لم تكن المفاجأة فى نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية هى فوز دونالد ترامب، كما ردد البعض، ولكن المفاجأة الحقيقة كانت فى تعامل الإعلام الأمريكى مع الانتخابات منذ بدايتها، ومحاولات التأثير المستمرة على الشعب الأمريكى طوال الفترة الانتخابية بالتلويح لفوز هيلارى كلينتون ودعمها بشكل واضح فى الوسائل الإعلامية المختلفة، واستطلاعات الرأي، وهو ما يفسره البعض بأن وسائل الإعلام الأمريكية سقطت مصداقيتها وموضوعيتها الإعلامية فى تغطية السباق الانتخابى الأمريكي، حيث كانت تلعب دوراً مهماً وحاسماً فى تشكيل الصورة الانتخابية، وتحفيز الأمريكيين على التصويت فى اتجاه معين فى الانتخابات، وذلك عندما انحازت جميع وسائل الإعلام هناك إلى المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون، أيضاً ما اتضح بشدة من خلال الاستفتاءات المختلفة التى كانت تصدر على مدار السباق الانتخابي، وكانت تصب فى صالح هيلارى وتخصم من رصيد ترامب، حول هذا الموضوع كان لنا لقاءات مع خبراء الإعلام . فيقول د.سامى عبدالعزيز أستاذ الإعلام إن الجرعة الزائدة فى الإعلام دائما ماتأتى بنتائج عكسية وهذا ماحدث فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى انحازت بشكل كبير لهيلارى كلينتون ضد دونالد ترامب وجاءت نتيجة الانتخابات عكس كل التوقعات التى صدرها الإعلام الأمريكى للعالم كله. ويضيف: أيضا كان هناك فشل كبير لاستطلاعات الرأى والابحاث والدراسات التى كانت معظم نتائجها إن لم تكن كلها تصب فى صالح هيلارى ومن هنا يجب إعادة النظر فى صناعة البحوث واستطلاعات الرأى التى وقعت فى خطيئة الانحياز بلا وعى وهو ما أصاب الأداء الإعلامى لمؤيدى هيلارى بالإسترخاء وحفز المؤيدين لترامب. وطالب بأن يجلس كبار وشيوخ مهنة الإعلام فى مصر فى جلسات مكثفة لتقييم تجربة الإعلام الأمريكى بكل دقة وبتحليلات عميقة لمعرفة إيجابياتها وسلبياتها حتى نستطيع أخذ ماهو إيجابى منها وتقديمه لوسائل الإعلام المصرية لمعرفة مايدور حولنا فى العالم من تطور إعلامى رهيب مؤكدا أن صناعة الإعلام إذا انحرفت تأتى بما لاتشتهى السفن. بينما أشار د.حسين أمين أستاذ الإعلام إلى أنه قد يكون الدرس المستفاد من الإعلام الأمريكى خلال فترة الانتخابات هو انحيازه للمصلحة الوطنية الأمريكية قبل كل شئ بمعنى أنه عندما انحاز لهيلارى كلينتون كان بناء على استطلاعات رأى عديدة تؤكد أنها ستفوز فى الانتخابات ولذلك بادر الإعلام الأمريكى لمساندتها وهذه المساندة للوطن من وجهة نظره، وعندما جاءت النتيجة عكسية وفاز ترامب تحول الإعلام الأمريكى بسرعة البرق إلى تأييد الرئيس ترامب من أجل إعلاء مصلحة الوطن. وأضاف: فى كلتا الحالتين سواء فى انحياز الإعلام الأمريكى لهيلارى فى البداية أو ترامب الفائز الآن، فإن الإعلام بهذا الشكل يبحث ويدعم ويساند الرئيس وهذا معناه مساندة مؤسسات الدولة والمصلحة الوطنية ولم يتردد الإعلام الأمريكى فى تغيير وجهته فى أسرع وقت وخلال ساعات قليلة حرصا منه للصالح العالم. وأكد أنه فى كل الكتب المصرية والعالمية المتحدثة عن الإعلام بلا استثناء فإنها تعظم وتحث على إعلام المصلحة الوطنية، وأرى أن ماحدث من الإعلام الأمريكى نموذج إيجابى لماهو موجود فى كتب الإعلام العالمية. وطالب د.حسين أمين الإعلام المصرى بدعم هذه المرحلة الجديدة من العلاقات المصرية الأمريكية وتعظيم الشراكة والتعاون فى كل المجالات. وبدوره أكد د.صفوت العالم أستاذ الإعلام أن هناك تطورا حدث فى استخدام وسائل الإعلام فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016، مشيرا إلى أن دور وسائل التواصل الاجتماعى كان أكبر تأثير من وسائل الإعلام، بل كانت وسائل التواصل الاجتماعى هى المحور الرئيسى مع الجمهور، والدليل على ذلك أن عدد المواطنين المتفاعلين مع تويتر فو انتخابات 2012 وقت أوباما كان 185 مليون مواطن، بينما فى الانتخابات الحالية كان عدد المتفاعلين مع تويتر 385 مليون مواطن أمريكا، كما كان حجم الإنفاق من ترامب على تويتر ووسائل التواصل الإجتماعى أكثر من مليارى دولار، بينما أنفق 17.3 مليون دولار على الإعلانات والمساحات الإعلانية فى وسائل الإعلام. وقال د.صفوت: صارت التويتات تحدث نقاشا وتثير النقاش والجدل بين الناخبين بحكم أنها محدودة والكلمات فيها تتسم بأنها متتالية وتأتى أكثر من توتية بحكم أنها قصيرة وسهلة الفهم وتتسم بالبساطة، وهو أمر صار يؤثر فى النقاش الدائر حول الانتخابات أكثر من المساحات الكبيرة. وأضاف بأن عدد الناخبين المتفاعلين مع التويتات التى أصدرها دونالد ترامب كانت 13 مليون ناخب، بينما المتفاعلون مع هيلارى كانوا 10 ملايين ناخب. وأشار إلى أن هذه الانتخابات تمثل تحولا فارقا فى استخدام وسائل الإعلام ، حيث أثبتت تفوق وسائل التواصل الاجتماعى على وسائل الإعلام، أيضاً أفقدت الثقة فى مصداقية الإعلام واستطلاعات الرأى الأمريكية. وتقول د.هويدا مصطفى أستاذ الإعلام: لم يكن إعلام الغرب موضوعيا مثل مرات سابقة عديدة، فلم يكن متوازنا من قبل فى عدة قضايا خارجية منها ما يتعلق بالإرهاب مثلا، وأصبحت تغلب عليه التوجهات السياسية، وهو ما يؤكد أنه لا يوجد نموذج مثالى للإعلام، كما أن الاستطلاعات لم تتتم على أسسس سليمة، ولم يكن لاإعلام الأمريكى مواكبا للتعبير عن وجهة نظر الشعب بل كان مرتبطا بمصالح سياسية، وهو ما يمثل تحولات فى النظرة للإعلام الأمريكى ولابد من إعادة النظر فيه.