رئيس جامعة القناة يشهد المؤتمر السنوي للبحوث الطلابية لكلية طب «الإسماعيلية الجديدة الأهلية»    «السلع التموينية» تتعاقد على شراء 420 ألف طن قمح روسي وروماني    السعودية تحذر من الدخول لهذه الأماكن بدون تصريح    برلمانى: التحالف الوطنى نجح فى وضع أموال التبرعات فى المكان الصحيح    نادر نسيم: مصر حاضرة في المشهد الفلسطيني بقوة وجهودها متواصلة لوقف إطلاق النار    حزب الغد: نؤيد الموقف الرسمى للدولة الفلسطينية الداعم للقضية الفلسطينية    180 ثانية تكفي الملكي| ريال مدريد إلى نهائي دوري الأبطال بريمونتادا مثيرة على البايرن    بعد ثبوت هلال ذي القعدة.. موعد عيد الأضحى المبارك 1445    مركز السينما العربية يكشف عن أسماء المشاركين في فعالياته خلال مهرجان كان    الرئيس الكازاخستاني: الاتحاد الاقتصادي الأوراسي يمكنه توفير الغذاء لنحو 600 مليون شخص    رئيس«كفر الشيخ» يستقبل لجنة تعيين أعضاء تدريس الإيطالية بكلية الألسن    مواصفات سيارة تويوتا كامري ال اي ستاندر 2024    عزت إبراهيم: اقتحام إسرائيل لرفح الفلسطينية ليس بسبب استهداف معبر كرم أبو سالم    أول أيام شهر ذي القعدة غدا.. و«الإفتاء» تحسم جدل صيامه    أيهما أفضل حج الفريضة أم رعاية الأم المريضة؟.. «الإفتاء» توضح    متحدث الصحة: لم ترد إلينا معلومات حول سحب لقاح أسترازينيكا من الأسواق العالمية    كوارث خلفتها الأمطار الغزيرة بكينيا ووفاة 238 شخصا في أسبوعين.. ماذا حدث؟    مرصد الأزهر لمكافحة التطرف يكشف عن توصيات منتدى «اسمع واتكلم»    «لا نعرف شيئًا عنها».. أول رد من «تكوين» على «زجاجة البيرة» في مؤتمرها التأسيسي    سلمى الشماع: مهرجان بردية للسينما الومضة يحمل اسم عاطف الطيب    موعد وعدد أيام إجازة عيد الأضحى 2024    وزير التعليم يُناقش رسالة ماجستير عن المواطنة الرقمية في جامعة الزقازيق - صور    بالفيديو.. هل تدريج الشعر حرام؟ أمين الفتوى يكشف مفاجأة    حزب العدل: مستمرون في تجميد عضويتنا بالحركة المدنية.. ولم نحضر اجتماع اليوم    عام المليار جنيه.. مكافآت كأس العالم للأندية تحفز الأهلي في 2025    «البترول» تواصل تسجيل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر مايو 2024    توت عنخ آمون يتوج ب كأس مصر للسيدات    «اسمع واتكلم».. المحاضرون بمنتدى الأزهر يحذرون الشباب من الاستخدام العشوائي للذكاء الاصطناعي    حسن الرداد يكشف عن انجازات مسيرته الفنية    «فلسطين» تثني على اعتراف جزر البهاما بها كدولة    .. ومن الحب ما قتل| يطعن خطيبته ويلقى بنفسه من الرابع فى أسيوط    محافظ أسوان: مشروع متكامل للصرف الصحي ب«عزبة الفرن» بتكلفة 30 مليون جنيه    السنباطى رئيسًا ل «القومى للطفولة» وهيام كمال نائبًا    وكيل وزارة الصحة بالشرقية يتفقد مستشفى الصدر والحميات بالزقازيق    مناقشة تحديات المرأة العاملة في محاضرة لقصور الثقافة بالغربية    رئيسة المنظمة الدولية للهجرة: اللاجئون الروهينجا في بنجلاديش بحاجة إلى ملاجئ آمنة    «تويوتا» تخفض توقعات أرباحها خلال العام المالي الحالي    