استكمالاً لما سبق، يعد التعامل مع الشباب سواء دمجهم في الحياة السياسية أو استيعابهم أو كيفية التعامل معهم القاعدة السادسة للاستقرار السياسي، ومنذ عام 2005، أصدر البنك الدولي مجموعة من التقارير والدراسات المهمة حول خطورة تجاهل الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبصورة خاصة ما يتعلق بهم من تعليم وتوظيف باعتبارهم حجر الزاوية في كل من التنمية السياسية والاجتماعية للمنطقة، ولكن يبدو أن الدول العربية لم تعرها أي اهتمام إلي أن وقعت الثورات العربية في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، وصارت دول عربية أخري في مرمي الثورات، والتي كانت تمثل رد فعل الشباب العربي، شباب الطبقة المتوسطة العليا، علي كل من الحرمان الاقتصادي والتهميش السياسي، وفي أعقاب الثورات العربية، بدأت الحكومات العربية تنظر إلي الشباب باعتبارهم يمثلون الغالبية الكاسحة من السكان (حوالي 65%)، ولقد أحسنت مصر حينما عقدت المؤتمر الوطني الأول للشباب في شرم الشيخ، وحاولت فهم اهتماماتهم وهواجسهم وتطلعاتهم وشكل الدولة التي يرنون إليها، ويبقي التحذير من اعتقاد الكبار، وأنا منهم، أنهم يملكون الحكمة وحدهم؛ فمما لا شك فيه أن التغير في النظام الدولي والتغير التكنولوچي وثورة وسائل التواصل الاجتماعي قد جعلت من الشباب قوة ذكية تتفوق بلا شك في فهم تلك الأبعاد عن شيوخ القرن العشرين. وتشكل معضلة إشباع الحاجات الأساسية، من غذاء وتعليم وصحة وإسكان، القاعدة الذهبية السابعة للاستقرار، فلا يمكن أن يتشكل الاستقرار في غياب هذا الإشباع؛ فقد ربط Ted Gurr، في كتابه العمدة “لماذا يثور الناس؟”، بين كل من الحرمان الاقتصادي والتهميش السياسي، فإن تزامنا يغيب الاستقرار وتتعرض المجتمعات للثورات، كما حدث في الوطن العربي عام 2011، وإن غاب أحدهما، يتعرض المجتمع للقلق دون المزيد، والغالبية العظمي من المواطنين يطمحون إلي إشباع تلك الحاجات الأساسية ويمقتون تحيز النظام السياسي إلي الطبقات العليا وعدم حياد المؤسسات السياسية في تعاملها مع المواطنين، وإذا لم يتم إشباع هذه الحاجات في الوقت المناسب، ويتم تحيز النظام السياسي للأغنياء يربط الفقراء بين ذلك وبين انتشار ظاهرة الفساد السياسي بما يهدد الاستقرار، وفي حالة الإحساس بالحرمان الاقتصادي، يتجه المواطنون إلي المقاومة المقنعة؛كالإهمال الوظيفي، بما يدفعهم إلي المقولة البيروقراطية الدارجة: “فوت علينا بكرة”، وهو ما يعني في التحليل النهائي دفع المواطنين إلي الإحساس بالغضب من أداء الحكومة لوظائفها الخدمية، ونأتي هنا إلي دور المجتمع المدني في تحقيق قواعد وأسس الاستقرار السياسي، ويشمل المجتمع المدني الطبقة المتوسطة، والأحزاب السياسية، والنقابات، والاتحادات، وجمعيات النفع العام، والمنظمات غير الحكومية، وهذه كلها تلعب دور الوسيط بين النظام السياسي من ناحية، والمجتمع من ناحية أخري، وتتشكل من خلالها جماعات المصالح وجماعات الضغط، إذ تسعي جماعات المصالح إلي التعبير عن مصالح أعضائها؛ فاتحادات الفلاحين مثلاً والجمعيات التعاونية تعبر عن مصالح الفلاحين، وهكذا، بينما تسعي جماعات الضغط إلي استخدام أدواتها والأوراق المتاحة لديها للضغط علي النظام السياسي لصياغة