أسعار الذهب الحقيقية اليوم 2 يونيو.. احذر تلاعب تجار الصاغة    جنون أسعار الدواجن مستمر اليوم 2 يونيو.. السر في اختفاء الفراخ    أسعار الخضار في الموجة الحارة.. جولة بسوق العبور اليوم 2 يونيو    طقس اليوم 2 يونيو| استمرار ارتفاع الحرارة.. وتحذير من التوجه لهذه الأماكن    عشرات آلاف الإسرائيليين يتظاهرون من أجل التوصل لإتفاق لإطلاق سراح المحتجزين    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تشن غارةً جويةً جنوب لبنان    بعد فوز ريال مدريد.. كم بطولة يحتاجها الأهلى ليصبح الأكثر تتويجا بالبطولات؟    الجيش الأمريكي يعلن تدمير طائرة مسيرة للحوثيين في البحر الأحمر    مواعيد القطارات اليوم الأحد على خطوط السكك الحديد    نتيجة الشهادة الاعدادية 2024 الترم الثاني محافظة الفيوم برقم الجلوس أو الاسم عبر بوابة الفجر وموقع وزارة التربية والتعليم    الزمالك يدافع عن شيكابالا بسبب الأزمات المستمرة    الأونروا تعلق عملها في رفح وتنتقل إلى خان يونس    المصيلحي يكشف سبب حذف 20 مليون بطاقة تموينية وعدم إضافة المواليد    عمرو السولية: معلول ينتظر تقدير الأهلي وغير قلق بشأن التجديد    أول تعليق من كريس إيفانز عن صورة توقيعه على صاروخ إسرائيلي متجه ل غزة (صور)    11 تصريحا من وزير التعليم بشأن امتحانات الثانوية العامة.. ماذا قال؟    «خبرة كبيرة جدًا».. عمرو السولية: الأهلي يحتاج التعاقد مع هذا اللاعب    براتب 50 ألف جنيه شهريا.. الإعلان عن فرص عمل للمصريين في الإمارات    أحمد موسى: الدولة تتحمل 105 قروش في الرغيف حتى بعد الزيادة الأخيرة    مدحت شلبي يكشف 3 صفقات سوبر على أعتاب الأهلي    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    تشيلي تنضم إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل    أستاذ اقتصاد: «فيه بوابين دخلهم 30 ألف جنيه» ويجب تحويل الدعم من عيني لنقدي (فيديو)    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    أمير الكويت يصدر أمرا بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد    إجراء جديد من محمد الشيبي بعد عقوبة اتحاد الكرة    رئيس اتحاد الكرة السابق: لجوء الشيبي للقضاء ضد الشحات لا يجوز    حريق في عقار بمصر الجديدة.. والحماية المدنية تُسيطر عليه    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    بالصور.. البابا تواضروس يشهد احتفالية «أم الدنيا» في عيد دخول المسيح أرض مصر    الشرقية تحتفل بمرور العائلة المقدسة من تل بسطا فى الزقازيق.. فيديو    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    زاهي حواس يعلق على عرض جماجم مصرية أثرية للبيع في متحف إنجليزي    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    دراسة حديثة تحذر.. "الوشم" يعزز الإصابة بهذا النوع من السرطان    باستخدام البلسم.. طريقة سحرية لكي الملابس دون الحاجة «للمكواه»    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    زوجته الأولى ماتت بأزمة قلبية.. مفاجأة جديدة بشأن سفاح التجمع    الرابعة من نوعها.. نتنياهو يقبل دعوة لإلقاء كلمة أمام «الكونجرس» الأمريكي    تعليق من رئيس خطة النواب السابق على الشراكات الدولية لحل المشكلات المتواجدة    قصواء الخلالي: التساؤلات لا تنتهى بعد وقف وزارة الإسكان «التخصيص بالدولار من الخارج»    وزير الخارجية السابق ل قصواء الخلالي: أزمة قطاع غزة جزء من الصراع العربي الإسرائيلي وهي ليست الأولى وبدون حل جذري لن تكون الأخيرة    