كريستيانو رونالدو يأمر بضم نجم مانشستر يونايتد لصفوف النصر.. والهلال يترقب    أحدثهم هاني شاكر وريم البارودي.. تفاصيل 4 قضايا تطارد نجوم الفن    11 جثة بسبب ماكينة ري.. قرار قضائي جديد بشأن المتهمين في "مجزرة أبوحزام" بقنا    المشدد 10 سنوات لطالبين بتهمة سرقة مبلغ مالي من شخص بالإكراه في القليوبية    فرقة الحرملك تحيي حفلًا على خشبة المسرح المكشوف بالأوبرا الجمعة    «8 أفعال عليك تجنبها».. «الإفتاء» توضح محظورات الإحرام لحجاج بيت الله    عامود إنارة ينهي حياة ميكانيكي أمام ورشته بمنطقة البدرشين    رئيس قطاع التكافل ببنك ناصر: حصة الاقتصاد الأخضر السوقية الربحية 6 تريليونات دولار حاليا    الزمالك يكشف مفاجآت في قضية خالد بوطيب وإيقاف القيد    تعمد الكذب.. الإفتاء: اليمين الغموس ليس له كفارة إلا التوبة والندم والاستغفار    الأرصاد تعلن تفاصيل حالة الجو اليوم.. فيديو    ذكرى وفاة فارس السينما.. محطات فنية في حياة أحمد مظهر    صحة المنيا تقدم الخدمات العلاجية ل10 آلاف مواطن فى 8 قوافل طبية    صالح جمعة معلقا على عقوبة إيقافه بالدوري العراقي: «تعرضت لظلم كبير»    لمواليد 8 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    إخماد حريق في شقة وسط الإسكندرية دون إصابات| صور    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    إعلام فلسطيني: شهيدتان جراء قصف إسرائيلي على خان يونس    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلاغة القص لدى شعراء المهجر الشمالى

لاشك أن الأدب المهجرى الذى أبدعه الأدباء العرب المهاجرون إلى العالم الجديد(الأمريكتين) فى النصف الأول من القرن العشرين - وبخاصة إنتاج الرابطة القلمية والعصبة الأندلسية - علامة بارزة وحلقة مهمة من حلقات الأدب العربى، بما امتاز به من جدة فى الموضوعات والقضايا، وجدة فى التناول وتجديد فى الشكل الفنى؛ ولذلك نال هذا الأدب دائما اهتماما لافتا من الباحثين والمعنيين بدراسة الأدب والتأريخ له.
وربما لا يمكن حصر الدراسات التى تناولت هذا الأدب فى مصر والعالم العربى والعالم كله بدقة.. ولا يزال الدارسون يحرصون على مداومة النظر فيه لتقديمه للقارئ من زوايا جديدة لم يسبق تناولها. ومن هذه الزوايا على سبيل المثال »بلاغة القص الشعرى«. والمراد دراسة الجوانب البلاغية فى القصائد القصصية لدى شعراء المهجر .
ولأن رقعة الإبداع الشعرى المهجرى متسعة وإنتاجهم غزير، فإنه كان لا بد من تحديد مجال لهذه الدراسة يجعلها ممكنة الإنجاز فى زمن مناسب وبحجم مناسب أيضا، وقد وقع الاختيار على أعضاء «الرابطة القلمية» الشعراء لدراسة «بلاغة القص» فى إبداعهم الشعرى. وهو ما يقتضى بحث القضية نفسها فى إبداع »العصبة الأندلسية« الشعرى لتتم الفائدة.
وشعراء الرابطة القلمية ستة، بعضهم طبقت شهرته الآفاق، وهم: جبران خليل جبران (1883 1931) وميخائيل نعيمة (1889- 1988) وإيليا أبو ماضى (1889- 1957)، وبعضهم غير معروف على نطاق واسع وهم: نسيب عريضة (1887- 1946) ورشيد أيوب (1871- 1941) وندرة حداد ( 1881- 1950).
