جاء قرار تأسيس «مجموعة العشرين» خلال اجتماع وزراء مالية الدول السبع الصناعية بواشنطن فى 25 سبتمبر 1999، كرد فعل لتصاعد وتيرة الأزمات المالية التى ضربت عددا من الاقتصادات الناشئة خلال النصف الثانى من عقد التسعينيات من القرن الماضي، سواء فى شرقى آسيا أو أمريكا اللاتينية. فقد كشفت المناقشات الدولية التى جرت آنذاك عن ضرورة مشاركة الاقتصادات الناشئة فى عملية صناعة القرار الخاص بالقضايا ذات الصلة بالاقتصاد العالمى بشكل عام، وبالنظام المالى الدولى بشكل خاص، بالإضافة إلى ما كشفت عنه خبرة هذه الأزمات من عدم قدرة مؤسسات بريتون وودز التقليدية (البنك الدولى وصندوق النقد) ومجموعة السبع الصناعية، على معالجة مثل تلك الأزمات. وفى هذا السياق، ضمت المجموعة فى أول اجتماع لها فى برلين (15-16 ديسمبر 2009) مجموعة الدول السبع الصناعية (كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة، الولاياتالمتحدة)، بجانب اثنتى عشرة دولة هي: الأرجنتين، وأستراليا، والبرازيل، والصين، والهند، وإندونيسيا، والمكسيك، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وجنوب أفريقيا، وكوريا الجنوبية، وتركيا. كما شارك فى الاجتماع ممثلون عن كل من الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد، والبنك الدولي. وركزت المجموعة خلال السنوات الأولى من تأسيسها على تشجيع النقاش والحوار بين الدول الصناعية المتقدمة والاقتصادات الصاعدة حول السياسات الاقتصادية والمالية، وقضايا النظام المالى الدولي، بهدف إيجاد نوع من التفاهم والتوافق العام حول تلك القضايا، بما يسهم فى ضمان تحقيق الاستقرار المالى العالمي، وتقليل احتمالات حدوث أزمات مالية واقتصادية دولية جديدة، خاصة تلك التى قد تنشأ من داخل الاقتصادات الصاعدة. ورغم أن المجموعة بدت وكأنها تعمل ككيان مكمل –وليست كبديل- للمؤسسات المالية أو المجموعات الاقتصادية القائمة، إلا أن تطور أجندة عملها خلال السنوات الأخيرة كشف عن سيناريوهات مختلفة لمستقبل العلاقة بين المجموعة ومؤسسات «بريتون وودز»، قد تتجاوز علاقة التكامل بين الجانبين. ومن بين السيناريوهات المطروحة تراجع الأهمية النسبية للصندوق والبنك، ومجموعة السبع، لتحل مجموعة العشرين محل هذه المؤسسات كإطار رئيسى لإدارة الاقتصاد العالمي، أو حدوث نوع من تقسيم العمل فيما بينها على أقصى تقدير، تضطلع فيه مجموعة السبع بمناقشة القضايا الأمنية، بينما يتحول الصندوق والبنك الدوليان إلى أدوات لتنفيذ سياسات وإستراتيجيات مجموعة العشرين. الأمر الذى يعطى المجموعة أهمية متزايدة كإطار مهم لإدارة عملية الانتقال الجارية فى هيكل وبنيان النظام العالمي. وقد جاءت دعوة مصر للمشاركة فى الاجتماع الراهن للمجموعة، كعضو مراقب، ليحمل دلالات مهمة، ليس فقط بالنسبة لمصر ووزنها المتصاعد داخل الجماعة الدولية، ولكن بالنسبة لتطور مجموعة العشرين ذاتها، وإدراكها لعدد من التحديات التى لازالت تواجه المجموعة، وإدراكها للدور الذى يمكن أن تلعبه مصر فى معالجة بعض تلك التحديات. لقد كان من بين الدوافع الأساسية التى وقفت وراء تأسيس مجموعة العشرين هو توفير فرصة أكبر للتمثيل العادل للقوى والأسواق الصاعدة فى إدارة قضايا الاقتصاد العالمي. ومع الاعتراف بالفعل بالنقلة الكبيرة التى حققتها المجموعة -بالمقارنة بتركيب مجموعة السبع التى ظلت تجسيدا لهيمنة دول الشمال الصناعية-إلا أن التركيب الحالى