رغم ان ولاية مكلنبرج فوربومرن فى شمال شرق المانيا ولاية صغيرة ضعيفة إقتصاديا لا يتعدى عدد ناخبيها 1.3 مليون ناخب وليس لها تاثير يذكر على موازين القوى السياسية فى المانيا إلا ان نتائج الإنتخابات المحلية فيها هذه المرة توصف بانها زلزال سياسى تمكن من هز عرش المستشارة انجيلا ميركل واثبت لكل متشكك أن اليمين المتطرف اصبح لاعبا اساسيا على الساحة السياسية فى البلاد. فوز الحزب الاشتراكى الديموقراطى فى الولاية الفقيرة لم يكن مفاجئا حيث تعتبر معقلا من معاقله منذ سنوات طويلة ولكن صعود حزب «البديل من اجل المانيا» الشعبوى اليمينى المتطرف ليحصد اكثر من 21% من اصوات الناخبين فى اول مشاركة له فى الانتخابات ليسبق حزب المستشارة المسيحى الديموقراطى ويحتل المرتبة الثانية، هذه هزيمة موجعة لأكبر حزب سياسى فى المانيا وهزيمة شخصية لأنجيلا ميركل التى تقع دائرتها الانتخابية فى هذه الولاية! وبهذا الفوز يصبح الحزب اليمينى المعادى للأجانب وللمسلمين وللاجئين والصاعد بقوة الصاروخ، ممثلا فى تسع ولايات من بين 15ولاية المانية ويقدر متوسط شعبيته على مستوى المانيا بالكامل بحوالى 13%من الأصوات، فى وقت تتراجع فيه شعبية الإئتلاف الحاكم بقيادة ميركل فيحصل حزب ميركل المسيحى الديموقراطى على 32% وشريكه الإشتراكى الديموقراطى على 22% من الاصوات. اما شعبية المستشارة نفسها فهى فى هبوط مستمر منذ أكثر من عام وحاليا لا تحظى كمستشارة سوى على تأييد 42% من الالمان فى احدث استطلاع للرأي. لقد تسببت هذه النتيجة فى صدمة فى المانيا وارتفعت اصوات المنتقدين للمستشارة وسياستها الخاصة باللاجئين داخل حزبها المسيحى الديموقراطى وبشكل اكثر حدة داخل شريكها فى ولاية بافاريا الحزب المسيحى الإجتماعى تحملها المسئولية الأكبر وراء هذه الهزيمة وتحذر من موجة هروب لناخبى الحزب إلى حزب البديل اليميني، بعد ان كشفت التحليلات الأولى لنتائج الإنتخابات المحلية أن الحزب اليمينى تمكن دون برنامج إقتصادى او إجتماعى واضح لتحسين اوضاع الناخبين والنهوض بالولاية من تحقيق هذه النتيجة بل ومن إجتذاب نسبة كبيرة للغاية من الناخبين التقليديين لحزب ميركل وكان الملف الوحيد الذى استغله الحزب لتحقيق هذه النتيجة هوملف اللاجئين! وبنى حزب البديل من اجل المانيا حملته الإنتخابية على التصريحات العنصرية المعادية والرافضة لأكثر من مليون لاجيء دخلوا المانيا خلال العام الماضى وحده ومعظمهم من المسلمين من افغانستان وسوريا والعراق ودول شمال أفريقيا، فاخذ مرشحه يؤجج مخاوف الألمان من تغير هوية المانيا المنفتحة ومن المسلمين الذين يعتزمون تحويلها إلى خلافة إسلامية ويحملون معهم الفكر الجهادى الذى يدفع الشباب للتطرف، فضلا عن النظرة الدونية للمراة والتحرش بالنساء الألمانيات كما حدث فى ليلة رأس السنة فى العديد بالمدن الالمانية ! المستشارة الألمانية وجدت نفسها إزاء هذه العاصفة المضطربة والإتهامات الموجهة لها مضطرة للدفاع عن نفسها فادلت بتصريحات مهمة للغاية اثناء مشاركتها فى قمة العشرين فى الصين استكملت بها سلسلة من تصريحاتها فى الإسبوع الماضى وتتضمن كلها الرسائل التالية: اولا انها تتحمل جزء من المسؤلية عن هذه النتائج السيئة لحزبها باعتبارها رئيسة للحزب وليس بالضرورة بسبب سياستها الخاطئة. ثانيا من اسباب الخسارة سيطرة موضوع اللاجئين كملف اوحد على اهتمام الناخبين فى المانيا على حساب السياسات الإقتصادية وخفض البطالة وتحسين مستوى معيشة المواطنين وهى الملفات التى حقق فيها حزبها نجاحات ملموسة. ثالثا انها متمسكة بسياسة التعامل مع اللاجئين التى تنتهجها منذ ان فتحت حدود المانيا فى سبتمبر العام الماضى وحتى اليوم حتى لو كان بها بعض الإخطاء فميركل تراهن على السياسات