أما الثلاثة الأول فأعمالهم مشهورة متداولة ومطبوعة أكثر من طبعة، ولكنهم متفاوتون فى الإبداع الشعرى، فإيليا أبو ماضى، وهو أغزرهم إنتاجا، خمسة دواوين هى على التوالى: «تذكار الماضى» 1911، ديوان إيليا أبى ماضى (الجزء الثانى) طبع فى نيويورك 1918، «الجداول» طبع فى نيويورك 1927 «الخمائل» طبع فى نيويورك 1947، «تبر وتراب» طبع فى بيروت1960، وصدرت أعماله الشعرية الكاملة فى طبعة واحدة فى بيروت1960. أما نعيمة فلم يبدع إلا ديوانا واحدا هو »همس الجفون »، وهو مطبوع طبعات عديدة ، وبه قصائد أبدعها بالإنجليزية وترجمها إلى العربية على حد قوله حين أراد طبع هذا الديوان، وعرب غيره بعض قصائده المكتوبة بالانجليزية. يذكر أن نعيمة توقف عن قول الشعر منذ عام 1932 رغم أنه عمر حتى عام 1988، وكذلك كان إنتاج جبران الشعرى قليلا قياسا إلى أصحابه وهو متفرق فى الأعمال الكاملة (العربية).
وأما نسيب فله ديوان واحد هو »الأرواح الحائرة« طبع عام 1946 فى نيويورك، بعد وفاته، وقبل أن يمتع ناظريه برؤيته والكتب فلذات أكباد كالأولاد سواء، ولا توجد منه نسخ فى مكتبات العالم العربى كله ،على حد علمى، وربما لا توجد منه نسخ فى العالم كله، وفى دار الكتب المصرية مختارات من شعره صدرت ضمن سلسلة »مناهل الأدب« ، ولنسيب قصائد متفرقة لم يضمها ديوانه المطبوع، وأما رشيد فله ثلاثة دواوين، هى »الأيوبيات« وطبع فى نيويورك 1916، و«أغانى الدرويش« وطبع فى نيويورك 1928 وله طبعة أخرى فى مصر صدرت عن مؤسسة هنداوى2012، و«هى الدنيا » وطبع فى نيويورك 1939. وأما ندرة فله ديوان وحيد هو »أوراق الخريف« وطبع فى نيويورك1941، ومنه نسخة وحيدة فى العالم العربى (بمكتبة الملك فهد).
فنحن إذا أمام اثنى عشر ديوانا إذا عددنا شعر جبران المنشور فى أعماله الكاملة ديوانا ، وقد حظى هذا الإبداع الشعرى المهجرى بكثير من البحوث والدراسات الأكاديمية وغير الأكاديمية ، تناولت مختلف القضايا التى اهتم لها هذا الأدب الرفيع، خاصة قضايا التجديد فى الأدب ، والاهتمام بالإنسان الفرد وهمومه ، والعواطف الإنسانية ، والقضايا الاجتماعية والوطنية والكونية ، ومعضلات تناقضات الحياة الإنسانية وتأملها من الوجهة الفكرية والفلسفية، والحيرة الدائمة تجاه هذه التناقضات المشكلة، والاهتمام اللافت بالطبيعة ومظاهر الجمال فيها، والاتحاد أو التماهى معها ومحاورتها وإسقاط المشاعر الإنسانية عليها .
وعلى الرغم من كثرة الدراسات حول الشعر المهجرى فإن الجانب القصصى فى شعر أعضاء الرابطة القلمية لم يحظ بدراسة علمية أكاديمية أو غير أكاديمية ، باستثناء ثلاث دراسات حملت عناوين »الأقصوصة الرمزية فى شعر المهجر« للأستاذ محمود محمد عيسى ؛ كتاب من الحجم الصغير تناول الملمح الرمزى فى بعض القصائد القصصية القصيرة، مهتما بالجانب الموضوعى لا البلاغى الفنى. و«القصة الشعرية فى العصر الحديث« للدكتورة عزيزة مريدن، ومن بين ما تناولت فيه إبداع المهجريْن الشمالى والجنوبى، وعرضت فى بابه الثانى للأقصوصة بحسب موضوعاتها، وجاءت على النحو التالى: التاريخية والأسطورة الرمزية ، والوعظية التعليمية، والعاطفية والاجتماعية، والوطنية والقومية، وعرضت فى بابه الثالث للقصة الشعرية الطويلة بحسب الترتيب الذى اتبعته قبلا، ويختلف المنهج وطريقة التناول جذريا عن منهج »بلاغة القص«، إذ اقتصرت الباحثة على ذكر الأبيات والتعليق عليها بشرح معانيها وتبيان نوع موضوعها الذى على أساسه صنفتها إلى تاريخية أو تعليمية ... إلخ، واختارت »مريدن« خمس قصائد متفاوتة الطول لإيليا ونموذجين اثنين لرشيد ونموذجا واحد لندرة، ولم تعرض لجبران ولا نعيمة ولا نسيب. و«القصة فى شعر إيليا أبو ماضى» للدكتور على محمد إسماعيل، وهو دراسة جيدة لاثنتى عشرة قصيدة فى تمهيد وفصلين، فى الفصل الأول اهتم بالقصة الواقعية المباشرة وغير المباشرة وفى الفصل الثانى اهتم بالقصة الأسطورية (الخيالية)، وقسم الباحث تناول القصائد قسمين: الأول للمحتوى العام والثانى لفنيات القص فى القصيدة ، واهتم فيها بالزمان والمكان والصراع والشخصية وبعض الملامح الأسلوبية ، ومن الواضح أنه اقتصر على دراسة شاعر واحد من أعضاء الرابطة.