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    حظك اليوم برج السرطان الأحد 2-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    موازنة النواب: الديون المحلية والأجنبية 16 تريليون جنيه    عضو أمناء الحوار الوطني: السياسة الخارجية من أهم مؤشرات نجاح الدولة المصرية    ضبط 4 متهمين بحوزتهم 12 كيلو حشيش وسلاحين ناريين بكفر الشيخ    الفنان أحمد عبد القوي يقدم استئناف على حبسه بقضية مخدرات    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    مجلس حكماء المسلمين: بر الوالدين من أحب الأعمال وأكثرها تقربا إلى الله    مصر تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    رئيس جامعة أسيوط يتفقد اختبارات المعهد الفني للتمريض    تعرف على صفة إحرام الرجل والمرأة في الحج    «مفيهاش علمي ولا أدبي».. وزير التعليم يكشف ملامح الثانوية العامة الجديدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    شروط ورابط وأوراق التقديم، كل ما تريد معرفته عن مسابقة الأزهر للإيفاد الخارجي 2024    قبل الحج.. تعرف على الطريقة الصحيحة للطواف حول الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خندق القتلة
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 10 - 2016

بدت عبارة الكاتب الفذ فرانز كافكا «أن تكتب معناه أن تهجر معسكر القتلة»، عنوانا على جملة من القيم الفكرية والجمالية الخالدة لكاتب مجدد فى تاريخ الإبداع فى العالم، فالكتابة هنا تصير انحيازا للمقموعين الذين ينتجون بلاغة جديدة لا يمكن لها أن تساوى بين القاتل والمقتول، حتى لو تصدرت الواجهة لافتة تعيسة تحمل اسم «العنف المتبادل»، وهنا أيضا يصير المثقف فاقدا للبوصلة بعد أن تخلى عن معنى الضمير الإنساني، وأصبح يعيش على الرطان الكاذب، بدلا من أن يدافع عن الحياة فى مواجهة أولئك الذين يصنعون الموت كل صباح.
فى بلد تتآكل نخبته، ويستشهد أبطاله من الجنود البواسل فى رمل سيناء، وتترك مؤسساته ووزاراته المعنية بالتثقيف والتنوير والتعليم الخلاق وطنها فى قلب المعركة وحيدا بلا ظهير فكري، فالجهلة يتسيدون المشهد، والفشلة يدعمون القتلة بحمقهم وضعفهم وحفاظهم المزرى على كراسى المؤسسات الخربة. الفشلة يحاصرون الوطن من كل اتجاه، ويغتالون أنبل ما فيه، يغتالون ثقافته الوطنية وكفاءاته. فى اللحظات القاسية من عمر الأمم لا يبقى أمام الشعوب سوى ضميرها العام، هذا الضمير الذى يخلقه التراكم الحضاري، وتنتجه الهوية الوطنية، ويعبر عنه ثلة من المفكرين الحقيقيين الذين لم تلوثهم الأنظمة المستبدة، ولا التمويلات الخارجية، ولا الأفكار الداعشية بتجلياتها الجهادية والإخوانية والسلفية القابضة على الماضى البليد بإرثه الرجعي، وتخلفه المزرى الذى يليق بقطيع يحيا على السمع والطاعة، وليس بجماهير هادرة تحاول أن تتطلع بإباء صوب المستقبل. يخرج الشهيد البطل العميد أركان حرب عادل رجائي، قائد الفرقة التاسعة مدرعات من منزله، لتستقبله طلقات الرصاص الغادر، وينضم ببسالة لطوابير النبلاء الحقيقيين الذين لن تجدهم يوما أمام الكاميرات، ولا فى مواقع الصخب الإعلامي، وكأنهم راضون بأن يكون موتهم سببا فى أن يحيا الوطن ذاته. وسيكون من المؤسف حقا حين يغيب ولو ثمة بيان واحد يبلور خطابا معرفيا متماسكا فى مواجهة عصابات الإسلام السياسى تتبناه أي وزارة أو مؤسسة معنية بتشكيل العقل العام، فالجرذان يملأون المقاعد، والحمقى يتعاطون مع الإرهاب بوصفه شأنا عسكريا محضا، والثقافة الرسمية قررت منذ زمن الفرار من المعركة. ولا عزاء لمصر وناسها وأبطالها الحقيقيين! لا شيء يهم، هكذا يتصرف كثير من الساسة والمسئولين، هكذا تفعل المؤسسات الثقافية والتعليمية، فالكل مشغول بنفسه، بنجاته الفردية، بمكاسبه الرخيصة، بالأثمان التى يقبضها دون أن يسأل نفسه هل من ثمن ندفعه قربانا لوطننا؟!.