والإستراتيجيات طويلة الامد وليست سياسات الفرقعة الإعلامية. وعندما اتخذت قرارها التاريخى باستقبال اللاجئين فى العام الماضى كان ذلك اولا بدافع إنسانى وثانيا للحيلولة دون انهيار اتفاقية شنجن وخوفا من ان تبدأ الدول الأوروبية فى إغلاق حدودها تباعا فسمحت للاجئين بالمرور إلى المانيا. ومنذ ذلك الوقت فإن المستشارة ترى رابعا انها حققت نجاحات فى خفض أعداد اللاجئين فتمكنت من وقف تدفق المهاجرين واللاجئين القادمين عبر البلقان بتوقيع الاتفاق الشهير مع تركيا. وتم إتخاذ إجراءات اوروبية مشتركة لضبط الحدود الخارجية، وقدمت المانيا المليارات لتحسين اوضاع اللاجئين السوريين فى دول الجوار، وتم إبرام اتفاقيات مع دول شمال أفريقيا والبلقان بإعتبارها دول آمنة لإعادة المهاجرين غير الشرعيين إليها، واذا كان عدد اللاجئين الذين دخلوا المانيا خلال عام اكثر من مليون فإن التقديرات لهذا العام تتحدث عن 300 الف فقط. خامسا تقول المستشارة انها اتخذت سياسات مشددة للإسراع فى دمج اللاجئين الذين دخلوا البلاد، فهناك قانون للإندماج يتضمن عقوبات لمن لا يشارك بجدية فى دورات تعلم اللغة الألمانية والتأهيل لسوق العمل، وهناك قوانين اللجوء التى تم تشديدها وسيتم ترحيل سريع للاجئين الذين يرتكبون مخالفات. سادسا هناك دعم مالى كبير للولايات الالمانية تتحمله الحكومة لتساهم فى تحمل نفقات هذا العدد الهائل من اللاجئين. خلاصة القول هى ان ميركل رفضت تماما الربط بين نتائج هذه الانتخابات وبين قرار ترشحها لمنصب المستشارة لفترة ثالثة فى الانتخابات البرلمانية فى العام المقبل. هى ترى ان الوقت لم يحن بعد لإعلان هذا القرار وفى الأغلب ستعلن عنه فى شهر ديسمبر المقبل لتربط ذلك بالتصويت عليها كرئيسة لحزبها المسيحى الديموقراطى وتضمن بذلك الحصول على تأييد اكبر من اعضاء حزبها، فحتى من ينتقدون سياستها سيضطرون للتصويت لها فهى ضمان لهم بإستمرار الحزب فى السلطة. ولإستعادة ثقة الناخبين فيها شخصيا وفى حزبها وسحب البساط من تحت اليمين الشعبوى تعتزم ميركل، ليس تغيير سياستها الخاصة باللاجئين وانما الإسراع فى تنفيذها حتى تؤتى ثمارا يلمسها المواطنون، ويشعرون ان عملية الإندماج تسير سريعا وفقا لخطة واضحة وان ترحيل من لا مكان له هنا يتم سريعا ايضا، وان وجود اللاجئين لن يؤثر على الطبقات المهمشة او الضعيفة ماديا وإجتماعيا.المستشارة بعثت برسالة طمأنة للألمان، بأن المانيا لن تتغير هويتها الثقافية بسبب اللاجئين المسلمين، وانها ستبقى دولة القانون والحريات وأن نقاب بعض النساء المسلمات الذى يثير الاستياء العام سيسمح به فى حدود الدستور ولكن يمكن حظره فى الهيئات الحكومية والمدارس والمحاكم والمستشفيات. اما الالمان الذين تنتابهم مخاوف وهواجس من اللاجئين المسلمين، وانهم قد يشكلون خطرا إرهابيا بعد ان نفذ لاجئان افغانى وسورى اعتداءين فى المانيا، فتقول لهم المستشارة ان المانيا مستهدفة من الإرهاب من قبل دخول موجة اللاجئين ومنذ شاركت فى التحالف الدولى فى أفغانستان. ولكن حتى إذا نجحت إستراتيجية ميركل فى وقف نزيف النقاط لحزبها فى إستطلاعات الرأى وفى الانتخابات المحلية الهامة فى الاسبوع المقبل فى ولاية برلين، فإن حزب البديل من اجل المانيا كما يتوقع المراقبون اصبح عنصرا ثابتا فى المشهد السياسى الالمانى وسيستغل دائما خوفا متأصلا لدى كثير من الألمان من «الأجنبى الغريب « ومن فقدان إنجازات دولة الرفاه الإجتماعى ومن التهديدات الإرهابية وغيرها من المخاوف التى توصف فى ادبيات التحليل السياسى بالخوف الألمانى او وفى الأغلب سيتمكن الحزب اليمينى المتطرف من تخطى حاجز الخمسة بالمائة ودخول البرلمان الالمانى فى العام المقبل وهذا فى حد ذاته سيعد يوما اسود فى تاريخ المانيا الحديث.