لمجموعة العشرين مازال ينطوى على درجة من عدم التمثيل العادل أيضا. وتأخذ مشكلة ضعف التمثيل العادل هنا بعدين أساسيين. الأول هو ضعف التمثيل الثقافى والحضارى العربى داخل المجموعة؛ حيث يقتصر التمثيل العربى على المملكة العربية السعودية، الأمر الذى ينطوى على إغفال لدول ذات ثقل إقليمي، فضلا عن الطبيعة الخاصة للاقتصاد السعودى كونه اقتصادا نفطيا. ويطرح هؤلاء هنا ضرورة ضم مصر كعضو كامل العضوية إلى المجموعة، ليس فقط للثقل الإقليمى والدبلوماسى لمصر، ولكن لما يضيفه ذلك من تمثيل أوسع للمجموعة الاقتصادية العربية، واستنادا أيضا إلى التقديرات الإيجابية المتوقعة لأداء الاقتصاد المصرى بعد ثورة يونيو. البعد الثاني، هو ضعف التمثيل الجغرافى والأقليمى داخل المجموعة؛ فامتدادا للسيطرة الأوروبية على مجموعة السبع والتى تضم أربع دول أوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، إيطاليا)، يمكن القول إن مجموعة العشرين تتسم أيضا بدرجة ملحوظة من عدم التمثيل الجغرافي، لصالح القارة الأوروبية، والأمريكتين، وآسيا، مقابل تراجع واضحلتمثيل الاقتصادات الأفريقية والعربية والشرق أوسطية؛ إذ تتمتع القارة الأوروبية بحضور خمس دول داخل المجموعة (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، روسيا) هذا بالإضافة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، وتتمتع الأمريكتان بحضور خمس دول (الولاياتالمتحدة، كندا، الأرجنتين، البرازيل، المكسيك)، وتتمتع آسيا بحضور خمس دول (اليابان، الصين، الهند، إندونيسيا، كوريا الجنوبية)، بينما يقتصر تمثيل القارة الأفريقية على دولة واحدة فقط هى جنوب أفريقيا، ويقتصر تمثيل الاقتصادات العربية والشرق أوسطية مجتمعة على دولتين فقط هما تركيا والمملكة العربية السعودية. هذا الواقع قد يأتى انعكاسا لهيكل توزيع القدرات الاقتصادية وقت تأسيس المجموعة، فى ضوء تصاعد الأهمية النسبية لاقتصادات أمريكا اللاتينية والاقتصادات الآسيوية، ووقوع النسبة الأكبر من الاقتصادات الصاعدة داخل هذه الأقاليم، فضلا عن أن هذه الاقتصادات التسعة عشر تستحوذ على نحو 90٪ من إجمالى الناتج العالمي، وعلى نحو ثلثى إجمالى عدد سكان العالم، الأمر الذى يعنى تمثيل المجموعة للنسبة الأكبر من الاقتصادات العالمية، من حيث الناتج المحلى وعدد السكان، إلا أن دورا فاعلا للمجموعة فى تمثيل مختلف مصالح الاقتصادات العالمية، وتمتعها بدرجة أكبر من الشرعية فى إدارة النظام الاقتصادى العالمي، يحتاج إلى إعادة النظر فى التشكيل الحالى للمجموعة استنادا إلى معيار مركب وأكثر تعقيدا فى تشكيل عضويتها. وعلى الرغم من الطابع الاقتصادي- المالى لمجموعة العشرين، إلا أن إعادة النظر فى مسألة التمثيل الراهن، على أسس حضارية وأقاليمية، باتت شديدة الأهمية بالنظر إلى عاملين أساسيينك الأول هو الدور المهم والمتصاعد الذى باتت تحتله المجموعة على المستوى العالمي، والتوسع المهم الذى شهدته أجندتها من العمل علىفهم أسباب الأزمات المالية العالمية وكيفية تجنب حدوث هذه الأزمات، إلى مناقشة قضايا أوسع نطاقا شملت إصلاح النظام المالى العالمي، وإصلاح المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية، وتحقيق النمو الاقتصادى العالمى المتوازن، وتشجيع مساعدات التنمية. وتزداد أهمية التمثيل الأوسع هنا بالنظر إلى أهمية هذه القضايا بشكل عام، ومسألة إصلاح النظام المالى العالمى