السياسات العامة التي تحقق مصالح معينة كأن تحاول جماعات الضغط التأثير علي أعضاء البرلمان أو الوزراء المعنيين أو الأحزاب السياسية من أجل تبني إضافة أو تعديل إلي السياسات التي تم إقرارها. وفي حالات كثيرة مثل الحالة المصرية، يلعب المجتمع المدني دورًا محوريًا في تحقيق توازن حساس داخل النظام السياسي؛ فالمصريون، رغم أية معاناة، حريصون علي مساندة واستدامة وقوة الدولة المصرية ذات الجذور التاريخية بصرف النظر عن تغير النظام السياسي وطبيعته ومؤسساته؛ فمصر كدولة باقية كما هي علي الرغم من تنوع النظم السياسية التي توالت عليها من نظام فرعوني شبه إلهي إلي نظام سلطاني إلي نظام خديوي إلي نظام ملكي إلي نظام جمهوري، حتي حينما تولي السلطة نظام ثيولوجي سلطوي حاول التأثير علي كيان الدولة، ثار المجتمع المدني كله ضده وقام باجتثاثه حرصًا علي الدولة وهويتها المصرية. وفي هذا الإطار، ونظرًا لهذا الدور المحوري؛ فإن دعم الدولة للمجتمع المدني ومنظماته يساهم بصورة جوهرية في الحفاظ علي الاستقرار وصيانة الدولة. وتتمثل القاعدة التاسعة في الإدارة المحلية وحتمية التحول إلي اللامركزية، لقد ناديت وكثيرون معي إلي الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه اللامركزية الإدارية في تحقيق الاستقرار عبر مختلف المحافظات، وذلك بإعطائها درجة كبيرة من الاستقرار المالي الذاتي وتحملها المسئولية الكاملة في هذا الإطار، وليس من المبالغة القول بأن اللامركزية في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وسويسرا وغيرها، تعد ركنًا أساسيًا في تحقيق الاستقرار السياسي والتوازن الإقليمي بين مختلف المناطق الجغرافية. إن عدم الإقدام علي تطبيق قواعد اللامركزية يخلق تحيزًا كبيرًا نحو القاهرة والمدن الكبري مع إهمال شديد غير مبرر لبقية المحافظات، سواء في توزيع الميزانيات أو تقديم الخدمات أو توفير الفرص، ومن ثم؛ جاءت الهجرة الكثيفة من الريف إلي المدن، وبدلاً من السعي نحو تحضر الريف تم ترييف المدن بما يرتبط بذلك من عشوائيات ضخمة تحيط بالمراكز الحضرية، مما أدي إلي ثنائية مقيتة بين مناطق ثرية ومناطق فقيرة، بما يهدد الاستقرار السياسي، ومن ثم؛ فإن اللامركزية والإدارة المحلية الفاعلة تعد مقومات مهمة للولاء ولربط المواطنين بالنظام السياسي. ونختتم القواعد العشر للاستقرار بالدور المحوري الذي تلعبه السياسة الخارجية في خدمة الاستقرار السياسي في الدولة؛ فوظيفة السياسة الخارجية مزدوجة من حيث خدمة النظام السياسي؛ فهي تسعي إلي تحقيق الأمن القومي للدولة ، وخدمة عملية التنمية الاقتصادية، إذ يتعين علي الممثلين الدبلوماسيين في الخارج الإلمام بدقائق ومتطلبات الأمن القومي والتفاوض بشأنها مع الدول الأخري، والتواصل مع الحكومات والشعوب والمنظمات المالية الدولية بشأن فتح مجالات أوسع لانتقال التكونولچيا العصرية، في مجال التصنيع والزراعة والأسواق والسياحة والتمويل الدولي، ولا شك شخصية الدبلوماسي وسلوكه وإيمانه بالأهداف الوطنية للدولة والتزامه بالتمثيل المشرف لدولته في الخارج يدفع الآخرين إلي بناء صورة قومية إيجابية عن مصر، ومن ثم؛ فتح الأبواب المغلقة أمامها، بما يعزز موارد الدولة. لمزيد من مقالات د. عبد المنعم المشاط;