فى مجتمعات الركون إلى الماضى يصبح العقل الطليعى هدفا للقنص، مثلما يصبح الجندى المدافع عن الوطن هدفا للقتل، ولضرب هذا العقل المتكلس يجب أن تضرب أصوله الفكرية الماضوية فى الوقت الذى يتم استئصال جماعاته الإرهابية من القتلة والدواعش بأطيافهم . وربما سيكون عاديا للغاية ومخزيا أيضا فى مناخات الخسة والتكفير تلك أن يتعرض العقل الطليعى لحال من التربص الأكاديمى من الرجعيين والمتحالفين معهم، أو لبلطجة من دواعش الثقافة ومتثاقفى البؤس العام. فى لحظات السقوط المدوى لجوهر القيم، ستجد مجموعة من أعتى الديمقراطيات المراوغة فى العالم تتحدث عن إدماج الإرهابيين فى المجتمعات واستيعابهم فى المشهد السياسي، وستجد أيضا القتلة الإقليميين من توابع السيد الاستعمارى الجديد يدعمون كل خنادق الإرهاب والتطرف، أملا فى واقع جديد، وسعيا لتفتيت كيانات حضارية لم تزل مؤثرة على الرغم من كل المحن التى تواجهها.
وفى لحظات السقوط نفسها ستعلو فى الداخل أصوات من متثاقفى التمويلات أو أذناب العولمة الأمريكية لتدعو بصفاقة لا مثيل لها إلى المصالحة مع الخونة والقتلة والإرهابيين، لكن ينسى الجميع سواء أكانوا دولا كبرى، أو نخبا تلعب دور الزمار، أن الحياة والحرية والتسامح والجمال والعدل وكل المقولات الكبرى لا تسلك أبدا طريق العار والخيانة. على رمل سيناء، يقضى جنودنا البواسل أيامهم المجيدة، يزرعون الأمل، ويمتصون الموت، والجماعات التكفيرية التى ترفع راياتها السود، تستند على القتل باسم المقدس، وتستخدم الموروث الدينى فى الدفاع عن تصوراتها القاتلة، ونحن هنا فى قلب القاهرة أغفلنا تجديد الخطاب الدينى تماما، وتجاهلنا من الأساس حتمية مساءلة الماضي، وحينما برزت عبارة إنشائية أخرى تتحدث عن تجديد الخطاب الثقافي، سمعنا جعجعة ولم نر أثرا، فالمداخلات قديمة، والوعى بائس، ومثقفو المؤسسة موظفون طيبون خارج الزمن والتاريخ. تتعدد خنادق القتلة لتشمل الإرهابيين ومن والاهم، لتشمل هذه الذهنية الأحادية التى تختزل التاريخ المصرى فى كهف الميتافيزيقا، وتحوى معها الفاسدين والفشلة والمستبدين الذين يمنحون التيارات التكفيرية قبلة الحياة عبر تكبيل وعى الناس بالخرافة، واستبعاد قيم التقدم لمصلحة الجهل والتخلف وانحطاط المعنى. على صانع القرار المصرى أن يمنح نوافذ أكثر للحرية، والتجديد، والمساءلة، وأن تعى الدولة المصرية خطورة الملفات التى تهملها جراء انشغالها بالآنى والراهن، وبالتحديات الجسام التى تقابلها فى الملفين السياسى والاقتصادي، فالتعامل مع الثقافة بوصفها ترفا، وطريقة التسكين الكوميدى التى تتم، تعنى استبعاد الثقافة من بلورة الخطاب العام للدولة الوطنية، والثمن كما نرى فادح للغاية، ولا بد أيضا من تكامل حقيقى بين التعليم والثقافة لمواجهة الأفكار المتطرفة من منبتها، كما يجب على الإعلام أن يمارس دورا تنويريا تثقيفيا بحق، وهذا كله يجب أن يحدث عبر خطط وسياسات ثقافية وعلمية وإعلامية واضحة وممنهجة. أما عن الأبطال الذين يقاومون الموت بشجاعة حقيقية فنحن نثق فيهم تماما، ونثق فى قدرتهم على حسم المعركة مع الإرهابيين المدعومين من قوى الهيمنة على العالم.
لمزيد من مقالات د. يسرى عبدالله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.