نعرف أن أزمة السكر الحالية هى حلقة ضمن سلسلة معارك يومية متتالية يتم فيها خلق الأزمة تلو الأخرى، فى إطار حرب اقتصادية حقيقية تقودها قوى مضادة داخلية وخارجية. ولكن الذى لا نعرفه هو كيف تتصور الحكومة أنها يمكن أن تكسب تلك الحرب فى غياب خطة حقيقية لإدارة المعركة! فمما لا شك فيه أن أزمة السكر الحالية تكشف مجددا الدور الذى تلعبه الاحتكارات المتحالفة مع سلطة اتخاذ القرار فى المواقع التنفيذية، كما توضح بجلاء غياب التخطيط السليم، على صعيد السياسة الزراعية والتجارية والصناعية. فعلى صعيد السياسة الزراعية تكشف الأزمة عن تراجع المساحة المزروعة بقصب السكر، وتدهور إنتاج محصول البنجر. المتخصصون يتحدثون عن تراجع المساحة المنزرعة بقصب السكر بنحو 50 ألف فدان. يتحدثون عن التقاوى منخفضة الجودة لبنجر السكر التى تم طرحها على الفلاح وعن مافيا استيراد أسوأ أنواع التقاوى لأصناف انكسرت مقاومتها للآفات وتم إلغاؤها فى بلد المنشأ. يتحدثون عن إصابة بنجر السكر بمرض فطري قضى على أكثر من 30% من المحصول. يتحدثون عن غياب دور معهد بحوث المحاصيل السكرية وغياب دور الإرشاد الزراعى. أما المزارعون فيتحدثون عن تدنى الأسعار التى حددها مجلس الوزراء لشراء المحصول فى ظل ارتفاع تكاليف الزراعة، كما يتحدثون عن الانتظار بالشهور لحين استيفاء مستحقاتهم من جانب شركات إنتاج السكر. على صعيد صناعة السكر، تكشف الأزمة أن الإنتاج المحلى يغطى فى المتوسط ما يتراوح بين 70% و 77% من احتياجات الاستهلاك، كما أن الشركات الرئيسية المنتجة للسكر فى مصر شركات عامة تتبع الشركة القابضة للصناعات الغذائية، والتى تتبع بدورها وزارة التموين. المفترض إذن أن صناعة السكر المحلية توفر لنا درجة معتبرة من الأمن الغذائى فيما يتعلق بهذه السلعة الضرورية. ولكن.. المتخصصون يقولون أيضا إن الشركة القابضة للصناعات الغذائية درجت على بيع إنتاج السكر لعدد محدود من الشركات التجارية الكبرى لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. إذن سوق السكر فى مصر هى من المنبع سوق احتكار قلة. ومن الطبيعى والحال كذلك أن تكون تلك الشركات الكبرى هى المتحكمة فى كمية وسعر السكر المطروح فى الأسواق. وطبعا تتساءل وأتساءل معك لماذا يتم قصر بيع إنتاج شركات السكر العامة على هذا العدد المحدود من شركات التوزيع؟ لماذا لا يفتح الباب أمام كل الشركات التى تتقدم للشراء؟. أليست هذه هى قواعد المنافسة وألف باء مواجهة الاحتكار؟ وإذا كانت الشركة القابضة للصناعات الغذائية مصرة على إراحة دماغها والتعامل مع عدد محدود من الشركات، فلماذا والأمر كذلك لا يتم وضع حد أقصى لهامش الربح الذى يمكن أن تحصل عليه شركات تجارة السكر، حتى لا تفرض على السوق أثمانا احتكارية؟ ولماذا لا يتم متابعة ماتم بيعه لتلك الشركات خلال الشهور القليلة الماضية والتأكد هل تم طرحه فى الأسواق أو حجبه عنها؟. أما على صعيد السياسة التجارية، فالواضح غياب أى تصور لضمان توفير هذه السلعة الاستراتيجية بعيدا عن تقلبات السوق الدولية، وخاصة فى ظل شح مواردنا من النقد الأجنبى. فمرة يتم فتح باب الإفراط فى الاستيراد ليؤدى إلى تراكم المخزون فى مصانع إنتاج السكر وتكبدها للخسائر. ومرة يتم فتح باب التصدير على مصراعيه، ولتذهب احتياجات السوق المحلىة للجحيم! هل صحيح ما يؤكده رئيس شركة الدلتا للسكر من قيام الكثير من الشركات المنتجة بتصدير كميات كبيرة من السكر إلى الخارج بهدف الاستفادة من ارتفاع الأسعار العالمية؟ وكيف نفسر التصريح فى ديسمبر 2015 بوجود مخزون راكد من السكر يكفى لتغطية فجوة استهلاك السكر لمدة عام، ثم إعلان رئيس شركة السكر والصناعات التكاملية، بعد ذلك بشهرين فقط، بأنه تم بيع مخزون السكر بالكامل! هل تم تصريفه بهذه السرعة من خلال التصدير، أم عن طريق البيع للشركات الكبرى التى تحتكر التوزيع داخليا؟ وإذا كان الاندفاع إلى تصدير السكر قد ظهر فى فبراير 2016 فلماذا لم يتم اتخاذ إجراء فورى لوقف ذلك النزيف؟ لماذا تأخر قرار وزير الصناعة والتجارة بفرض رسم تصدير على السكر بواقع 900 جنيه للطن إلى شهر مايو 2016، وبعد أن بدأت بوادر الأزمة فى الظهور؟. تفاصيل وتداعيات أزمة السكر تؤكد أن مواجهة الأزمات المتوالية فى أسواق السلع الأساسية تتطلب القضاء على التحالف بين الاحتكارات ومراكز صنع القرار فى المواقع التنفيذية المختلفة، وتستلزم التخطيط السليم على صعيد السياسات الزراعية والصناعية والتجارية. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى