أبيض ، أزرق داكن ، أزرق سماوي, وفي الركن الأيمن دائرة صفراء . كان هذا هو المشهد أمام الرجل وهو يحمل كرسيه متجهاً صوب الشاطئ. بخطوات بطيئة يصل الرجل الى المكان المطلوب . يضع الكرسي على الأرض ، يثبته جيداً ، ثم يجلس عليه في هدوء. دقائق ويمر شابان بالقرب منه . يتوقفان . ينظر كل منهما الى الآخر ثم يتجهان اليه . «لكن البحر وراءك !» يقول أحدهما يهز الرجل رأسه. «نأسف لأن أحداً لم يساعدك فى وضع الكرسى فى الإتجاه الصحيح» . يهز الرجل رأسه ثانيةً . «لا بد أنهم اعتقدوا أن نظارتك السوداء هى للوقاية من الشمس وليست لأنك أعمى». تظهر الدهشة على وجه الرجل خصوصاً عندما يحمله الشابان هو والكرسى ويلفانه مائة وثمانين درجة . «هكذا أفضل بكثير ! يمكنك الآن الإستمتاع بهواء البحر وهو يلفح وجهك لا قفاك» . يظل الرجل على ذهوله « أية خدمات أخرى ؟ « يهم الرجل بفتح فمه ولكنه لا يفعل.» نستأذن « يتابعهما الرجل بعينيه وهما يتجهان بعيداً. يقوم الرجل، يعيد الكرسى الى وضعه الأول. يجلس فى هدوء وظهره الى البحر. تقترب منه فتاة صغيرة ، فى يدها مصاصة وفى يدها الأخرى دمية « كنت مثلك عندما كان عمرى هكذا « تشير بأصابعها الى العدد أربعة» .الآن كبرت صار عمرى هكذا « ترفع كفها . ينظر الرجل حوله. يتأكد أنها تحدثه هو. «لا تدع الأمر يسبب لك حرجاً !» ينظر اليها فى استفهام. «أعنى أن كل هذا الأزرق لهو شيء مثير للخوف !«ينظر الرجل الآن اليها فى اندهاش. «لا تخف ! مع الوقت سوف تعتاده. ذكر نفسك فقط طوال الوقت أن الأزرق لا يعض . لا..... يعض.. ...وإذا لم ينفع معك ذلك افعل مثلما أفعل». -8- ينظر متسائلاً.» أتشبث بدميتى! لديك دمية ، أليس كذلك ؟ «يهز رأسه ببطء. تقترب منه ، تمد يدها ، يضع يده فى يدها ثم يقوم من على الكرسى فى استسلام . تدير الكرسى ليواجه البحر. تنظر نظرةً فاحصة. تضع المصاصة فى فمها . تلفها مرتين . تبتسم «حسناً إذن .سأذهب الآن . تذكر ! الأزرق لا يعض, وإذا ظللت على خوفك فعليك بالدمية ! هل فهمت ؟». يشير أن نعم. تشير بيدها محيية ثم تبدأ فى الجرى صوب المظلات البعيدة . يتابعها وهو يكاد يضرب كفاً بكف . يقوم بهدوء من على الكرسي، يعيده الى وضعه الأول، ثم يجلس عليه. «والله عيب» يرفع رأسه . يجد أمامه ثلاث سيدات. «والله عيب ، عيب ،عيب عليك أن تعطى ظهرك للبحر لتتفرغ للنظر الى الحسان وهن يخفرن بملابس البحر». ينظر الرجل حوله باحثاً عن هؤلاء الحسان فلا يرى على الشاطئ غير السيدات الثلاث. «وترتدى نظارة سوداء ! طبعاً لتخفى نظرات عينيك» . يحاول الإعتراض فيقاطعنه «ولا كلمة ! تكفى نظراتك الجارحة وهى تعرينا» يخلع النظارة ويضعها فى جيبه . «حرك هذا الكرسى الآن !» يحرك الرجل الكرسى ليصير فى مواجهة البحر. يحرص على تجنب النظر اليهن «رجال ليس لديها أدب» تضيف الأخرى «ولا نظر» . لا يتحرك الرجل من مكانه ولكن لا يفوته ملاحظة أن الثلاث قد اتجهن الى البحر بعد أن خلعن ملابسهن ليقمن بالإستحمام فى البحر أمامه وهن يتضاحكن. ينتهز فرصة غطسهن ولهوهن ويعيد الكرسى الى وضعه الأول. «تفضل!» رجل وامرأة وأربعة أبناء تقول زوجتى أن أشعة الشمس اليوم قوية. لك الحق فى عدم الجلوس فى مواجهتها. ولكن الحل بسيط : نظارة سوداء وقبعة بحر تضعهما وتتحدى بهما الشمس وأشعتها . تفضل ! -9- قبل أن يفتح فمه يضع الرجل له النظارة على وجهه والقبعة فوق رأسه ثم بإشارة من يده يتقدم الأبناء نحوه بحماس. يمسك كل واحد منهم بطرف من أطراف الكرسى ثم مع صفارة أبيهم يديرونه بحركة سريعة ليصير مواجهاً للبحر. «والآن وقد قمنا بعمل الخير لهذا اليوم، أبناء! الى الغذاء» ! «يركض الجميع وهم يضحكون ويشيرون الى الرجل مودعين . ..ينتظر الرجل دقيقة ثم يقوم ويعيد الكرسى كما كان . «الجلوس يكون فى هذا الاتجاه» لا يبدو على الرجل أنه قد سمع ما قاله الشاب الضخم الواقف أمامه مع صحبه . «أكرر! الجلوس يكون فى هذا الاتجاه». يرفع الرجل رأسه ناحيتهم. يهز رأسه من جانب الى جانب ثم يتشبث بكرسيه وهو يغرز قدميه فى الأرض. «لآخر مرة ودون نقاش . الجلوس على شاطئ البحر يكون مواجهاً للبحر . هذا هو الوضع الطبيعى» تنطلق حناجر الواقفين الذين بدأ عددهم فى التزايد «الوضع الطبيعى ..مواجه للبحر..العادي...مثله مثل غيره» . ينطلق صوت الرجل فجأة «كفى !.. أنا حر !.. أنا حر ! ....حر !» . ويبدو أن رد فعل الرجل قد فاجأهم إذ يتجمد الجمع فى مكانه دون حركة. ينظر الرجل اليهم فى تحد، يكور يدا ويتشبث بالأخرى بالكرسي. يظهر الغضب على وجوه الشباب . يتشجع صبى صغير فيمسك حجراً من أحجار الشاطئ ويلقيها صوب الرجل. يبدأ الجميع فى تقليده فتنطلق الأحجار والصخور صوب الرجل المستمر فى الجلوس مكانه . يتأوه الرجل، يحاول حماية رأسه ولكن لا يقوم من مكانه. تستمرالقذائف حتى لا يجد الجمع أحجاراً أخرى ليلقونها عليه . يتقدم أحدهم منه، يقترب حتى يقف أمامه وبظهر يده يلطمة على وجهه. يميل الرجل قليلاً ولكن لا يترك يد الكرسى. يستمر الضرب ويستمر اللطم ويستمر الركل ويستمر الرجل ثابتاً فى مكانه وهو يردد بصوت عال أحياناً ، منخفض أحياناً أخرى «أنا حر !....أنا حر !......أنا حر !....حر.....».