لذلك كان التفكير فى هذه الدراسة ، وهو موضوع متسع المجال يمكن تناوله من زوايا متعددة، فللقص فنيات وللشعر فنيات، وللقصيدة ضوابط شكلية لابد أن يلتزمها الشاعر من وزن وقافية وضبط أشطار الأبيات ، وكلها قيود قد تعوق إحكام القص، فهل ترى استطاع الشاعر المهجرى فى قصيدته القصصية أن يحكم البناء الفنى والقصصى لقصيدته، وهل اهتم بعناصر القص الأبرز : المكان والزمان والحدث (والحبكة) والشخصية والحوار، أم اهتم بعناصر الشعر الأبرز: جماليات الشكل البلاغية ؛ التشبيه بأنواعه: العادى والبليغ والتمثيلى والضمنى...، والاستعارة بأنواعها: المكنية والتصريحية ، والأصلية والتبعية، والتمثيلية...، والكناية بأنواعها، والإيجاز بالحذف أو بغيره، والفنون البديعية بشتى صورها ... إلخ .
ومن ينظر فى إبداع الرابطة الشعرى، ويتأمل القصصى منه، يجده غزيرا، و يرَ تنوع موضوعات شعرهم، لقد اهتموا بحقائق الحياة، وقضايا الإنسان والمجتمع، واهتموا بشئون السياسة، كما غنوا للحب والحرية، والمرأة، وأكدوا قيمة الفن: الشعر والشاعر ومعنى الشعر، واتسم شعرهم بالنزعة الإنسانية والتأملات الفلسفية، فإلى جانب التجديد فى الشكل جاء شعرهم تجديديا فى المضامين ؛ إذ عالجوا قضايا »حية« عاشوها بالفعل واقعا، وانفعلوا بها، شغلت وجداناتهم وأرقت نفوسهم ، تمثلت فى ثنائيات: الفرد والمجتمع، الخير والشر، الروح والجسم، النفس والعقل، العقل والقلب، وفى تفاعل صادق مع الطبيعة كاشف عن حب لها وانفعال بها؛ وعلت فى شعرهم نبرة الشكوى من الحياة، والحنين الدائم إلى الوطن، والاغتراب بحثا عن وطن مثالى يعوض الشعور العميق بالغربة ؛ فهو لذلك شعر صادق من حيث هو ترجمة حقيقية لحيواتهم وأفكارهم ورؤاهم. وكان نعيمة حاديهم إلى تشوف روح التجديد فى الموضوع وتطويع الشكل واللغة للحس والفكر والشعور والخيال، والتجديد فى المعجم والاستعارات والموضوعات والصور الشعرية، والمزج بين الفكر والعاطفة والنفاذ إلى الواقع الذى يكمن خلف عالم الحواس ليزيدوا القارئ فهما بالحياة، وبالعالم الحقيقى للروح والمشاعر الجمالية.
