهو يطلب من حبيبه «بلاش تبوسنى فى عينيا» عمل فى النائب ايه وأم كلثوم التى بأعلى صوتها نادت على حبيبها خدنى لحنانك خدنى عن الوجود وابعدنى ولم تعمل حسابا لحياء السيد النائب! واجب على ان النائب يخضع كلمات احمد شفيق كامل لمحاكمة: يعنى ايه يبعدها عن الوجود؟ مفيش حياء. ماذا يعرف هذا النائب عن الأدب او الفن واى مناهج تعليمية قذفت به إلى النقطة التى لم يجد معها تعبيرا موازيا لأدب نجيب محفوظ غير ان يستحضر تشبيها يشبهه هو يعنى اجيب مشهد جماع واذيعه على الملأ. الحقيقة اننا امام لقطة لم تستدع داخلى أى رغبة أو أى مستوى جاد للكلام، لكنها عكست حربا ضروسا، ضد مصر التى نعرفها، وتطابقا ما بين التوجهات السلفية الاخوانية التى تكفر الفن والابداع والتى كانت وراء محاوله قتل نجيب محفوظ، وبين «الجهل» المطبق الذى يحاصرنا اينما ولينا الوجه، والموجود الآن فى مجلس النواب والحقيقة انها معركة فيها الحصاد المر للتعليم البائس وازاحة المعرفة، وهى تلخص وضعا اكبر بكثير واعقد من مجرد الافيه الاخلاقى الذى اطلقه السيد ابو المعاطى ولا يهم بقية الاسم لانه لن يعرف الا بابى المعاطى نائب خدش الحياء لانه لم يقم فقط بخدش حياء اى بنى ادم له قدر من النظر لكنه خرق واخترق جوهر حضارة وهذا موضوع لا أعتقد أن له أى محل من الإعراب لديه انت فين والثقافة فين مع كل الاحترام لحصانته، وحصافته! هذه اللحظة والأن بالذات لابد على الدولة أن تفصح عن موقفها هى الأخرى من الادب، والفن والثقافة والابداع وبوضوح وهذا الإفصاح يتمثل فيما جاء به الدستور لا عقوبات سالبة للحريات لصاحب رأى أو مبدع والأمر لا لبس فيه او هى الأخرى شايفة فى الفن والأدب والإبداع «لامؤاخذة» هى شايفة ايه؟ لمزيد من مقالات ◀ ماجدة الجندى