والمؤسسات المالية التقليدية (صندوق النقد والبنك الدوليين)، بشكل خاص، بالنسبة للدول النامية والتى تعد المستفيد، أو المتضرر، الأكبر من سياسات ومؤسسات هذا النظام، الأمر الذى يتطلب ضمان تمثيل أوسع للدول النامية داخل المجموعة. العامل الثانى يتعلق بالأهمية الخاصة لمبدأ «التمثيل العادل» ذاته بالنسبة لمصداقية مجموعة العشرين؛ فقد قامت فلسفة تأسيس المجموعة على تمثيل أكبر للاقتصادات الناشئة فى عملية صنع القرار الاقتصادى والمالى الدولي، فى مواجهة مجموعة السبع أو الثمانى الصناعية التى تقوم على تمثيل محدود وشديد التحيز داخل الجماعة الاقتصادية العالمية. وتزداد أهمية فكرة التمثيل الأوسع والأكثر عدالة للدول والاقتصادات الناشئة داخل المجموعة فى هذه المرحلة الدقيقة بالنظر إلى تطرقها، كما سبق القول، لموضوع شديد الأهمية وهو إصلاح النظام المالى وإصلاح مؤسسات «بريتون وودز»، وعملية التحول فى هيكل النظام العالمي؛ فرغم الطابع الاقتصادي- المالى للمجموعة إلا أنها باتت تمثل مسرحا وإطارا كاشفا للتحولات الجارية فى هيكل هذا النظام فى اتجاه تطور نظام متعدد الأقطاب. كل هذه العوامل تؤكد ضرورة دمج وتمثيل أكثر عدالة للاقتصادات النامية والناشئة داخل المجموعة لضمان الوصول إلى نظام عالمى أكثر عدالة، ومؤسسات مالية أكثر فعالية وأكثر قدرة على التعامل مع مشكلات الدول النامية، خاصة بعد أن أثبتت الأزمة الاقتصادية والمالية الأخيرة، التى بدأت داخل الولاياتالمتحدة وانتقلت إلى الاقتصادات الأوروبية، والتى تكاد تعصف بكيان الاتحاد الأوروبي، أن الاقتصادات النامية أو الناشئة ليست هى المصدر الوحيد للأزمات الاقتصادية والمالية العالمية، وأن مساهمات الاقتصادات الغربية المتقدمة فى هذا المجال لا تقل حجما أو خطورة. والواقع أن الاقتصادات الناشئة والنامية الأعضاء بمجموعة العشرين تقع عليها تحديات مهمة فى هذا المجال، الأول هو إقناع الدول المتقدمة من أعضائها (دول مجموعة السبع الصناعية بالأساس) بأن تعاظم دور مجموعة العشرين على حساب مجموعة السبع الصناعية منذ أواخر عام 2008 لا يمثل مرحلة مؤقتة ترتبط بظروف الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة، بقدر ما يعبر عن اتجاه لتحول مستقر فى هيكل حوكمة النظام الاقتصادى العالمى Global Economic Governance التحدى الثانى هو أن تنجح دول المجموعة فى بناء قناعة لدى الدول النامية بشكل عام، بأن مجموعة الدول النامية الأعضاء بالمجموعة تعبر أو تمثل بشكل كاف ومرض عن طموحات اقتصادات الدول النامية وليس عن مصالح الاقتصادات الناشئة فقط. ولعل كلمة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى أمام المجموعة تعكس بالفعل هواجس ومصالح الدول النامية إزاء النظام الاقتصادى العالمي، والتى جاء على رأسها ضرورة إعادة هيكلة الحوكمة الاقتصادية والمالية الدولية بشكل يضمن مساهمة أكبر للدول النامية فى تلك العملية، وضبط حركة رؤوس الأموال والتدفقات المالية غير المشروعة، وتحسين شروط التجارة الدولية، وتعزيز قطاع الطاقة المتجددة، وغيرها من القضايا التى تشغل الدول النامية. إن إدراك مصر لهذه القضايا وتضمينها خطاب رئيس جمهورية مصر العربية أمام المجموعة يؤكد من جديد الدور الذى يمكن أن تلعبه مصر كصوت معبر عن مصالح الاقتصادات الناشئة، من ناحية، وبما يضمن تمثيل أكثر عدالة داخل المجموعة، من ناحية أخرى. لمزيد من مقالات د. محمد فايز فرحات