ولم يكن من الممكن أن تستوعب هذا الإنتاج الغزير دراسة فى ثلاثمائة أو حتى خمسمائة صفحة، فلإيليا وحده ما يربو على 285 قصيدة ، جاء ما يربو على ثلثها فى قالب قصصى أو غلب عليه الروح القصصى، وتغلب على رشيد فى دواوينه نزعة القص، ولذلك كان لابد من انتقاء نموذجين أو ثلاثة لكل شاعر من الشعراء الستة لتكون حقل الدراسة، وهكذا اخترت من القصائد القصصية المطولة : »الأسطورة الأزلية« (مائة وواحد وثلاثون بيتا) و«الأشباح الثلاثة » (أربعة وسبعون بيتا) و«الشاعر والملك الجائر« (تسعة وسبعون بيتا) لإيليا، و« تيتانيك«(ستة وخمسون بيتا) و«ابنة الكوخ« ( اثنان وأربعون بيتا) لرشيد ، و«صدى الأجراس« (عشرون رباعية، أو أربعون بيتا وأربع قفلات) لنعيمة، و«رباعيات« ( اثنتا عشرة رباعية، أو ثمانية وأربعون بيتا) لنسيب ، ومن القصائد الوسط : »الجبار الرئبال« ( عشرون بيتا) و« بالأمس« (ثلاثون بيتا) لجبران، و«الغد« (عشرون بيتا) و«الورقة الأخيرة« لندرة ، وأخيرا القصيدة القصيرة واخترت من نماذجها »رؤيا طائر« (اثنا عشر بيتا) و«صلاة«(اثنا عشر بيتا) لنسيب، و«شكوى الفقير« لرشيد (عشرة أبيات) ، والقصيرة جدا التى تصور مشهدا أو موقفا، واخترت نموذجا لها مقطوعة رشيد أيضا »لماذا؟«، وهى من ثلاثة أبيات، يقول فيها :
قالوا لماذا تشتكى ؟
فأجبتهم من قول هات
ماذا أرجى وقد حرصت على يراعى والدواة
حرص البخيل على الدراهم ، والجبان على الحياة
وهى تصوير لحدث بسيط أوموقف لحظى، أو خاطر وعاه الشاعر وربما تكرر فى حياته كثيرا ، واستفزته كثرة طرح السؤال عليه فعبر على هذا النحو، أو ربما التفت هو إلى طبيعته دائمة الشكوى، فنقل الحدث أو الخاطر من عالم الفكرة إلى عالم الكلمة. ومن البين أن هذه المقطوعة لم تهتم للمكان ولا للزمان، ولا حددت شخصيات بعينها، وليس فيها حدث كلاسيكى مطول ببداية ووسط ونهاية، وكذلك كانت قصيدتا جبران »الجبار الرئبال« و«بالأمس« تقريبا وقصيدة ندرة »الورقة الأخيرة«؛ ولذلك تغلّب فى اختيار منهج الدراسة وقضايا البحث مراعاة طبيعة المادة الخام »القصيدة« فكان اختيار قضايا »الصورة«، وفى مبحثها تناولت المفهوم الحديث لها وطغيان الاهتمام بها فى الأربعين عاما الماضية، وأن لها جذورا ضاربة فى تراثنا البلاغى القديم، واخترت عنصرين من عناصرها يغلبان على البناء الشعرى عامة ، أو هما فى الحق جوهره وصلبه، هما »التشبيه« و«الاستعارة«.
وقبل البدء فى هذا الفصل حرصت فى المقدمة على بيان مفهوم الشعر ومفهوم القصة، وأوجه الاتفاق بينهما وأوجه الاختلاف، وعلى تقديم لمحة تاريخية يسيرة عن القص فى الشعر العربى .
وفى الفصل الثانى »بلاغة التنويع السردى« تم رصد التحولات التى تقطع خط السرد الأفقى وتنقلنا إلى مستوى أو مستويات أخرى، كالتحول إلى »حديث النفس« أو »الارتداد« إلى الماضى بتذكر أحداث ماضية وثيقة الصلة بالموقف الآنى، تساعد فى فهمه أو تبرر لمساق الحدث أو الموقف أو الاختيار، أو »الاستباق« أو التنبؤ بشىء يحدث متأخرا فى مسار السرد، أى فى نهاية زمن الحدث أو خارجه، أو يحتمل حدوثه، وقيمة ذلك الفنية وأثره فى البناء السردى، وهى من التقنيات البلاغية الحديثة .
