بعد دقائق من انتهاء اجتماع مجلس المديرين بمقر صندوق النقد الدولى فى واشنطن أمس الأول، التقى «الأهرام» بالمسئول الأول عن ملف مصر فى المؤسسة المالية العالمية كريس جارفيس رئيس بعثة صندوق النقد الدولى إلى مصر والمستشار فى إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق فى حديث يتناول التطورات التى قادت إلى الموافقة على دعم برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى بتمويل يبلغ 12 مليار دولار. يتناول جارفيس فلسفة الصندوق فى تقديم الدعم للبرنامج الوطنى الذى وضعته الحكومة المصرية فيما يؤكد أن المؤشرات الأخيرة تشير إلى قدرة الحكومة على تطبيق البرنامج بعد الإجراءات الأخيرة التى لم تجرؤ حكومات سابقة على الاقتراب منها. ويتناول جارفيس رأى الصندوق فى السياسات النقدية وخفض قيمة الجنيه المصرى وكيفية السيطرة على نظام صرف العملات الأجنبية ودور البنك المركزى فى ضبط السياسة النقدية والمالية. كما يتطرق جارفيس إلى موقف الصندوق من شبكات الأمان الاجتماعى مدافعا عن موقف المؤسسة الدولية فى مواجهة الصورة التقليدية التى تشير إلى عدم اكتراث صندوق النقد الدولى بالطبقات الفقيرة والمتوسطة.
فإلى نص الحوار: كيف ترى قرار مجلس المديرين بصندوق النقد الدولى فى ظل المعطيات المطروحة عن برنامج الإصلاح المصري؟ وما هو رأى مجلس المديرين فى البرنامج وكيفية مواجهته للمشكلات الراهنة؟ وكيف يمكن أن يحقق البرنامج معدل النمو المقترح؟ أولاً: هناك تأييد ودعم كبير لخطة الإصلاح التى تقدمت بها مصر سواء من جانب صندوق النقد أو من جانب المجتمع الدولي. وتصويت مجلس المديرين يمثل يوما «جيدا» بالنسبة لمصر وللصندوق، ونأمل أن تكون حزمة الدعم المالى من الصندوق والنصائح التى نقدمها للحكومة المصرية مفيدة. وقد حظيت الخطة المصرية بدعم قوى من جانب خبراء الصندوق والمجتمع الدولى بشكل عام. كما نأمل أن يقدم الصندوق ما يمكن الحكومة من السيطرة على التضخم وتحفيز معدل النمو وأعتقد أن السياسة السليمة تكون بالتركيز على تحقيق تلك الأهداف وهناك تركيز كبير على مسألة تحفيز النمو. وهناك ثلاثة أمور لتحقيق الأمر الأول هو تحرير سعر الصرف والثانى هو المساعدة فى تشجيع تدفق العملة الأجنبية على البلاد والثالث هو إزالة المعوقات من طريق النمو التى فرضتها قيود نقص العملة الأجنبية. فى نفس الوقت، خفض سعر صرف العملة المحلية سوف يدعم الصادرات والواردات وزيادة الصادرات سوف تؤدى إلى تشجيع مجتمع البيزنيس على خلق مزيد من فرص العمل. والإصلاحات فى الموازنة وحدة لا تحفز على النمو ولكن الحكومة عليها ان تنفق أقل من أجل منح فرصة لتوفير العملة الصعبة للشركات الخاصة من أجل أن تسهل عليها الاستثمار وخلق وظائف جديدة. ومن عناصر إعادة الضبط الهيكلى فى برنامج الإصلاح الحكومى ما يخص اصلاح نظام تراخيص إقامة المنشآت الصناعية وهو ما يسهل على المستثمرين بدء أنشطتهم وخلق مزيد من فرص العمل. كيف ناقشتم فى مجلس المديرين تدخل الصندوق لدعم البرنامج المصرى فى وقت يشهد فيه الدولار أمام الجنيه ارتفاعا وتقلبات فى السوق؟ أعتقد أن عملية تحرير نظام سعر صرف العملة الأجنبية وتعويم الجنيه قد بدأت فى إحراز نتيحة جيدة. هناك دائما قدر معين من التقلب وعدم اليقين عند بدء عمليات تحرير نظام الصرف ولكنى أعتقد أن هناك أمورا جيدة قد حدثت بعد يومين أو ثلاثة من تحرير نظام الصرف حيث بدأت البنوك فى تلقى العملة الصعبة من المتعاملين وهو ما لم يكن فى وقت سابق وهو يعنى أن هناك تراكما سيحدث للعملة الأجنبية فى البنوك. وما أقوله لا يعنى أن تلك هى نهاية التقلبات فى سوق الصرف ولكنها إشارة مشجعة. وهناك شعور بأن البنوك قد بدأت تعتاد تشغيل النظام الخاص بتداول العملة بعيدا عن تدخل البنك المركزى وهى إشارة أخرى مشجعة أيضاً. هل ناقشتم مع البنك المركزى المصرى كيفية التصرف لو خرجت التعاملات فى سوق الصرف عن السيطرة..؟ نعم، لقد ناقشنا الأمر مع البنك المركزى وإجراءات البنك تتضمن خطوات لمراقبة السياسة النقدية لمنع حدوث التقلبات وربما هى اجراءات معلومة للرأى العام ولكنها فى غاية الأهمية مثل رفع سعر الفائدة وتمديد معدل استحقاق الودائع الخاصة بودائع البنوك التجارية لدى البنك المركزى وهو ما يضغط حجم التعامل فى العملة فى السوق، ويعنى أن الإقبال على شراء الدولار سوف يقل تبعا لذلك، وهو ما سيؤدى إلى تقليل الضغط على سوق العملة الأجنبية فى مصر، ويمكن للبنك المركزى أن يتدخل بمزيد من الاجراءات، لو استدعى الأمر، لضبط السياسة النقدية. ما هى فحوى الاتصالات الأخيرة مع الحكومة المصرية التى قادت إلى القرار الأخير لمجلس المديرين؟ هناك بالفعل وثائق عديدة متبادلة ولكن هناك حوارات متبادلة كثيرة مع الحكومة والبنك المركزى وفى الحوارات الهاتفية الأخيرة تحدثنا عن ضرورة ترك السوق تحدد المستوى الخاص بها. فالسوق يمكنها أن تصل إلى مستوى رشيد فى التعامل من تلقاء نفسها فعندما يكون لديك خفض لنظام العملة المحلية، وهو بالمناسبة يمكن أن يكون منخفضا أكثر مما يجب فى الوقت الحالي، ستجد مزيدا من المتعاملين يريدون بيع عملة اجنبية فى النظام الموجود. واحدة من مشكلات النظام السابق أنه كان هناك عملاء يؤيدون شراء عملة فقط أكثر مما يريدون بيعها. وواحدة من النقاط المهمة فى النظام الجديد أن نصل إلى أن الناس تريد بيع العملة الأجنبية مثلما تريد شراءها وتفعل ذلك بأن تجعلهم يدركون أن البنك المركزى لن يتدخل بتحديد أسعار للتعاملات، ومن ثم المتعاملون هم من يحددون الأسعار بأنفسهم. من الطبيعى أن المتعاملين يكسبون ويخسرون فى سوق العملات وهذه هى الطريقة التى يعمل بها السوق ومن خلال تلك الطريقة يتحقق الاستقرار. على المدى الطويل، سوف تحقق مصر الاستقرار والمرونة الكافية التى تحميها من الصدمات. وأول طريقة للتعامل مع الصدمات هى التحرك فى سوق تداول العملات الأجنبية وليس فقدان المزيد من رصيد احتياطى العملة الأجنبية. كيف تتم عملية تقييم ما يتم إحرازه من تقدم فى برنامج الإصلاح من جانبكم؟ وماذا لو وجد خبراء الصندوق أن هناك شيئا ما لا يتوافق مع المعايير المتفق عليها؟ الهدف من وجود مراقبة الصندوق لبرنامج الإصلاح هو التحقق من الوفاء بأهداف محددة وأن الحكومة والبنك المركزى على الطريق الصحيح لتحقيق تلك الأهداف. ومن الأهداف العريضة معدل النمو ومعدل التضخم ومعدل عجز الموازنة. ومن ثم تركيز المناقشات فى الشهور القليلة القادمة سينصب على مدى تحقيق أهداف البرنامج وهل السياسات المطبقة كافية من أجل الحد من التضخم أم لا وفرص رفع معدلات النمو. وهناك أهداف عامة يتعين تحقيقها، فالبنك المركزى له أهدافه والحكومة لها أهدافها أيضا، ومن هنا تأتى أهمية الحوار المكثف مع تلك الأطراف. كيف يتابع فريق الصندوق التطورات وفقا للاتفاق مع الحكومة المصرية؟ سنتلقى تقارير دورية فى الغالب بالبيانات والتحليلات من البنك المركزى ووزارة المالية وستصل إلينا فى واشنطن. كما يتوقع أن نقوم باجتماعات قبل كل دفعة من القرض من أجل تقييم الأداء وما تم إنجازه من أهداف حيث اللقاءات وجها لوجه فى مرحلة مبكرة مهمة من أجل إيجاد أرضية مشتركة ومن أجل إيجاد حلول لمشكلات قبل أن تتفاقم وتصبح خطيرة. كثيرون مازالوا ينتقدون أداء الصندوق ويحملون شروطه ونصائحه مسئولية ارتفاع الأسعار وغياب شبكة الحماية الاجتماعية. ما هو تعليقك بعد الوصول إلى تلك المحطة المهمة فى التعاون مع مصر وما هو ردكم على انتقادات عدم مراعاة الطبقة الوسطى فى برامجكم؟ أولا، هدف الصندوق مع الحكومة أننا نريد العمل بأقصى ما نملك من أجل مساعدة كل الفئات والطبقات خلال تلك العملية. ونحن سعداء لأن الحكومة المصرية قد قررت تخصيص نسبة 1% من الناتج المحلى الإجمالى للمساعدات الاجتماعية من خلال خليط من برامج دعم السلع الغذائية مع برنامجى «تكافل» «وكرامة» وهو سيأخذ بعض الوقت لتحقيق أهدافه ولكنه يستحق. نريد بالفعل أن نتأكد أن المواطنين الأكثر عرضة للتأثر بتلك الإجراءات يحصلون على حماية كافية لكن الأمر يكون أصعب عندما نتحدث عن الطبقة الوسطى الواسعة حيث لا يمكن القول إن كل الشرائح تستحق دعم المواد الغذائية والوقود، على سبيل المثال، فلابد من تحديد من يستحقون بالفعل الحماية ولابد من توفير أموال فى الموازنة أيضا. والرسالة التى يمكن أن نوجهها إلى الطبقة الوسطى العريضة فى مصر هى أن السياسة الاقتصادية السليمة سينتج عنها نتائج اقتصادية جيدة. والمواطنون لا يعيشون فى بيئة اقتصادية أفضل فى ظل وجود سعر موحد للعملة الأجنبية أو فى ظل نقص العملة الأجنبية أو فى ظل عجز كبير فى الموازنة لأنه ينتج عنه دين عام مرتفع ومعدلات فائدة عالية. السياسات التى تجعل سوق العملة الإجنبية متغيرا تؤدى إلى مزيد من تحفيز الصادرات وإلى نقص فى الدين العام وبالتالى يساعد ما سبق الطبقة الوسطى لأنه يمنح مزيدا من الأمل فى تحقيق نمو أكبر وفى تقليل معدل البطالة بعد فترة قصيرة. بالنسبة للعوامل السياسية التى تحكم قرار صندوق النقد الدولى عند تقديم تمويل كبير مثل قرار تقديم الدعم لبرنامج الإصلاح فى مصر.. ما هى المعايير التى حكمت قرار مجلس المديرين؟ توجد حزمة كاملة تحكم قرار صندوق النقد الدولى وتتضمن توليفة من الإصلاح الهيكلى والمساعدات الاجتماعية واجراءات مراقبة سياسات نظام سعر الصرف. وهناك عاملان أساسيان يحددان النظر إلى الوضع السياسي: الأول، التأكد من قدرة الحكومة على تطبيق البرنامج، ومن الواضح تماما أن الحكومة المصرية لديها القدرة كاملة على تطبيق البرنامج وهو ما أظهرته فى السابق وفى الشهرين الماضيين على وجه التحديد. والثاني، هو التأكد من أن البرنامج يحظى بالدعم اللازم حتى يمكن تطبيقه فى الفترة الزمنية المحددة. ومن الأهمية أيضا أن يدعم البرنامج الفئات التى لا تملك الكثير ولا يمكنها فقد ما لديها وهو ما يزيد من أهمية تدعيم شبكات الأمان الاجتماعي. والأمر الأخير، هو منح الناس الأمل وأن الإجراءات التى يتم اتخاذها الهدف منها بالأساس هو تحسين الأحوال المعيشية لهم ومن أجل أن يصبح المستقبل افضل للجميع. جزء من وظيفة الصندوق هو المشاركة فى تقديم المساعدة الفنية للحكومة المصرية فى وضع الأطر الخاصة بالاقتصاد الكلي. كيف تعملون مع الحكومة اليوم بشأن تلك الأطر؟ هناك طريقتان مختلفتان للتعامل مع الأطر الخاصة بالاقتصاد الكلى والسياسات الاقتصادية الشاملة وهو ما يقوم به الفريق الذى يعمل تحت إدارتي. فهناك من يقوم بتغطية ومتابعة كل القطاعات طوال الوقت. وهناك آخرون يعملون فيما يسمى المساعدة الفنية وهم ربما يقومون بتقديم مشورات بعينها ودعم فنى للبنك المركزى ولدينا متخصصون يعملون فى مختلف الدول طوال الوقت على برامج مماثلة. كيف كانت تجربة تقديم المساعدة الفنية الخاصة بخروج قانون الضريبة المضافة إلى النور؟ أعتقد أن تجربة قانون الضريبة المضافة هى قصة مثيرة للاهتمام. فعندما بدأت العمل مع مصر قبل ثلاث سنوات ورجعت إلى الأوراق حتى عام 1994 ووجدت انه كانت هناك وثائق تتحدث أن الحكومة المصرية سوف تقوم بتطبيق تلك الضريبة خلال شهور قليلة وقتها! وقد حاولت الحكومة المصرية على مدى أكثر من عشرين عاماً تطبيق تلك الضريبة دون فائدة وهو ما يجعل ما قامت به تلك الحكومة إنجازا غير عادي. وقد أعجبت بالطريقة التى خاطبت بها الحكومة المصرية البرلمان حيث قدمت نموذجا ممتازاً فى كيفية مشاركة نواب الشعب عندما يتعلق الأمر بفرض ضريبة وهو ما يجعل الأمر قابلا للاستدامة. هناك خطوات فعلية قامت بها الحكومة منها تعويم العملة وخفض قيمة الجنيه وتبنى اجراءات أكثر مرونة لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية والتوسع فى الصادرات.. ولكن ما هو سيناريو التعامل مع «السقوط الحر» للعملة لو حدث ولم تكن الإجراءات فعالة لضبط السوق؟ دعنى أقل لك الإجابة بشكل عكسى «لماذا لا تؤدى تلك الإجراءات بالفعل إلى مزيد من ضبط سوق العملة الأجنبية؟»، فلو السياسات المطبقة سليمة وتعمل على كبح التضخم فى حدود 18 % فلماذا ترتفع الأسعار الخاصة بالواردات بشكل كبير! فمستوى التضخم الذى نتوقعه ما بين 17-18 % بناء على السياسات الموضوعة وهى ربما تبدو مرتفعة نسبيا ولكنها لا تخرج عما هو محدد. فلو البنك المركزى استطاع أن يضع المعروض النقدى تحت السيطرة ولو تعاملت الحكومة بشكل جاد مع العجز، فلن نصل إلى مستوى ضخ كميات هائلة من العملة المحلية فى النظام الموجود بالصورة التى تؤدى إلى تراجع كبير لقيمة العملة المحلية. فلا يوجد سبب مقنع لاستمرار انخفاض قيمة الجنيه المصرى مادامت السياسات النقدية المطبقة سليمة وتحت السيطرة. ولو حدث وانزلقت العملة إلى هبوط كبير فإن هناك اجراءات ممكنة من بينها رفع معدلات الفائدة الداخلية والحد من تدفقات السيولة النقدية فى النظام المالي. وأرى أن واحدا من الإجراءات الناجحة الأخيرة هو رفع معدلات الفائدة وهو ما يضخ مزيدا من العملة الأجنبية فى البنوك. إذا ما هى توقعاتكم لمعدل التضخم فى الفترة القادمة؟ توقعاتنا تقول إن التضخم ما بين 17-18 % فى السنة المالية الحالية وينتظر أن يتجه فى مسار أفضل ويهبط المعدل فى مطلع العام الجديد ثم فى السنة المالية 2017-2018. ونتوقع أن يتراجع المعدل أكثر ليكون على مسار صحيح ويصل معدل التضخم إلى رقم فردى فى السنة المالية 2018-2019. وما هو توقعكم لتراجع معدل عجز الموازنة..؟ أعتقد أن خفض عجز الموازنة يقع فى نطاق أهداف خطة الحكومة المصرية.. فهدف الحكومة هو الهبوط بمتوسط العجز المالى إلى 6 % من الناتج المحلى الإجمالى فى السنة المالية 2018-2019. وما يمكن أن نركز عليه ليس العجز الإجمالى ولكن على ما يعرف بالعجز المالى المبدئى (الذى يستثنى مدفوعات الفائدة). والمستهدف هو خفض العجز المبدئى إلى 5.5 % على مدى السنوات الثلاث لبرنامج الإصلاح الاقتصادي. وتحديد الحكومة لهدف خفض العجز يمثل رغبة حقيقية فى البدء فى السيطرة على عجز الموازنة والهبوط به فى المدى المتوسط.