كما كان هناك حرص على التفريق بين التقنيات الثلاث وتحديد أن التقنيتين الأخيرتين »تحول فى الزمن«؛ زمن السرد، داخل الحدث أو خارجه بحسب الزمان الذى وقعت فيه أحداث الارتداد أو الاستباق، وأن الأولى »حديث النفس« لا تحمل بالضرورة تحولا فى الزمن إلا إذا كانت وعاء وقع الارتداد أو الاستباق فى إطارها وكان جزءا منها .
ولمناسبة »فن الالتفات«- وهو من فنون البلاغة القديمة - للتنويع السردى باعتباره تحولا فى البناء الأسلوبى من ضمير إلى آخر،ومن زمن فعل إلى زمن آخر (من الماضى أو المضارع أو الأمر إلى المضارع أو الماضى أو الأمر) ومن نوع جملة إلى آخر...إلخ، جعلته مبحثا فى هذا الفصل، ثم جرى بحث قضايا »الحوار والتكرار والحذف«.
أما الفصل الثالث فجاء تحت عنوان »بلاغة الإيحاء«، وقدمت فيه ثلاثة مباحث هى »الحوار« و«التكرار والحذف«، واختير هذا العنوان ليشمل هذه المباحث الثلاثة رغم أن مفهوم الإيحاء يتسع ليشمل هذه الفنون وغيرها، فالأدب هو فن الإيحاء، لكن صوت الإيحاء قد يعلو فى فنون الحوار والحذف والتكرار .
والحوار قاسم مشترك بين فنون الكلمة ومنه مباشر وغير مباشر، وأحادى أو ثنائى فأكثر بحسب عدد الشخصيات، فبينت أبعاد الإيحاء والتكثيف فيه، وتأثيره فى الكشف عن فكر الشخصية أو تطور الحدث، وكان هناك وعى باحتمال الالتباس بين الحوار الداخلى (الذاتى الأحادى) وحديث النفس، فتمت التفرقة بينهما، كما تم تبيين عمومية حديث النفس وشموله الحوار الذاتى وليس العكس.
وفى مبحث الحوار تم رصد تكرار الكلمة المفردة؛ الاسم لفظا ومعنى، والفعل بمختلف أزمنته، والحرف فى الكلمة ومستقلا (خاصة حروف المعانى)، وتكرار الجملة والمقطع، وأثر كل نوع منها فى بيان المعنى الذى أراده الشاعر وفى بناء القصة. وأفردت للتكرار البديعى قسما أطلقت عليه وصف التكرار الهندسى بينت فيه أن هؤلاء الشعراء رغم أن قصائدهم فى قالب قصصى كانوا حريصين على جوهر الشعر فيها بالاهتمام بالألوان البديعية التى هى من حليه ووشيه، تساعدهم فى بناء الصورة الشعرية، وتمنعهم موهبة القول من السقوط فى فخ الصنعة الشكلية على حساب الجوهر .
وفى مبحث الحذف عرضت لحذف الكلمة وأثره فى الإبانة عن المعنى، وما قد يكون له من أثر فى مسار الحدث أو القص ، أو فى الحال النفسية لهذه الشخصية أو تلك بحسب معطيات السياقات.
وهكذا انتهت الدراسة إلى توظيف شعراء الرابطة القلمية فنيات البلاغة القديمة والحديثة فى بناء القصة الشعرية فى قصائدهم القصصية، وكيف أن هذه الفنيات كانت أدوات أساسية فى بناء الشخصية وتصوير الحدث وإحكام السرد، وهذه الحقيقة إحدى نتائج هذه الدراسة التى نوقشت قبل بضعة أسابيع فى كلية البنات جامعة عين شمس، وأشرف عليها الأستاذ الدكتور حسن البندارى أستاذ البلاغة والنقد الأدبى بالكلية ومعاونته الدكتورة بسمة محمد بيومى أستاذ الأدب الحديث المساعد بالكلية، وناقشها الأستاذ الدكتور محمد يونس عبد العال أستاذ النقد الأدبى بكلية الآداب بجامعة عين شمس والدكتور أسامة البحيرى أستاذ البلاغة والنقد الأدبى بجامعة طنطا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.